هل يمكن أن تصبح مصر من أكبر ثلاثين اقتصادا في العالم ؟
وهل يمكن أن تنتقل من المرتبة119 الي أحدالمراكز الثلاثين الأوائل في مؤشر التنافسية العالمية؟
وهل يمكن أن يحدث ذلك حقا في غضون خمسة عشر عاما فقط التي تفصلنا حاليا عن العام2030 ؟
أسئلة قد تبدو حالمة أو مغرقة في الخيال وبعيدة جدا عن الواقع الاقتصادي المأزوم الذي تعيشه البلاد حاليا.
لكن استراتيجية التنمية المستدامة التي أعدتها وزارة التخطيط تقدم اجابات رقمية علي هذه التساؤلات وتؤكد أن الطريق الي اقتصاد يصنف ضمن الثلاثين الكبار في العالم أمر ممكن.
يحدث ذلك عندما ننجح في خفض معدلات الدين العام الي الناتج المحلي الي50 بالمئة فقط مقابل أكثر من90 بالمئة حاليا وعندما ينخفض عجز الموازية الي5 بالمئة بدلا من11 بالمئة حاليا وعندما يتراجع التضخم الي ما دون5 بالمئة وعندما يقفز متوسط دخل المواطن المصري من حدود ألفي دولار حاليا ليتراوح بين8,7 آلاف دولار سنويا.
هذه هي المؤشرات الرقمية التي تدور حولها استراتيجية التنمية المستدامة التي تتناولها بالعرض والتحليل في السطور التالية…
جاءت استراتيجية التنمية المستدامة2030 والتي أطلقتها وزارة التخطيط والاصلاح الاداري منذ أيام لتستكمل ملامح رؤية متكاملة لقضية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر علي مدار السنوات المقبلة.
وعلي الرغم من أن الاستراتيجية جاءت بمثابة خطوط عامة وملامح لسياسات كلية في العديد من القطاعات الا أنها في المجمل تعكس فلفسة جديدة في مجال النمو الاقتصادي وترتكز علي معطيات أقرب الي الواقعية حيث لا تجنح كثيرا للطموح الزائد لاسيما أن ابرز مشكلات التنمية في مصر علي مدار العقود الماضية كان يتمثل ـ عادة ـ في الانتكاسات المفاجئة التي كانت تتعرض لها دورات الصعود الاقتصادي سواء لاسباب سياسية وعوامل خارجية أو لعدم ضمانات الاستدامة في دورات الصعود هذه مما حال دون إحداث اختراق كبير أو نقلة نوعية علي صعيد التطور الاقتصاد والاجتماعي في البلاد.
وربما تكون قضايا مثل التعليم والتأخر التكنولوجي وعدم توافر عمق صناعي بالقدر الكافي وتدني مهارات العمل وغياب ثقافة الانتاج والمنافسة وغيرها من العوامل السلبية التي يزخر بها المشهد الاقتصادي المصري في السنوات الاخيرة الي جانب الفساد وغياب الشفافية والحوكمة والادارة الرشيدة لمجمل الاصول الاقتصادية العامة مثلت عوامل ضعف في ضمان استمرار النمو ومن ثم جاءت الاستراتيجية الجديدة لتشمل الي جانب المحاور المتعلقة بالاقتصاد بشكل مباشر محاور أخري ترتبط جوهريا بقضية التنمية المستدامة وإن كانت بشكل غير مباشر مثل محاور البيئة والبحث العلمي والامن القومي والسياسة الخارجية وكفاءة المؤسسات الحكومية والعدالة الاجتماعية.
وحسب هذه الاستراتيجية فإن وضع رؤية للنمو المستدام في مصر تأتي في اطار توجه عالمي يعلي من شأن التخطيط المسبق والذي يتسم بالمرونة والمركزية في ذات الوقت وتصبح بمثابة خارطة طريق تعظم الاستفادة من امكانات مصر وميزاتها التنافسية وتعمل علي احياء دورها التاريخي في زيادة الاقليم وعلي توفير حياة كريمة لمواطنيها ومن يعيشون علي أراضيها.
