IMLebanon

اقتصاد الضنية: صيف أقل من عادي مع غياب للسائح العربي وطغيان النزوح السوري

Liwa2
نظيم الحايك

الاستقرار المهزوز الذي يتحكم بلبنان منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري انعكس سلبا على مختلف القطاعات الاقتصادية التي شهدت تراجعا لم تعشه خلال الحرب الأهلية، وصرخات الاستغاثة التي توجهها الهيئات الاقتصادية لم تجد من يسمعها أو يحاول الأخذ بها لانقاذ ما تبقّى من هيكل إقتصادي أو سياسي. واستمرار المعاناة يهدد بقاء البلد، فكيف يمكن العيش في دولة لا كهرباء فيها ولا ماء ولا انتخابات ولا مؤسسات، والمطلوب منها الصمود والتصدّي ومواجهة المخاطر الأمنية والسياسية وهي لا تملك أيا من هذه المقوّمات! فبالإضافة الى التراجع الحاصل نتيجة للوضع السياسي العام فان الدولة لم تقم بواجبها تجاه بعض المناطق اللبنانية ولم تساعدها للدخول جدّيا في باب التنمية الحقيقية القادرة على خلق فرص العمل ومنع الشباب من الهجرة، وبالتالي خسارة لبنان لمستقبله من الشباب الذي يمكنه تغيير وجهة البلد سياسيا واقتصاديا. وما حصل هذا الصيف لناحية انهيار السياحة بشكل كبير أدى الى مزيد من التراجع ولا يقتصر الأمر على العاصمة وجبل لبنان وإنما تأثرت بشكل كبير المناطق التي تعتمد على الاصطياف والسياحة الداخلية، وحسب ما يقول أحد السياح التقليديين الذين كانوا يقصدون الضنية لقضاء عطلته الصيفية مع عائلته «لم تعد قضية الاصطياف في هذه الأيام مسألة عادية خصوصا في ظل انعدام الأمن والامان أثناء انتقالنا من بيروت الى أي منطقة خصوصا ان مظاهر الخطف لم تعد تفرّق بين شخص وآخر، وبعض العائلات الميسورة فضّلت السفر وتمضية اجازتها في تركيا وبعض الدول الأوروبية». ويضيف بحسرة «للأسف لم يتمكن لبنان من الإستفادة من الأزمات التي تعصف بالبلدان العربية المحيطة به ولم يمارس من شعار النأي بالنفس سوى الكلام لأن الأفعال كانت عكس ذلك تماما ودفع الثمن الأعلى وكأن الأزمة السورية تحصل على أراضيه وبات في قلب العاصفة بفعل أبنائه وليس بأي سبب آخر. لذلك فان مناطق لبنانية عديدة كانت تنتظر موسم الاصطياف وغيره من المواسم خسرت كل شيء وتمت محاسبتها دون أن تساهم بأي ذنب أو ترتكب أدنى حماقة». واليوم بعد ان بدأ الصيف بحمل أوزاره بدأت تتكشف حجم الخسائر التي تكبّدتها المناطق التي تعتمد على السياحة الموسمية ومعظم مناطق الشمال تعتمد على هذا النوع من السياحة والضنية أبرزها.
خسارة مضاعفة
أيام قليلة وتسدل الضنية صيفها الذي تجمع معظم الآراء انه لم يكن بالمستوى المطلوب لتحقيق التطوّر السياحي والاقتصادي الذي يمكن أن يؤدي دورا في تحريك العجلة الاقتصادية المحلية التي خسرت كثيرا من مقوّماتها في السنوات العشر الأخيرة، فبعد انهيار الزراعة كمورد أساسي واتجاه بعض المستثمرين نحو السياحة كبديل محتمل تلقت هذه الأخيرة الضربة تلو الأخرى، ودفعت الأحداث السياسية والأمنية في لبنان هؤلاء المستثمرين الى إعادة النظر بما كانوا يخططون له أقله ليتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود ومعرفة ما ستؤول إليه الأمور في لبنان بشكل عام. وفي تقييم بسيط لهذا الصيف يتبيّن ان الضنية خسرت معظم السياح العرب الذين كانوا يقصدونها برا عبر الأراضي السورية، وحل مكانهم أعدادا مضاعفة من اللاجئين السوريين الذين يتقاسمون مع أبناء المنطقة مقدراتها، وان كان قسما منهم يستأجرون المنازل ولكنهم لا يملكون الأموال التي يمكنها تعويض ما كان السياح العرب يصرفونه أثناء اقامتهم الصيفية في الفنادق أو المطاعم وحتى الشقق السكنية التي كانو يستأجرونها لشهرين ويدفعون إيجار سنة كاملة لصاحبها. وقد عبّر عن ذلك السيد أبو فادي وهو يملك فندقا بسيطا بالقول «خسارة هذا العام مضاعفة، فنحن كنا نعتمد بشكل أساسي على السائح العربي، وخصوصا الخليجي المحافظ الذي يسافر مع عائلته لتمضية الصيف في الضنية، وكان يأتي بسيارته برا ومنذ بدء الأزمة السورية بدأت أعدادهم تتراجع الى ان انعدمت هذا الصيف. وكان يقصدنا أيضا السائح السوري (المرتاح ماديا) ويُضاف إليهم المصطافون من مختلف المناطق اللبنانية وبصورة خاصة من بيروت وصيدا، ولكن الأوضاع السياسية والأمنية المتوترة منعتهم أيضا من القدوم إلينا للعام الثاني على التوالي». ويضيف «بعد غياب السائح وتوافد اللاجئين بأعداد كبيرة لجأ معظم مالكي الشقق وأصحاب الفنادق الى تأجيرهم خصوصا ان قسما كبيرا منهم يتلقى مساعدات من الأمم المتحدة لدفع بدلات الايجار، ولكن ذلك لا يعني تعويضا عن الخسائر التي لحقت بقطاع السياحة والاصطياف في الضنية والشمال عموما».
ويكشف أحد العاملين في مطعم نبع سير ان الموسم هذا الصيف لم يكن بالمستوى المعهود «صحيح اننا كنا نعمل ولكن كانت الحركة تقتصر على ثلاثة أيام في الاسبوع، كما ان الزبائن هذا العام كانت معظمها من طرابلس والضنية وهي بطبيعتها تتواجد في الضنية التي تعتبر المتنفس الوحيد الذي يمكن أن يقصده هؤلاء حسب المواصفات والأسعار المناسبة لهم». ويرى ان الخسارة هي «بغياب السائح العربي أو البيروتي الذي يدفع أكثر من غيره، فنحن نعتمد على الاكراميات (البخشيش) أكثر من الأجر الذي نأخذه من صاحب المطعم». 
والأمل أن يتحسّن الوضع في الصيف القادم لأن المؤسسات الموجودة لا يمكنها أن تستمر إلا إذا عاد السائح العربي وجرى تنشيط السياحة الداخلية، والشرط الوحيد لذلك هو عودة الاستقرار الأمني وشعور الشخص الذي يفكر بزيارة أي منطقة لبنانية انه قادر على الوصول والعودة دون أن يتعرّض له أحد أو يتم قطع الطريق عليه دون ذنب اقترفه سوى أنه يعيش في بلد تحوّل أبناؤه الى قطاع طرق.