أعلن رئيس بعثة صندوق النقد الدولي في اليمن خالد صقر، إن المساعدة المالية الحالية من الصندوق في ظل التسهيل الائتماني الممدّد (نحو 553 مليون دولار)، ستسمح بجذب مزيد من الموارد المالية من المانحين الدوليين لليمن. وأوضح في بيان أن مساعدة الصندوق ستمكّن اليمن كذلك من الاستفادة في شكل أكبر من دعم «أصدقاء اليمن»، إذ إن تلك الإصلاحات ستساهم في تحسين الاقتصاد وحماية الفقراء على نحو يتّسم بالفعّالية والكفاءة. وأضاف: «نرى أيضاً أن التقدم في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي يمكن أن يؤدّي إلى دعم العملية السياسية».
ولفت إلى أن اليمن أطلق برنامج إصلاح ضروري لتعزيز النمو وخلق فرص عمل وتخفيف وطأة الفقر والحد من التهريب والفساد. وأعرب عن أمله في أن تعطي «اللجنة الاقتصادية العليا» التي تم تشكيلها أخيراً، زخماً لجهود الإصلاح. ويتركّز برنامج الإصلاح حول معالجة الدعم الكبير وغير الكفوء للوقود، والذي ظل السكان يتحمّلون كلفته بواقع عشرة ملايين دولار يومياً، ليعود النفع غالباً على المهرّبين وكبار المستهلكين.
وأفاد صقر بأن هذا البرنامج الوطني والمصمّم للتصدّي للأزمة الاقتصادية الداخلية، يهدف إلى تحويل بعض موارد الموازنة من هذا الدعم إلى الاستثمار في البنية التحتية والتحويلات الاجتماعية المباشرة للفقراء، إذ تعتزم الحكومة في ظل هذا البرنامج تحقيق زيادة قدرها 50 في المئة في متوسط الإعانات الشهرية التي تصرفها للأسر الفقيرة من «صندوق الرعاية الاجتماعية». وتصل إعانات هذا الصندوق إلى نحو ثلث العدد الكلي للأسر في اليمن، وسيتم تطويره وتوسيع نطاق تغطيته.
وقال رئيس بعثة صندوق النقد: «يهدف البرنامج أيضاً إلى معالجة أهم قضايا الفساد، ومنها ظاهرة العمالة الوهمية المتعلقة بموظّفين من القطاع الخاص مدرجين في جدول الأجور الحكومية ولكنهم غير موجودين بالفعل أو لا يؤدّون وظيفة فعلية».
وأشار إلى قرارات مهمة اتخذت لمعالجة هذه القضية من خلال استخدام بطاقات التعريف بنظام البصمة الإلكترونية في جهاز الخدمة المدنية عموماً، بما في ذلك الجيش والشرطة، إلى جانب التنفيذ التدريجي لأداء مدفوعات الأجور من خلال الحسابات المصرفية ومكاتب البريد.
وأشار الى إن التقدم المحرز في تنفيذ هذه العملية معيار مهم لنجاح برنامج الإصلاح الوطني الذي ستتم مراقبته في ظل البرنامج الذي يدعمه الصندوق.
وتخطّط الحكومة أيضاً لاستحداث إصلاحات تعالج أوجه القصور في مناخ الأعمال التي خلص إليها مسح البنك الدولي المعني بممارسة الأعمال، وتشمل الحد من الفساد والروتين ودعم حقوق الملكية حتى يصبح المواطنون أكثر قدرة على استخدام ممتلكاتهم في مزاولة الأنشطة الاقتصادية والحصول على التمويل اللازم.
ورأى صقر أن الأسعار الرسمية، قبل الزيادة الأخيرة في كلفة الوقود، كانت تعادل نحو نصف مستوياتها العالمية. وبينما لم يجن الفقراء إلا منافع محدودة من هذا الدعم، خلق هذا الوضع حوافز كبيرة للتهريب والفساد. وفي أوائل العام الحالي أصبح من الواضح أن الاستمرار في هذا الوضع لم يعد ممكناً في ظل الانخفاض الحاد في الإيرادات النفطية ونقص الإمدادات، فلم يعد الوقود متاحاً تقريباً بالأسعار المدعومة وزادت أسعار السوق السوداء على المستويات العالمية. وبينما كان السكان يدفعون أسعاراً مرتفعة جداً، كان الدعم الكبير يذهب إلى المهرّبين وتجار السوق السوداء.
وأوضح أن كلفة الدعم المعمم التي تتحمّلها موازنة الدولة بلغت نحو 7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي عام 2013، أو ما يقرب من 60 في المئة من إيرادات البلد الكلية من النفط والغاز، فلم يبق إلا قدر ضئيل من الموارد للتحويلات الاجتماعية والاستثمار في البنية التحتية بغية تخفيف حدة الفقر ودعم النمو وتوفير مزيد من فرص العمل.
وأضاف: «يمكن أن يؤدّي إصلاح الدعم إلى تغيير هذا الوضع. فنحن نرى أن تعديل أسعار الوقود بمنهجية مدروسة وخفض الإنفاق الحكومي على الدعم الذي يفتقر إلى الكفاءة والفعّالية، سيمكّن الحكومة من تحقيق وفورات كبيرة تسمح لها بتقديم مزيد من المساعدات للفقراء والاستثمار في الطرق والمدراس والمستشفيات ومحطات الكهرباء، وتحسين فرص الحصول على مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي في المناطق الريفية وشبه الحضرية، حيث يعيش معظم الفقراء، ما سيترك آثاراً إيجابية قوية أيضاً على الاستقرار الاجتماعي والسياسي وينعكس إيجاباً في نهاية المطاف على الأوضاع الأمنية ومن ثم يعود بالنفع على كل السكان».
وأكد أن زيادة تخريب المنشآت النفطية تسبّبت منذ مطلع السنة، بانخفاض إيرادات النفط وتدهور أوضاع المالية العامة والحسابات الخارجية ونقص حاد في إمدادات الوقود والكهرباء، ما أدّى إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية المزمنة في اليمن.
ولا يزال ما يقرب من نصف سكان اليمن يعيشون تحت خط الفقر، ويصيب سوء التغذية طفلاً من بين كل طفلين تقريباً، كما أن البطالة بالغة الارتفاع بخاصةً بين الشباب. ويساهم التوتّر الاجتماعي في ما يشهده البلد من تحديات أمنية. وفي الوقت ذاته ظل الدعم الكبير الذي يفتقر للكفاءة والتوجيه السليم إلى جانب الزيادة الكبيرة في أجور القطاع العام، يستنزفان موازنة الحكومة ويشجعان على الفساد.