وتستهدف هذه الاستراتيجية ايجاد بارقة أمل تجمع الشعب المصري وتجعله راغبا ومقتنعا بتحمل بعض الصعاب مقابل تحقيقها والتخطيط للمستقبل والتعامل مع التحديات المختلفة اعتمادا علي المعرفة والابداع ويمكنها من المتابعة والمراقبة وتصحيح المسار بشكل دوري وفعال.
وكذلك التعرف علي إمكانات مصر الحقيقية والتركيز علي الميزة التنافسية وتمكين مصر لتكون لاعبا فاعلا في البيئة الدولية التي تتميز بالديناميكية والتطورات المتلاحقة وتحديد وتعريف الأدوار المنوطة بكل الكيانات الفاعلة, بحيث يكون كل منها شريكا فاعلا في عملية التنمية الي جانب وجود اتجاه محدد طويل المدي مستمر لتحقيق الرؤية واستراتيجيات تنفيذها بغض النظر عن أي تغيرات في الحكومة أو القيادات وتمكين المجتمع المدني والبرلمان من متابعة ومراقبة تنفيذ الاستراتيجية.
تغيير أساليب التمويل
وعلي الرغم من شمولية الرؤية المطروحة وامتدادها الي قطاعات عديدة إلا أن أبرز عيوبها هو غياب رؤية موازية لتدبير التمويل اللازم لتنفيذ استراتيجية النمو المستدام وربما يفسر ذلك لجوء الاستراتيجية الي ما تعتبره تغييرا دوليا في آليات التمويل بعد العام2015 حيث يشير معدو الاستراتيجية الي أن اتجاه الدول المانحة الي جعل المساعدات المالية أكثر فعالية من خلال عدم التدخل في وضع السياسات المختلفة للدول المتلقية للمساعدات بل يتعين علي تلك الدول اعداد خطط تنموية متكاملة وتنفيذها ومراقبتها وإعادة تقييمها بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والقطاعات الخاص وكذلك اتجاه الدول النامية الي اطار عام جديد للتمويل يتضمن سياسات مالية كفئة موجهة ومؤسسات قوية وزيادة الإيرادات وكفاءة الانفاق العام والتضمين المالي والتنمية.
ايضا يؤخذ علي هذه الاستراتيجية ان احد اهدافها يتضمن العمل علي زيادة قطاع الخدمات من الناتج القومي الاجمالي لتصل الي70% علي حساب قطاع الانتاج السلعي وهذا مؤشر خطير لأن اعتماد اي اقتصاد بدرجة كبيرة علي إيرادات الخدمات من شأنه ان يعرض هذا الاقتصاد لهزات عنيفة حال تعرض هذه الخدمات لمشكلات محلية او دولية لأنه قطاع شديد الحساسية للأحداث السياسية والأمنية لاسيما واذا علمنا ان منطقة الشرق الأوسط ستظل ـ وفقا لكثير من المحللين الاستراتيجيين ـ لفترة طويلة قادمة عرضة للتهديدات سياسية وامنية حتي يتم القضاء نهائيا كل اشكال الارهاب والتنظيمات المسلحة خارج الأطر الشرعية وتجفيف منابع تفريخ الإرهاب علي كل الاصعدة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا ودينيا وبالتالي كان يجب علي من وضعوا هذه الاستراتيجية ان يوازنوا بين قطاعي الانتاج السلعي والخدمات لضمان ديمومة النمو وعدم تعرض الاقتصاد لهزات مفاجئة تؤثر بالسلب علي ما يكون قد تم احرازه في اوقات سابقة وحسب الاستراتيجية ايضا فإن قضية التنمية الشاملة في مصر تتوزع علي عشرة قطاعات رئيسية هي التعليم والابتكار والمعرفة والبحث العلمي والعدالة الاجتماعية والسياسة الداخلية والأمن القومي والسياسة الخارجية والبيئة والاقتصاد والتنمية العمرانية والشفافية وكفاءة المؤسسات الحكومية والطاقة.
