تحت تأثير الضغوطات التي قامت بها هيئة التنسيق النقابية، قامت السلطات بإعطاء الوعود شمالاً ويميناً من دون أن تأخذ في الإعتبار حقيقة مالية الدولة. لكنّ الضغوطات التي مارستها من جهةٍ أخرى الهيئات الاقتصادية ومصرف لبنان وصندوق النقد الدولي، لجمت الإندفاعة الى إقرار «السلسلة» وأدّت إلى تصعيد المواقف التي أوصلت في النهاية إلى الإفادات.
الموارد لا تُغطي الكلفة
أدّت المشاورات التي قام بها عدد من المسؤولين إلى اتفاق شبه نهائي على مرسومَي السلسلة (الزيادة والتمويل). ومن أهم النقاط التي تمّ الاتفاق عليها هي إعطاء 6 درجات للمعلمين والإداريين مع تقسيط على سنتين من دون مفعول رجعي (أي منذ أواسط العام 2012).
وهذا الأمر يعني أنّ كلفة السلسلة سنوياً هي في حدود الـ 2000 مليار ليرة سنوياً منها 1000 مليار ليرة زيادة الأجور. وهذا يعني أنّ الكلفة الإجمالية ستكون بحدود 5000 مليار ليرة لبنانية سيتمّ تقسيطها على سنتين ما يعني 2500 مليار ليرة إضافية كل سنة.
وبحسب الاتفاق ستتمّ زيادة 1% على الضريبة على القيمة المُضافة ما يُؤمّن 330 مليار ليرة (إضافة إلى الـ 3300 مليار ليرة التي تؤمّنها الـ 10% حالياً). وإذا ما أخذنا في الإعتبار تصريحات النائب عدوان من أنّ هناك توازناً بين الإيرادات والنفقات في السلسلة، فإنّ الإيرادات تبلغ حدود الـ 1800 مليار ليرة سنوياً تُضاف إلى مداخيل الموازنة التي بلغت 13385 مليار ليرة في العام 2013 ما يعطي مجموعاً إجمالياً يبلغ 15185 مليار ليرة.
ومقارنةً بالنفقات التي بلغت 16000 مليار دولار إضافة إلى كلفة السلسلة أي 2000 مليار ليرة، نرى أنّ العجز في الموازنة السنوية سيبلغ 2800 مليار دولار تُضاف إلى الـ 7900 مليار دولار عجز في موازنة 2014 و2500 مليار دولار (مفعول السلسلة الرجعي- غلاء المعيشة يُدفع منذ أواسط العام 2013).
لكنّ العنصر الذي ينقص في حسابات المسؤولين فيما يخص السلسلة، هو مبدأ الطلب والعرض. فزيادة الضريبة على القيمة المُضافة سترفع الأسعار بحكم أنّ المُستهلك هو مَن يدفع هذه الضريبة في النهاية. وزيادة الأسعار ستُقلل الإستهلاك عملاً بمبدأ العرض والطلب.
وهنا المفارقة، إذ وعلى الرغم من أنّ هذه الزيادة لا تطال كلّ البضائع والخدمات، إلّا أنّ الخبز مثلاً سيزداد سعره بحكم أنّ كلفة المحروقات زادت أو الأيدي العاملة أو…
وبالنظر إلى توزيع الإنفاق السنوي للأسر اللبنانية بحسب المدخول، نرى أنّ التعليم يستهلك قسماً كبيراً من مداخيل الأسر (30%). وبحسب تصريحات المدارس الخاصة، فإنّ إقرار سلسلة الرتب والرواتب سيؤدي إلى زيادة بنسبة 27% على الأقساط هذا العام. وتقديراتنا الأولية تنصّ على أنّ إقرار الزيادة 1% على الضريبة على القيمة المُضافة سيؤدّي إلى زيادة الأسعار بمعدل وسطي للأسعار يتجاوز الـ 10% ما سيكون كارثياً على النموّ الاقتصادي.
