لعل السؤال الأكبر الذي يواجه الاستقرار الاقتصادي في أوروبا هو ما سيحدث إذا ما استمرت إيطاليا في الركود كما فعلت على مدى السنوات الـ 15 الماضية. هل ستجري الأمور على النحو الذي تسير عليه الآن، ولكن أيضا على نحو من الركود الإضافي القليل؟
إذا وضعنا الأمور بصورة فجة، ما عواقب الفشل؟ الوضع الاقتصادي في إيطاليا غير قابل للاستدامة، وسيؤدي في نهاية المطاف إلى العجز عن سداد الديون ما لم يكن هناك تغيير مفاجئ ومتواصل في النمو الاقتصادي. عند هذه النقطة، فإن مستقبل إيطاليا في منطقة اليورو سيكون أيضاً موضع شك- بل ومستقبل اليورو نفسه.
ما نشهده في إيطاليا يعتبر ديناميات وحشية من انكماش الدين؛ حيث عمل الانخفاض في مستوى الأسعار على زيادة القيمة الحقيقية للدين. فبين عامي 2007 و2013، ارتفعت نسبة ديون القطاع العام الإيطالي إلى الناتج المحلي من 103.3 في المائة إلى 132.6 في المائة، وذلك وفقا لأرقام يوروستات. وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن ترتفع هذا العام إلى 137.5 في المائة.
إذا استمرت إيطاليا في وضع الجمود هذا، فإن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في عامي 2015 و2016 ستتجه نحو 150 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. المشكلة ليست في العدد ولكن في هذا الاتجاه. سأل قارئ أخيرا: عند أي نقطة ستفقد إيطاليا ملاءتها المالية؟ الجواب: لا أحد يعرف. فاليابان لا تزال قادرة على الوفاء بديونها، رغم أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي تزيد على 200 في المائة. لكن اليابان، على عكس إيطاليا، لديها مصرفها المركزي الخاص. إذا كان المستثمرون يعتقدون أنه يمكنك تحقيق الاستقرار في نسبة الديون الخاصة بك عند أي مستوى معين، فإنهم سيستمرون في إعادة تمويل الديون التي لديك. لكن بخلاف ذلك فإنهم لن يفعلوا.
كان السبب الرئيس للانفجار في نسبة الدين هو الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي الاسمي- قيمة الناتج الاقتصادي باليورو. وعندما ينخفض هذا، ترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. بل إنه حتى يرتفع عندما لا تتحمل البلاد أي ديون جديدة.
السبيل الوحيدة للخروج من هذا الفخ هو رفع الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بشكل أسرع من الديون. لكن إيطاليا تفتقر إلى أدوات السياسة. وليس لديها أسعار فائدة محلية يمكن أن تقوم بتخفيضها. وليس لديها بنك مركزي يمكنه تسييل ديونها. وليس لديها سعر صرف يمكنها أن تخفضه.
هناك جوانب مكافئة لكل هذه العوامل في منطقة اليورو، لكن أسعار الفائدة في منطقة اليورو هي الآن عند مستوى الصفر. البنك المركزي الأوروبي لم يقم (حتى الآن) بشراء السندات الحكومية الإيطالية. وسيتعين على اليورو خفض القيمة بنسبة 60 في المائة حتى تتمكن إيطاليا من تحقيق التخفيض لحجم مماثل لذلك الذي كان عام 1992، عندما خرجت الليرة الإيطالية بشكل مؤقت من آلية سعر الصرف الأوروبية.
ماذا عن الإصلاحات الاقتصادية؟ يمكن أن تساعد على توليد بعض النمو على المدى الطويل، ولكن من السذاجة قليلاً الاعتقاد أن الاقتصاد سيبدأ في النمو بمجرد أن تتمكن الشركات من فصل موظفيها. يجب على التكيف الاقتصادي اللازم أن يتجاوز كثيراً حفنة من الإصلاحات الهيكلية. وإيطاليا تحتاج إلى تغييرات في النظام القانوني، وإلى خفض الضرائب لتصل إلى المتوسط في منطقة اليورو، وتحتاج كذلك إلى تحسين جودة وكفاءة القطاع العام. إنها تحتاج، بعبارة أخرى، لتغيير النظام السياسي برمته.
حتى هذا قد لا يكون كافياً. لنتذكر أن لدى اليابان سوق عمل مرنة، ونظاما قانونيا يعمل بنجاح، وضرائب منخفضة نسبياً، إلا أن الاقتصاد الياباني استمر في تخييب الآمال لأكثر من عقدين من الزمن.
فما الخيارات الواقعية؟ أفضل الأمل يكمن في برنامج البنك المركزي الأوروبي لشراء الأصول، الذي من شأنه كسب الوقت لمعدلات التضخم الأوروبية للعودة إلى وضعها الطبيعي، ولانتعاش اقتصاد منطقة اليورو، وبالنسبة للحكومة الإيطالية لتنفيذ بعض الإصلاحات على الأقل.
يمكنني أن أفهم قيام البنك المركزي الأوروبي بشراء مجموعة واسعة من أدوات الدين، بدءا من الأوراق المالية المدعومة بالأصول والسندات المغطاة كما أعلن سابقاً. وعلاوة على ذلك، فإنه يستطيع شراء أنواع أخرى من الأوراق المالية- سندات من آلية الاستقرار الأوروبي، مظلة الإنقاذ في منطقة اليورو، ومن بنك الاستثمار الأوروبي. ويمكن استخدام بنك الاستثمار الأوروبي لإطلاق برنامج كبير لسندات البنية التحتية. أفضل أمل لإيطاليا هو أن يتغلغل بعض ذلك في الاقتصاد الحقيقي.
نحن في وضع نحتاج فيه إلى الكثير من العمل السياسي المشدد والمنسق لنجعل من الممكن لإيطاليا أن تنمو، وتقوم بخدمة الدين، والبقاء في نهاية المطاف في منطقة اليورو. لكن السياسة لا تتسم حتى الآن بالتشدد ولا التنسيق. وقد وعد ماتيو رينزي، رئيس الوزراء الإيطالي، بإصلاح جذري، لكن لم يتم تحقيق ذلك بعد. وهذا لا يكفي. تتطلب استدامة الديون الإيطالية وجود سياسات على مستوى منطقة اليورو التي تم استبعادها حتى الآن. هذا هو الشيء الذي سيتقرر فيه نجاح أو فشل منطقة اليورو.