فاتن الحاج
عندما «تركب» التسوية السياسية يصبح الحديث عن أي شيء آخر تفصيلاً، بما في ذلك «حجّة» التوازن بين الإيرادات والنفقات. هذه المعادلة تنطبق على «طبخة» سلسلة الرتب والرواتب، التي تأخذ طريقها إلى الإنضاج بالسعي إلى الحصول على «باراف» جميع الأفرقاء السياسيين، وهو ما اشترطه رئيس مجلس النواب نبيه بري، لتحديد موعد الجلسة التشريعية.
الطريق إلى إقرار الصيغة التي توصلت إليها المفاوضات بين وزير المال علي حسن خليل والنائب جورج عدوان وتيار المستقبل ليست معبّدة تماماً. بالنسبة إلى الحزب التقدمي الاشتراكي، لا شيء ناضج حتى اللحظة ما دام التوازن بين النفقات والإيرادات غير متحقق. فقد بلغت كلفة السلسلة المطروحة 2200 مليار ليرة، فيما لم تتجاوز قيمة الإيرادات المجمّعة حتى الآن 1750 مليار ليرة لبنانية. الحزب لم يحسم بعد ما إذا كان سيصوّت على الصيغة أو سيمتنع عن التصويت، فيما يقول أمين سره العام ظافر ناصر إننا «ما زلنا نصر على تطابق الإيرادات والنفقات للسير في مشروع السلسلة». ومع ذلك، يؤكد ناصر أننا «لن نعرقل التشريع، وسنحضر الجلسة، لأنّ موقفنا هو مع تفعيل المجلس النيابي».
من جهته، لن يصوّت التيار الوطني الحر على أي بند من بنود الالتزام الذي حصل بين الأفرقاء بشأن السلسلة، ما لم يكن مقتنعاً به، أو هذا على الأقل ما يجزم به النائب ألان عون. فالتيار لا يزال ينتظر النسخة المكتوبة من الصيغة ليبني على الشيء مقتضاه. ومن البنود التي يرفضها التيار زيادة الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 1% وسيصوّت ضدها وضد زيادة تعرفة الكهرباء.
وحده حزب الكتائب يغرّد في مكان آخر، إذ أعلن الرئيس أمين الجميّل في مؤتمر صحافي عقده أمس، «أنّ كتلة الكتائب لن تحضر أي جلسة نيابية لا تكون مخصصة لانتخاب رئيس، وكل ما بقي من أمور تمرّ بعد هذا الاستحقاق الذي هو المفتاح». حزب الله الذي نأى بنفسه عن مفاوضات السلسلة، لا يبدو أنّه في وارد الاعتراض على أي من البنود، بما في ذلك فرض الغرامات على الأملاك البحرية، وسيسير في الصيغة المطروحة التي يرى أنّها باتت ناجزة وفي مراحلها النهائية. وقد استشف الموظفون هذا الموقف من وزير الصناعة حسين الحاج حسن بعدما زاروه في مكتبه أمس.
