كتب طوني عيسى في “الجمهورية”: بالنسبة إلى السيّد حسن نصرالله، «مَن يفاوض، عليه أن يضع أوراق القوة على الطاولة ليُظهر إمكان اللجوء اليها». ولضمان النجاح، على المفاوض أن يستنفد الخيارات والسيناريوهات كلها. فإذا فشل واحد يَعتمد آخر، وإذا فشل الآخر يَعتمد سواه. وهذا هو طريق النجاح في أيّ عملية تفاوض.
كشف نصرالله، في إطلالته الأخيرة، كيف إستطاع «حزب الله» تمرير كل القطوعات التي هدّدته في سلاحه، وحتى في وجوده، على مدى 9 أعوام. فبالإتكال على عاملين: التلويح بأوراق القوة والتأنّي في درس السيناريوهات، إنتقل من وضعية المهزوم في آذار 2005، إلى موقع الندّ للندّ من حرب تموز 2006 إلى إعتصام بيروت 2008، إلى الموقع القوي بعد الدوحة 2008، فموقع المنتصر بعد إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2011.
أما حكومة الرئيس تمام سلام فهي تتويج لإنتصار «حزب الله»، وليس العكس. فـ»الحزب» المرتاح جداً في سيطرته على القرار، تجرّأ، ومن فيض قوته، على التنازل شكلاً عن بعض السلطة لخصومه، ليضمن عملياً إستيعابهم وتجنيدهم لخوض المعركة إلى جانبه ضدّ التطرف السنّي. وهذا هو النموذج الذي عمَّمته إيران على حلفائها في لبنان والعراق.
منذ اليوم الأول للمواجهة في العام 2005، أدرك «الحزب» تماماً ما يفعل، ولم يُؤخَذ بردّات الفعل، ولم يسقط تحتها. وعمل لتحقيق هدفين متلازمين:
1- إستعادة أوراق القوة التي خسرها، والإحتفاظ بالأوراق التي يملكها وتدعيمها وإستقطاب أوراق جديدة (السلاح وهامش الحركة والتحكُّم بالقرار).
2- التخطيط جيداً للمعركة مع الخصوم، بحيث يتمّ إعتماد سيناريوهات عدّة إحتياطية وبديلة لكل حالة. فإذا فشل «الحزب» في تحقيق أحدها ينتقل إلى آخر…
ونجح «الحزب» حتى الآن في خطته. وعندما يقول نائب إيراني إنّ طهران باتت تسيطر على القرار في أربع عواصم عربية هي بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء، يجدر التنويه بأنّ «حزب الله» هو مَن صنع، وحده، نفوذ إيران في بيروت، وهو شريك في صناعة نفوذها في دمشق وبغداد.
ولكن، وللدقّة، يجدر الإعتراف بأنّ «حزب الله» يمتلك أساساً مقوّمات «غير إعتيادية» تمنحه التفوُّق، وأبرزها السلاح والدعم الإيراني – السوري. وهو لم يتورَّع عن إستخدام هذه المقوّمات ضدّ خصومه في الداخل عندما كان يصطدم بـ«عنادهم».
ولا تجوز اليوم المبالغة في إلقاء اللوم على فريق «14 آذار» لفقدانه زمام المبادرة تدريجاً منذ 2005، عندما كان مالكاً للسلطة، وفي موقع الهجوم، ومدعوماً من قوى دولية وإقليمية كبرى. فهو إستُهدِف بالعنف المركَّز والتصفيات الجسدية، فتزعزعت صفوفه وانفرط بعض حلقاته.
لكن على «14 آذار» أن تعترف أيضاً بأنها لم تكن في حجم الأمانة التي تسلَّمتها قبل 9 أعوام، في لحظة دولية- إقليمية يصعب تكرارها. وهي لم تلتقط فرصة الإنتصار، وانقادت إلى المساومات والصفقات المعتادة مع فريق لطالما خضَعت وإياه للوصاية السورية.
وغالباً ما كانت الصفقات أفخاخاً نصَبها «حزب الله»، من خلف الكواليس، ووقع فيها خصومه. وبقيت «14 آذار»، ولا تزال، تعيش على ردّات الفعل. وأهملت ما كانت تملك من أوراق قوة، وهي ليست قليلة. ولم تتَّسع لها إنشغالاتها لإقرار أيّ تخطيط أو سيناريو بديل، من أيّ نوع كان، على غرار خصمها.
أما «حزب الله» فاستطاع أن يدفع الدولة بكامل أجهزتها، وبمسؤوليها المنضوين في تيار «المستقبل»، لتكون معه في المواجهة. وهو بكلمة واحدة منح الدولة ضوءاً أخضر للمفاوضة أو للمقايضة في ملف العسكريين المخطوفين. وهذا الأمر ليس مستغرباً عندما تكون السعودية داعمة للحوثيين، حلفاء إيران، ليسيطروا على صنعاء!
ولكن، بعد أن يصل «الحزب» إلى ذروة السيطرة، ربما يبدأ العدّ العكسي… له ولخصومه معاً. فإذا كانت المعادلة السورية تدكُّ أسوار لبنان، فهذا يَطرح سؤالاً كبيراً: في سوريا، لم يُهزَم النظام وضعفت المعارضة الليبرالية تدريجاً لمصلحة «داعش» و»النصرة».
وفي لبنان لم يُهزَم «حزب الله» و»نظامه» وضعفت المعارضة الليبرالية- أي «14 آذار»- تدريجاً. فهل يكون ذلك أيضاً لمصلحة «داعش» و«النصرة» أيضاً؟
السؤال خطر. ولكنه منطقي، ويجدر التفكير فيه جيِّداً!.