في أواخر الثمانينيات، تحولت الشركات الأمريكية من باطنها إلى ظاهرها بسبب هوسها الداخلي بعمليات الاستحواذ العدائية. من يسمون “البرابرة عند البوابة” قلبوا النظرة النمطية للرئيس التنفيذي الأمريكي. منذ ذلك الحين، كان الشيء الوحيد المهم هو الحفاظ على سعر السهم في أعلى مستوى ممكن. اليوم، مع إعادة شراء الأسهم على التوالي في مستويات قياسية، ذريتهم يجلسون داخل بوابات مجالس الإدارة في الشركات. هم أكثر هدوءا من أسلافهم التخريبين. بدلا من الاستفادة من أموال الآخرين لتمويل عمليات الاستحواذ، يدعمون أسعار الأسهم بعائدات شركاتهم. لكن النتيجة هي إلى حد كبير نفسها. إنهم يأخذون من المستقبل لمسايرة الحد الأدنى اليوم. وليذهب إلى الجحيم أصحاب المصالح الآخرين.
في وقت يتسم بارتفاع الربحية، قامت الشركات الأمريكية بتكديس كميات ضخمة من النقد، كثير منه موضوع في الخارج. لكن استثماره في النمو على المدى الطويل هو آخر شيء في أذهانهم. ووفقا لبنك باركليز، أنفقت الشركات الأمريكية أكثر من 500 مليار دولار في العام الماضي على عمليات إعادة شراء الأسهم – وهذا يشكل أضعاف ما ينفقه بعضها على البحث والتطوير والاستثمارات الرأسمالية الأخرى. في الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، ارتفعت عمليات إعادة الشراء لتصل إلى 338.3 مليار دولار – أكبر حجم نصف سنوي منذ عام 2007. الأساس المنطقي بسيط. فعن طريق الحد من حجم الأسهم القائمة، يزيد الرؤساء التنفيذيون من نصيب ربحية السهم. وهذا بدوره يرفع رواتبهم، التي ترتبط بشكل كبير بأداء الأسهم على المدى القصير. وإذا كنت بحاجة إلى تفسير لماذا كان أعلى 0.1 في المائة ممتازا إلى هذا الحد، ابدأ بالبحث من خلال التعويض على أساس الأسهم.
لكن الأثر أوسع من ذلك بكثير. فوفقا لويليام لازونك، وهو باحث في جامعة ماساشوستس لويل، سبع من أعلى أكبر عشر شركات أعادت شراء أسهمها أنفقت على عمليات إعادة الشراء والأرباح أكثر من صافي دخلها بالكامل بين عامي 2003 و2012. وفي حالة شركة مثل هيوليت باكارد، التي أنفقت 73 مليار دولار، كان ذلك المبلغ تقريبا ضعف أرباحها. وبالنسبة لإكسون موبيل، التي جاءت في مرتبة أعلى، بإنفاقها 287 مليار دولار في عمليات إعادة الشراء والأرباح، بلغ ذلك 83 في المائة من صافي الدخل. وكانت شركات أخرى أكثر إسرافا، مثل مايكروسوفت (125 في المائة)، وسيسكو (121 في المائة) وإنتل (109 في المائة). في المجموع، أنفقت أعلى 449 شركة في ستاندرد آند بورز 500 مبلغ 2.4 تريليون دولار – أو أكثر من نصف أرباحها – على عمليات إعادة الشراء في تلك السنوات. وأنفقت المبلغ نفسه تقريبا في توزيعات الأرباح. وبلغت مجتمعة 91 في المائة من صافي الدخل.
أخيرا بدأ الاقتصاد الأمريكي في زيادة سرعته، لكن هذا الاتجاه زادت سرعته فقط في العام الماضي. أليس هناك استخدام أفضل للأموال من قبل مجالس الإدارة الأمريكية؟ من الواضح لا. هناك نوعان من القوى الدافعة لطفرة إعادة الشراء.