إحتياطي مصرف لبنان
في ظلّ شبه ركود إقتصادي (النمو بحدود الـ 1%) وفي ظلّ زيادة الدين العام بشكل إسّي (Exponential)، لم يعد الاقتصاد اللبناني قادراً على امتصاص العجز ما يُحوّل هذا الأخير إلى دين عام بشكل تلقائي.
وهذا سيزيد من الضغط على المالية العامة وعلى مصرف لبنان عبر الآلية التالية:
زيادة الأجور وغلاء المعيشة سيتمّ دفعها بواسطة الكتل النقدية 1 و2. وكل زيادة في الكتلة النقدية ستتحوّل تلقائياً إلى تضخم بحسب النظرية النقدية والسبب يعود إلى أنّ سرعة نموّ الطلب أعلى بكثير من قدرة الإقتصاد على تلبية هذا الطلب ما يعني صعوداً إسّياً للتضخم.
والتضخَم سيؤثر أيضأً في الثبات النقدي إذ إنّ ضخَ ما يوازي الـ 20% من الموازنة كنقد في الأسواق سيؤثر بشكل كبير في سعر صرف الليرة التي قد تتعرّض لسيناريو فقدان 30% من قيمتها (بإعتماد القاعدة الثلاثية) أو إنخفاض إحتياط مصرف لبنان من العملات الأجنبية بالقيمة نفسها.
أيضاً فإنّ تردي الوضع المالي سيُعَرّض لبنان إلى مخاطر تراجع التصنيف الإئتماني الذي سيطال المصارف بالدرجة الأولى نظراً لتعرّضها إلى دين الدولة اللبنانية، وباعتبار أنها مع مصرف لبنان ستكون من أول المموّلين للسلسلة. فإقرار السلسلة الأربعاء لن يؤمّن الموارد مباشرة ما سيُلزم الدولة إستقراضَ المبالغ وبالتالي دفع الفوائد. كلّ هذا سيجعل الإستقراض مكلِفاً وبالتالي زيادة خدمة الدين العام التي أصبحت تُدفع من إصدارات الخزينة.
العمالة الخارجية
إنّ ارتفاع الأجور والركود الاقتصادي الذي يعيشه لبنان في ظلّ نزوح سوري كثيف أصبح يُشكّل خطراً كيانياً على الدولة اللبنانية، ونرى أنّ الماكينة الاقتصادية ستزيد من الطلب على العمالة الأجنبية خصوصاً السورية منها.
وهذا سيرفع معدلات البطالة ومعها سيقلّ الإستهلاك، المحرّك الوحيد الباقي حالياً. وهذا الأمر سيتحوّل إلى كارثة إجتماعية مع بدء موجة هجرة جديدة من نوع أخر ستضرب المجتمع اللبناني وتحوّله إلى مجتمع ريعي يعيش بشكلٍ حصري على ما يرسله الأقارب من أموال من الإغتراب.
أيضاً يُمكن ذكر مخاطر تراجع الجاذبية في جلب الاستثمار الأجنبي المباشَر من ناحية زيادة الكلفة على رب العمل. وهذا يأتي من منطلق أنّ نسبة الإنتاجية (productivity) إلى تكلفة العمالة (labor cost) يجب أن تكون مرتفعة لجذب الإستثمار.
في الختام لا يُمكن القول إلّا إنّ الإستحقاقات الانتخابية تُحدّد مسار الملفات الاجتماعية والإقتصادية في لبنان وهذه الطريقة هي طريقة خاطئة من ناحية أنّ القرار الخاطئ يجلب قراراً خاطئاً تُصبح معه إمكانية التصحيح صعبة. فحبّذا لو نعمد إلى درس الموارد بحكمة أكبر وبمنهجية علمية بعيدة من المصالح الشخصية كقضية الفساد على المرافئ العامة والأملاك البحرية والنهرية.