ثلاثة أهداف كبري
وحددت الإستراتيجية ثلاثة اهداف رئيسية كبري هي ان تصبح مصر بحلول العام2030 من اكبر30 اقتصاد في العالم وان تكون ضمن اكبر30 دولة علي مستوي التنافسية وان تكون من اكبر من30 دولة علي مؤشر سعادة المواطنين والاخير هو احدث مؤشر وضعته المؤسسات التنموية العالمية لقياس مدي التظور الاقتصادي والاجتماعي وتحسن نوعية حياة البشر في مختلف بلاد العالم.
وعلي نحو اكثر تفصيلي فقط في قطاع التعليم علي سبيل المثال باعتباره ركيزة التنمية البشرية في اي مجتمع ركزت الاستراتيجية علي ضرورة انشاء مجلس وطني للتعليم وتمكين الاطفال قبل سن المدرسة من مهارات التعليم المبكر وتمكين الطلاب من اجادة لغتين اجنبيتين علي الاقل والارتقاء بالتعليم الفني وتطوير البحث العلمي في الجامعات وان يكون مصدرا من مصادر تمويلها ويتم ترجمة هذه الاهداف عمليا في ضرورة وجود عشرة جامعات مصرية علي الأقل ضمن مؤشر افضل500 جامعة في العالم وان تصبح الجامعات من افضل20 مؤسسة تعليم عال في الابحاث العلمية المنشورة في الدوريات المعترف به عالميا الي جانب بناء انظمة لتمويل الطلاب وتطبيقها بحيث لا يحرم من مؤهل من لا يملك القدرة المالية علما بأن مثل هذا النظام متعارف عليه عالميا وثبت نجاحه لاسيما في بلدان اوروبا الغربية والولايات المتحدة الامريكية وكذلك ايجاد نظام قبول بالجامعات مرتبط باحتياجات سوق العمل.
وعلي صعيد الاقتصاد تسعي الاستراتيجية الي ايجاد اقتصاد سوق يتميز باستقرار اوضاعه الكلية وقادر علي تحقيق نمو احتوائي مستدام ويتميز بالتنافسية والتنوع ويكون لاعبا فاعلا في الاقتصاد العالمي وقادرا علي التكيف مع المتغيرات العالمية وتعظيم القيمة المضافة وتوفير فرص عمل لائقة ومنتجة, ويصل نصيب الفرد من الناتج المحلي الي مبلغ يتراوح ما بين7 و8 آلاف دولار سنويا وهو مستوي الدول ذات الدخل المتوسط المرتفع.
كما تشمل الاهداف في القطاع الاقتصادي ان تصبح نسبة الدين العام الي الناتج المحلي الاجمالي في حدود50% ولا تزيد نسبة العجز الكلي الي الناتج المحلي الاجمالي عن5% والحفاظ علي استقرار مستوي الاسعار بحيث يتراوح معدل التضخم بين5,3% وتحقيق معدل نمو اقتصادي في حدود7% في المتوسط سنويا مع توزيع هذا النمو جغرافيا ليشمل كل اقاليم الدولة وخفض معدل البطالة الي مستوي5% علي الاكثر من قوة العمل.
اما علي صعيد العدالة الاجتماعية فتركز الاستراتيجية علي اهمية الوصول الي مجتمع عادل متكاتف يتميز بالمساواة في الحقوق والفرص الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبأعلي درجة من الاندماج المجتمعي وقادر علي كفالة حق المواطنين في المشاركة والتوزيع العادل في ضوء معايير الكفاءة والاتجار وسيادة القانون ويتيح فرص الحراك المجتمعي المبني علي القدرات وتوفير آليات الحماية من مخاطر الحياة المتوقعة وغير المتوقعة, ويقوم بالتوازي مع كل ذلك بمساندة شرائح المجتمع المهمشة وتحقيق الحماية للفئات الأولي بالرعاية.