مع اقتراب إعلان الاتفاق السياسي بشأن السلسلة، تولى النائب جورج عدوان عملية الترويج للصيغة المتفق عليها، زعم أنها تحقق التوازن بين الإيرادات والنفقات، ولا تصيب أصحاب الدخل المحدود، وتمنح زيادات متوازنة للعسكريين والإداريين والأساتذة على حد سواء بمعزل عن خلفية «من يصرخ في الشارع ينل زيادة أكبر»، بحسب تعبيره. وقال إنّه أخذ الضوء الأخضر للسير في الأرقام بعد اجتماع عقده مع مستشار رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، نادر الحريري، ورئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة. إلّا أن مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي تقول إنّ عدوان لم يأخذ التفويض من تيار المستقبل، وليس هناك موافقات نهائية على الصيغة المرهونة بعودة السنيورة من الخارج وعقد اللقاء بينه وبين بري. يشرح عدوان أننا «جمعنا إيرادات كبيرة للسلسلة، أبرزها من زيادة الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 1% (300 مليار)، رفع الضريبة على فوائد الودائع المصرفية من 5 إلى 7 في المئة (100 مليار ليرة)، فرض ضريبة على أرباح المصارف (325 مليار ليرة)، وفرض غرامات على التعديات على الأملاك البحرية (75 مليار ليرة). يبرر عدوان زيادة الواحد بالمئة على TVA FHKIH ليست مصيبة كبرى، إذ إن المواطن الذي يصرف مليوناً ونصف مليون ليرة في الشهر لن يدفع ضريبة أكثر من 64 ألف ل.ل، فيما يتكبد من يصرف مليوني ليرة 84 ألف ليرة لبنانية، ولن تتجاوز الضريبة 110 آلاف للذين يصرفون 3 ملايين ل.ل. وتحاشى عدوان أن يذكر مصدر هذه الأرقام، موحياً أنها من وزارة المال. إلا أن مصادر الوزارة نفت أن تكون المصدر، وادّعت أنّ هذه الأرقام عن تأثيرات الضريبة، جرى تداولها خلال اجتماع شارك فيه ممثلون عن الوزارة. في ما يخص الأملاك البحرية التي يتداخل فيها النفوذ السياسي والاقتصادي، يلفت عدوان إلى أنّه ستُفرَض غرامات على تلك الأملاك لتمويل جزء من السلسلة، على أن تحسم هذه الغرامة عند إقرار قانون تسوية المخالفات المقترح والمتشعب. وقالت مصادر مطّلعة إن هناك توافقاً تمّ على السير بربط إقرار الغرامات بتسوية التعديات، لكن بالتدرج، اذ يجري إمرار الغرامات أولاً، وهي منخفضة، ثم يقرّ مجلس النواب قانوناً لتشريع التعديات ويفرض حسم قيمة الغرامات المسددة من قيمة رسوم الترخيص، ما يعني أن الذين احتلوا البحر والشاطئ سيُكافأون.
الجدير بالإشارة أن الاتفاق السياسي يشمل أيضاً إقرار الموازنة العامّة بعد إنجاز تسوية الحسابات المالية للسنوات السابقة، وتبرئة الحكومات من مخالفات الدستور وقانون المحاسبة العمومية وإنفاق المال العام من دون إجازة. وستتضمن الموازنة إجراءات ضريبية إضافية، بينها زيادة تعرفة الكهرباء على الشطور فوق 500 كيلوواط.
في المقابل، تعقد هيئة التنسيق النقابية، عند الثالثة من بعد ظهر اليوم، اجتماعاً في مقر رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي لتضع ملاحظاتها وتبني موقفها من الصيغ المطروحة. ويستغرب رئيس الرابطة حنا غريب كلام عدوان على التوازن بين زيادات العسكريين والإداريين والمعلمين قائلاً: «هي أولاً ليست زيادة، بل تصحيح رواتب، والتصحيح المتوازن يجب أن يثبت الحقوق المكرّسة في قوانين عمرها 50 سنة، لا أن يلغيها. في السلسلة المطروحة هناك ظلم كبير يقع على الأساتذة والمعلمين نأمل من النائب عدوان أن يرفعه وأن لا تتكرر الظلامة نفسها التي وقعت علينا في عام 1998 عند دمج التعويضات». فالمشروع، بحسب غريب، يقترح علينا مثلاً بداية راتب الثانوي (الفئة الثالثة) مليون و475 ألف ليرة ودرجة خمسين ألفاً بنسبة 3.2 في المئة، من أساس الراتب، ولمثيله في الفئة عينها، مليون و500 ألف ليرة ودرجة ستين ألفاً بنسبة 3.86 في المئة، لينسحب هذا الفارق في قيمة الدرجات على السلسلة كلها، فينتج بذلك سلم تدرج للأستاذ الثانوي أدنى من سلم تدرج فئته. ويسأل: «ترى ما هي قيمة الدرجات الست عندما تكون درجات الأساتذة مضروبة في قيمتها ونسبتها المئوية؟».