أولا، هناك ندرة في فرص الاستثمار. لورنس سمرز، المستشار الاقتصادي الأول سابقا للرئيس باراك أوباما، يلوم الركود طويل الأمد – العائد المتوقع من الاستثمار أقل من تكلفة رأس المال، على الرغم من أن أسعار الفائدة تعتبر قريبة من الصفر. بعبارة أخرى، معدل الاقتراض يجب أن يكون سلبيا لإقناع الشركات بتعزيز إنفاق رؤوس أموالها. وبما أن أسعار الفائدة إيجابية، فمن المنطقي أن ينتفخ سعر السهم مع إعادة الشراء. النظرية تناسب الحقائق. الشركات متشائمة حيال مستقبل الابتكار بشكل واضح. ويعتبر الإنفاق في قسم البحث والتطوير في الشركات راكدا وتذهب حصة متزايدة لتطوير المنتجات بدلا من البحث الأساسي. لكن هذا ليس سوى تفسير جزئي.
المتهم المباشر في ذلك هو الانخفاض في جودة حوكمة الشركات. فمتوسط مدة الخدمة للرئيس التنفيذي الأمريكي آخذة في الانخفاض. وإعادة شراء الأسهم بدلا من الاستثمار تعتبر منطقية، إذا كنت لا تتوقع أن تكون موجودا حين يتم توزيع الغنائم. بل هي لا يستحق عناء التفكير إذا كنت تقيس الآفاق الزمنية لمعظم حزم المكافآت التنفيذية. في عام 2012 كان متوسط أعلى 500 رئيس تنفيذي أجرا في الولايات المتحدة 30.3 مليون دولار لكل منهم، وذلك وفقا للبروفيسور لازونك. وجاء أكثر من 80 في المائة من ذلك على شكل خيارات شراء أسهم أو مكافآت بالأسهم. وتميل حوافزهم نحو استخلاص القيمة من الشركات التي يديرونها، بدلا من خلق القيمة المستقبلية.
ما الذي يمكن عمله؟ غريزة الكسل هي المسؤولة عن جشع التنفيذيين. لكن جشع الإنسان قديم منذ الأزل. إذا تم تنسيق الأمر بشكل صحيح، يجب علينا جميعا الاستفادة منه. المشكلة هي أن حوافز الشركات الأمريكية أصبحت غير متوازنة إلى حد بعيد مع مصالح المجتمع. منذ انطلاق موضة إعادة الشراء، ارتفع متوسط مدفوعات الشركات إلى أكثر من 300 مرة ضعف متوسط الإيرادات (وأعلى من ارتفاعه 20 مرة في السبعينيات)، في حين أن متوسط الأجور في حالة ركود. وفي الوقت نفسه، الضرائب على الشركات تواصل تضاؤلها كنسبة من الإيرادات الفيدرالية. الترياق الضعيف، مثل المساهمين الذين لهم الحق في التصويت على أجور المديرين التنفيذيين، غير ملزم ولا يعمل على ضبط هذا الاتجاه العام. بدورها المواعظ الأخلاقية غير مجدية في معظم الأحوال. هناك حاجة إلى معالجات أكثر صرامة.
في الأسبوع الماضي تحمس المستهلكون خلال إطلاق “آيفون6”. إنه ابتكار أمريكي في أفضل حالاته. هل ستبقى “أبل” في الطليعة بعد عشر سنوات من الآن؟ لن تكون كذلك إذا حكمنا من خلال ما تفعله بسيولتها. الشركة تحتفظ بعشرات المليارات من الدولارات في الخارج لتجنب دفع الضرائب المفروضة على الشركات الأمريكية. لكنها تقترض من الداخل – بما في ذلك إصدار سندات سجل رقما قياسيا بلغ 17 مليار دولار العام الماضي – لتمويل موجة من إعادة شراء حصة ضخمة (تنفق “أبل” على عمليات إعادة شراء الأسهم أكثر من أي شركة أمريكية أخرى). جذور المشكلة تكمن في القوانين التنظيمية الإدارية الرديئة ونظام ضريبي قديم سيئ. ما لم يتم إصلاح هذه الأمور، فإن مجالس الإدارة ستظل تستنزف خزائنها على حساب أصحاب المصلحة الآخرين. سيكون الجشع دائما معنا. “القوانين الغبية تعتبر اختيارية”.