قرر البنك العربي استئناف حكم محكمة في نيويورك صادر بحقه اول من امس في قضية قدمها ضده مدعون يحملون الجنسيات الإسرائيلية والاميركية، مندداً بمنع القضاء محامي المصرف من تقديم معظم الأدلة التي تبرئه من تهم تمويل الإرهاب، وذلك بعدما كانت محكمة المقاطعة الشرقية لمدينة نيويورك اصدرت اول من امس حكما دانت فيه المصرف بتقديم دعم مادي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).
رد الفعل جاء حاسماً وداعماً للبنك العربي من المصرف المركزي الأردني، الذي أكد ثقته من قدرة المصرف على الدفاع عن نفسه ضد الحكم «غير العادل»، فيما قال محافظه زياد فريز لـ»رويترز« إن «المركزي واثق من متانة الأوضاع المالية للبنك العربي وقدرته على استيعاب أي تبعات سلبية قد يتعرض لها».
وأعلن المركزي في بيان قدرة البنك العربي على مواجهة اي تبعات مالية سلبية قد يتعرض لها، مضيفا أن «المركزي يؤكد سلامة ومتانة الوضع المالي للبنك العربي وقدرته على استيعاب أي تبعات مالية سلبية قد يتعرض لها نتيجة هذا القرار حيث يحتفظ البنك باحتياطيات كافية وسيولة عالية وبرأسمال قوي يتجاوز 7,9 مليارات دولار».
أضاف البيان «لم تأل الحكومة الأردنية والمصرف المركزي الأردني جهداً في تقديم الدعم والمساندة للبنك العربي حيال تلك القضية وذلك في سياق القناعة الراسخة بسلامة كافة العمليات المصرفية التي يقوم بها المصرف«.
البنك العربي، الذي حقق نموا في ارباحه الصافية العام الماضي بنسبة 43 في المئة، لم يُفاجأ بالقرار «نظراً للعقوبات التي فرضتها المحكمة سابقاً عليه والتي فسرت في حينها أن التزام المصرف أحكام السرية المصرفية في البلدان التي يعمل بها لا يعكس حسن نية المصرف متجاهلة أحكام القوانين في الدول التي يعمل بها المصرف والتي تمنع المصارف العاملة فيها من إفشاء معلومات مصرفية لأي جهة خارجية ويعرضها لعقوبات جزائية في حال الإفشاء«.
من جهتها، مصادر في مصرف لبنان رفضت التعليق على مجريات هذه القضية، وقالت ان هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان والتي يرأسها حاكم المصرف المركزي لم تتسلم بعد اي مستندات خاصة بهذا الملف لتجتمع وتدرس على اي قاعدة تم اتخاذ الحكم، وما اذا كانت قاعدة صلبة، ومن اي محكمة«.
مع الاشارة هنا الى ان الحكومة الاميركية، ومن خلال مذكرة المحامي العام الاميركي التي قدمها إلى المحكمة العليا الاميركية في أيار الماضي حول هذه القضية، كانت انتقدت بشكل كبير العقوبات التي فرضتها محكمة المقاطعة على البنك العربي، وتضمنت هذه الانتقادات ان محكمة المقاطعة أخطأت في»أمور قانونية جوهرية عدة«.
بيان البنك العربي
ونص بيان رسمي صادر عن المصرف غداة قرار محكمة نيويورك، على الآتي: «أصدرت محكمة المقاطعة الشرقية لمدينة نيويورك بتاريخ 22/9/2014 حكماً بمسؤولية المصرف المدنية في قضية لندي المقامة ضده في نيويورك من قبل مدعين يحملون الجنسيات الإسرائيلية والاميركية. ويأتي هذا القرار متوقعاً نظرا للعقوبات التي فرضتها المحكمة سابقاً على المصرف والتي فسرت في حينها أن التزام المصرف أحكام السرية المصرفية في البلدان التي يعمل بها لا يعكس حسن نية المصرف متجاهلة أحكام القوانين في الدول التي يعمل بها المصرف والتي تمنع المصارف العاملة فيها من إفشاء معلومات مصرفية لأي جهة خارجية ويعرضها لعقوبات جزائية في حال الإفشاء«.
