IMLebanon

آسيا تتحرك لتنظيف صورتها الملطخة بالفساد الاقتصادي

FinancialTimes
جديون راشمان

يمكننا أن نرى على بعض الخرائط في العالم دولاً ملونة باللون الأحمر. أغلب هذه الدول موجود في آسيا، إضافة إلى الكثير منها في إفريقيا وأمريكا اللاتينية. لكن عدداً قليلاً منها، مثل الصين، ملون بظل غامق برتقالي، وهناك دولتان أخريان، هما أفغانستان وكوريا الشمالية، بلون ناري تماماً يميل للون البرتقالي الأصفر. هذه بعض من الخرائط التي تنتجها منظمة الشفافية الدولية، التي تراقب الفساد في العالم. وعندما يصل الأمر إلى الرشا، نجد أن الألوان الغامقة المتدرجة تعكس الدول التي لديها أسوأ سمعة في الفساد. وفي كل آسيا توجد فقط سنغافورة وهونج كونج واليابان ضمن أنظف 20 دولة في العالم في مؤشر الفساد الدولي.

يشكل هذا قلقا كبيراً للشركات متعددة الجنسيات التي لدى كثير منها عمليات كبيرة وواسعة في آسيا، التي تشتمل على الاقتصادات الأسرع نمواً في العالم. ويجد المديرون أنفسهم ملزمين بقضاء وقت طويل وجهد كبير وهم يفكرون كيف يمكنهم تجنب دفع الرشا، أو على الأقل كيف يدفعونها دون أن يمسك بهم أحد. ولهذا تقوم بعض الشركات المتعددة الجنسيات بتوظيف وسطاء للتعامل مع مثل هذه الوقائع الفوضوية. وبهذا يستطيع التنفيذيون الكبار إبعاد أنفسهم إلى حد ما عن الشبهات.

لكن هناك علامات تشير إلى أن هذا لم يعد كافياً. فقد أصبحت سلطات مكافحة الفساد في الولايات المتحدة وأوروبا أكثر حذراً وتحوطاً من ناحية ما تقوم به شركاتها في الخارج، كما أخذت البيئة في آسيا تتغير. وبدأت الشركات المتعددة الجنسيات تكتشف أن هناك شيئاً أسوأ من العمل في دولة خرج فيها الفساد عن السيطرة، وهو العمل في دولة انتشر فيها الفساد لكن لم يعد من الممكن تحمله.

هذا هو في الأساس ما حصل مع شركة جلاكسو سميث كلاين للأدوية. فهذه الشركة الإنجليزية – الأمريكية عالقة في جهود واسعة مناهضة للفساد تؤثر في كل مستويات المجتمع الصيني وأعماله. مثلاً، تم تغريم شركة جلاكسو سميث كلاين ثلاثة مليارات يوان صيني (488 مليون دولار) بعد أن قضت محكمة في مقاطعة هيونان بأنها مذنبة في دفع رشا لأطباء لكي يكتبوا وصفات طبية تشتمل على أدويتها. ولهذا أصبح لزاماً على الشركة المتعددة الجنسيات التي يبلغ إجمالي رسملتها السوقية 70 مليار دولار أن تقلق مما أظهره القضاة في المحكمة من تغيرات في العالم. وأطلقت التحقيقات الصينية حملة تحقيقات أخرى قامت بها وزارة العدل الأمريكية ومكتب الاحتيال الخطير في المملكة المتحدة.

حصلت الصين على الدرجة 40 في مؤشر الشفافية الدولية من حيث تصورات الفساد، حيث تعتبر الدرجة 0 هي الأعلى فساداً و100 هي الأكثر مثالية من حيث النظافة من الفساد (حققت كمبوديا الدرجة 20 وهي الأقل في آسيا، وسنغافورة الدرجة 86 وهي الأعلى في آسيا) والصين هي أكبر مثال عجيب على التغيرات في هذا المشهد. فقد اندفع تشي جينبينج، منذ أن أصبح رئيساً للصين في العام الماضي، بقوة لتنفيذ أجندة واسعة مناهضة للفساد، شملت كبار موظفي الحزب الشيوعي والشركات المحلية والأجنبية على حد سواء.