وذكر البيان انه على اثر القرار «سيقوم المصرف بتقديم طلب استئناف لهذا الحكم لدى المحكمة المختصة والطلب من المحكمة إعادة النظر في قرار محكمة المقاطعة حسب الإجراءات المعتمدة انطلاقاً من قناعة المصرف بسلامة موقفه في هذه القضية، حيث سيقوم المصرف بتقديم دفوعه لمحكمة الإستئناف والطعن بجميع الإجراءات والأدلة التي لم يتسن له تقديمها أثناء المحاكمة الابتدائية بسبب تلك العقوبات«.
الحكومة الاميركية تنتقد
ولفت البيان الى ان الحكومة الاميركية، ومن خلال مذكرة المحامي العام الاميركي التي قدمها إلى المحكمة العليا الاميركية في أيار الماضي حول هذه القضية، كانت قد انتقدت بشكل كبير العقوبات التي فرضتها محكمة المقاطعة على البنك العربي، حيث تضمنت هذه الانتقادات أن محكمة المقاطعة قد أخطأت في أمور قانونية جوهرية عدة منها:
– افتراضها أن التزام المصرف أحكام السرية المصرفية في هذه القضية المدنية الخاصة لا يعكس حسن نية المصرف.
– عدم قيامها بإعطاء وزن كاف لمصالح الحكومات الأجنبية في تنفيذ قوانينها الخاصة ضمن سيادتها الإقليمية وفي تطبيق احكام السرية المصرفية الخاصة بها.
– عدم مراعاتها مبدأ التوازن في المصالح ذات العلاقة الذي يختلف بشكل جوهري عند قيام طرف مدني خاص بطلب مستندات متواجدة في دولة أجنبية، حيث أن مثل هذه الطلبات الخاصة تشكل تعدياً على مصالح السيادة الأجنبية (احترام القوانين الأجنبية).
– عدم إعطاء وزن كاف للمصالح الخاصة بالولايات المتحدة والسيادة الأجنبية.
وشددت الحكومة الاميركية من خلال مذكرة المحامي العام الاميركي، على أن أي حكم يصدر استناداً لهذه العقوبات من دون تعديلها من قبل محكمة المقاطعة سيكون خاضعاً للفحص الدقيق والنقض من قبل محكمة الاستئناف، وأن سبب توصيته بعدم قبول طلب البنك العربي كان بناءً على توقعاته بان محكمة المقاطعة ستقوم بإجراء هذه التعديلات ومعالجة طريقة تطبيق هذه العقوبات خلال المحاكمة. ورغم ذلك، قام قاضي محكمة المقاطعة بتطبيق هذه العقوبات وتوجيه المحلفين بشكل متشدد، الأمر الذي سيدعم موقف المصرف بشكل كبير امام محكمة الاستئناف.
سوابق قضائية
كذلك اشار بيان البنك العربي الى ان محكمة الاستئناف في نيويورك، والتي ستنظر في طلب الاستئناف، كانت قد اصدرت قرارات قطعية تعتبر سوابق قضائية أسقطت بموجبها قضايا مماثلة الزمت المدعين بإثبات وجود ارتباط مباشر ما بين الخدمات المصرفية التي قدمتها المصارف وما بين الضرر الذي لحق بالمدعين، اضافة الى أن المحكمة العليا الاميركية أكدت هذه السوابق القضائية والتي تحتم ضرورة اثبات العلاقة السببية المباشرة بين افعال المدعى عليه المزعومة والاضرار التي لحقت بالمدعين. ورغم هذه السوابق الصادرة عن محكمتي الاستئناف والعليا الاميركيتين، الا ان قاضي محكمة المقاطعة رفض تطبيق هذه القرارات والسوابق والالتزام بها.
اضاف البيان انه «خلال المحاكمة الابتدائية التي استمرت اكثر من اربعين يوماً لم يقدم المدعين أدلة أو بينات تشير إلى علاقة المصرف بالأعمال والحوادث موضوع الدعوى. ففي القضية المماثلة والتي أقامها المدعي ماتي جيل ضد البنك العربي والتي استندت بشكل كبير إلى الأدلة نفسها في قضية لندي أصدر كبير القضاة جاك واينشتاين حكماً لصالح البنك العربي رد بموجبه القضية«.
القاضي منع المصرف من تقديم غالبية أدلته
وتابع البيان انه «خلافا لما كان متوقعاً من قبل المصرف والمحامي العام الاميركي، قام القاضي بتطبيق العقوبات بشكل موسع وقاس ومنع المصرف من تقديم غالبية أدلته التي تثبت عدم مسؤوليته، ومن ضمنها السياسات والاجراءات التي اتبعها في مجال مكافحة تمويل الارهاب وتعاونه مع الجهات المعنية والمختصة لهيئة المحلفين. كما حرم المصرف من حق الدفاع عن نفسه، حيث منع رئيس مجلس الادارة، صبيح المصري، وباقي شهود المصرف المختصين من الاجابة عن اسئلة حول التزام المصرف مكافحة تمويل الارهاب ومنع تبييض الاموال ضمن التزامه متطلبات القوانين والتعليمات الاجنبية المتعلقة بهذا الموضوع«.