أما في دول أخرى في آسيا، فربما بدأت الاتجاهات تتغير في هذا المجال. الهند التي حققت الدرجة 36 في مقياس الشفافية الدولية هي واحدة من هذه الحالات، حيث بدأت أجواء الفساد تتغير حتى قبل أن يصبح ناريندرا مودي رئيسياً للوزراء ويعد باتخاذ إجراءات صارمة بحق البيروقراطية الميالة للفساد في البلاد. وفي السنوات الأخيرة من إدارة مانموهان سينج، أحدث الإفشاء عن عمليات تواطؤ في منح تراخيص في مجال الاتصالات ومناجم الفحم فضائح في البلاد. وبعد ذلك أدى الخوف بين البيروقراطيين من إمكانية اتهامهم بالفساد إلى جمود حقيقي في اتخاذ القرارات. ولذلك أصبحت مهمة مودي هي وضع نهاية لذلك الشلل. خاصة أن سمعته تعتمد على التصور بأنه يستطيع اختراق جمود الروتين الحكومي وأنه ضامن للاستقامة والإخلاص.

وتعهد قادة في دول أخرى بمعالجة مشكلة الفساد. من هؤلاء بينينو “نوينوي” أكوينو، رئيس الفلبين الذي تابع بشكل حثيث قضايا مناهضة للفساد أقيمت ضد سياسيين كبار، منهم سلفه الرئيسة السابقة للفلبين، جلوريا ماكاباجال أرويو. وعلى الرغم من اعتراف منظمة الشفافية الدولية بحدوث تحسن، إلا أن الفساد ما زال يكلف اقتصاد الفلبين 1.8 في المائة من ناتجها القومي سنويا. وفي إندونيسيا كان صعود جوكو ويدودو من شخصية غامضة إلى سدة الرئاسة أمراً متوقعاً بسبب سمعته سياسيا نظيفا. وقد تبين أن السلطات الإندونيسية حققت بعض التقدم، ومن الأمثلة على ذلك إدانة رئيس القضاة في المحكمة الدستورية بتهم تتعلق بالفساد. ومع ذلك لا تزال إندونيسيا تحتل درجة منخفضة في مؤشر الفساد بحصولها على المركز 32.

وتشير المؤسسة القانونية الدولية، هيربرت سميث فريهيلز، في تقرير لها حول الجهود المبذولة لمناهضة الفساد في آسيا، إلى أن وكالات تنفيذ القوانين الآسيوية بدأت بالتعهد بإجراء تحقيقات موازية، وحتى مشتركة، تجاه الفساد. ومثال على ذلك تحقيق يجريه مكتب الاحتيال الخطير في بريطانيا، بالاشتراك مع هيئة القضاء على الفساد الإندونيسية، حول دفع شركة رولز رويس رشا لبعض الأشخاص. وتلاحظ هذه المؤسسة القانونية أن عديدا من الدول الآسيوية زادت من التشريعات المناهضة للفساد. وقد سنت الهند قوانين تُعين بموجبها مسؤولاً عن مناهضة الرشوة، وعملت على تقوية أساليب حماية المبلغين عن المخالفات غير القانونية الذين قتل منهم 16 على الأقل في السنوات الأخيرة.

يجب أن تكون مثل هذه الإجراءات موضع ترحيب. ومع ذلك فهي تثير بعض الأسئلة. أحد هذه الأسئلة يتعلق بمدى صدقية المحاكم في إدارة العدالة بنزاهة. وإذا لم يتحقق ذلك، فستكون هناك دائماً أجواء من التعسف والظلم تحيط بعملية المقاضاة. يمكن أن يشكك المتهكمون بأن هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم في محكمة دفعوا رشا أقل مما يجب، بدلاً من دفع رشا فوق الحد. والسؤال الثاني يتعلق بالشكوك من أن الشركات الأجنبية يمكن أن تعامل بقساوة أكبر من الشركات المحلية بحيث تتحول الإجراءات المناهضة للفساد إلى شكل من أشكال السياسات الصناعية. وهناك تمتمات حول ذلك صدرت عن شركات متعددة الجنسيات في كل من الصين والهند.

النقطة الثالثة وهي الأقل استساغة وقبولاً. ففي بعض الدول الآسيوية الفقيرة، غالباً ما تستخدم الرشا لتدعيم الراتب القليل الذي تدفعه الدولة للموظف. وكما اكتشفت الهند منذ أن تغير المزاج حول الفساد، فإن البديل لتنفيذ الأعمال كالمعتاد هو عدم قيام أعمال على الإطلاق.