كما ان المحكمة، بحسب البيان، استبعدت العديد من شهود المصرف المؤهلين والمطلعين على أعمال اللجنة السعودية الذين كانوا سيشهدون حول مشروعية اللجنة والتي تشكل أحد محاور الدعوى الرئيسية حيث كانت هذه اللجنة قد انشئت بموجب مرسوم ملكي سعودي لغاية تقديم المساعدات الانسانية للشعب الفلسطيني في الظروف القاسية التي مر بها خلال فترة الانتفاضة الثانية، في حين أنها سمحت للمدعين ان يقدموا شهوداً غير مؤهلين وغير مطلعين على طبيعة اعمال اللجنة السعودية ومشاريعها الخيرية، متجاهلين ان اللجنة قد حظيت بتقدير دولي كبير لأعمالها الانسانية.
مكانة ومتانة البنك العربي
واكد البنك العربي في بيانه انه في ما يتعلق بحجم التعويضات المتوقعة في حال تم رد إستئناف المصرف والبدء في إجراءات تحديد قيمة التعويضات، فان «التطرق لمثل هذا الموضوع هو سابق لأوانه حيث أن هذه القضية مدنية تعويضية وليست رقابية حكومية وبالتالي فإن تقدير التعويضات يعتمد على مقدار الضرر الفعلي، إن وجد، لكل فرد من المدعين وهو أمر محكوم بإجراءات وضوابط وإثباتات ومحددات مما يستغرق فترة زمنية طويلة، علماً بأن المصرف متحوط لهذا الأمر«.
وشدد البيان على ان مكانة وأعمال البنك العربي على إمتداد شبكته المحلية والإقليمية والعالمية والتي تمتد عبر 30 دولة في 5 قارات «لم ولن تتأثر بأي قرار قد ينجم عن مراحل المحاكمة. فالمصرف العربي وعبر تاريخه المصرفي العريق على إمتداد أكثر من 84 عاماً، شهد العديد من التحديات بما في ذلك الإحتلال والحروب والاضطرابات السياسية وتأميم فروعه والأزمات المالية العالمية والتي تتجاوز بطبيعتها وحجمها وتبعاتها قضية من هذا النوع مؤكداً لعملائه ومساهميه وكافة الأطراف المتعاملة على متانة مركزه المالي واستقراره وسير أعماله، حيث سيستمر المصرف بأداء خدماته على أتم وجه«.
واشار الى ان المصرف كان حقق نموا في أرباحه الصافية العام الماضي بنسبة 43 في المئة في حين بلغت أرباح المصرف خلال الاشهر الستة الأولى من هذا العام 415 مليون دولار مع احتفاظه بمستويات سيولة مرتفعة، حيث بلغت نسبة صافي القروض الى الودائع 62,5 في المئة في حين تبلغ القاعدة الرأسمالية للبنك العربي 7,9 مليارات دولار«.
وختم البيان بالتأكيد ان البنك العربي «كان ولا يزال حريصا كل الحرص على تطبيق أعلى معايير النزاهة في سلوكه وعملياته المصرفية للمحافظة على مكانته الريادية في القطاع المصرفي سواءً في المنطقة أو خارجها، ويقوم بتوظيف نظام الامتثال لديه بصورة فعّالة التزاماً منه بالمتطلبات الرقابية في ممارسة أعماله كجزء من التزامه بمكافحة تمويل الإرهاب، مؤكداً على أن المصرف كان ولا يزال يقوم بدور حيوي في المنطقة من خلال مساهمته الفاعلة في دعم التنمية الاقتصادية«.
وكان محامو البنك العربي الذين حضروا الجلسة اعلنوا فور صدور القرار انهم سيدرسون امكان استئناف الحكم الذي اعتبروه «عدالة وهمية«.
من جهته، قال البنك العربي في بيان بعد صدور الحكم انه «في مثل هذه الظروف، لا يشكل مفاجأة الحكم الذي يدين المصرف الذي لم يقدم سوى خدمات مالية قانونية وروتينية«.