استهلاك لبنان من المشتقات النفطية بلغ عام 2013، 6,2 ملايين طن، والاستهلاك يرتفع بنسبة 4 – 5 في المئة سنويا، وتالياً يقدر حجم الاستهلاك في 2021 عندما نقترب ربما من انتاج الغاز والنفط باكثر من 9,5 ملايين طن. وبلغت كلفة استيراد المشتقات عام 2013 أكثر من 5 مليارات دولار، قد تبلغ 10 مليارات في 2021.
نفتقر في لبنان الى طاقة تكرير بعد توقف المصفاتين في طرابلس والزهراني، واللتين كانت طاقتهما توازي 2,6 مليوني طن سنوياً في حال تشغيلهما بطاقتهما النظرية.
مصفاة طرابلس أمّمتها الحكومة اللبنانية عام 1973، والشركتان الاميركيتان اللتان انجزتا مصفاة الزهراني انسحبتا من لبنان بعد اشتداد الحرب، وخصوصاً بعد رفض الحكومة تجهيز المصفاة بوحدة تكسير تزيد نسبة المنتجات الخفيفة حتى بعد استيرادها على ما أظن عام 1972.
مشروع انشاء مصفاة ثالثة الذي طرحه الدكتور مانويل يونس اواخر الستينات وأبدى السعوديون رغبة في المشاركة فيه، تبخرت الآمال في تحقيقه بعد نشوب الحرب اللبنانية.
ومشروع توسيع طاقة مصفاة طرابلس الذي شاء ان يدرسه الوزير أسعد رزق مع شركة أميركية عام 1993 فقامت عليه قيامة المسيطرين على استيراد المشتقات وأجبر على الاستقالة. المهم ان انجاز مصفاة بطاقة 10 ملايين طن أمر فيه افادة للاقتصاد من طريق الوفر في تكاليف الاستيراد، وتوسيع فرص العمل، وربما الافادة من صادرات تفيض عن حاجاتنا المتوقعة.
نعود الى أهم معالم الصورة الجيوسياسية لشؤون النفط والغاز. التطورات الاهم التي شهدناها والتي تستمر في المنحى الظاهر هي الآتية:
اكتشافات ضخمة للغاز في صخور الطفال في الولايات المتحدة وكندا، كما اكتشاف كميات ملحوظة من الخام الخفيف. وقد بات انتاج الولايات المتحدة من الغاز يتجاوز انتاج روسيا، وانتفت حاجة الولايات المتحدة الى استيراد الغاز المسيل، الامر الذي ساهم في انخفاض اسعار شحنات الغاز المسيل الى الدول الاوروبية، واشتداد المنافسة على تأمين الغاز المسيل والغاز الطبيعي بواسطة الانابيب الى الصين والهند.
اكتشافات ضخمة لحقول غاز في غرب أوستراليا، وتنزانيا وموازمبيق، وانجاز عقود كبيرة للانتاج كما لتسييل بعض الانتاج في غرب أوستراليا للتصدير الى الصين واليابان والهند، وموقع دول شرق افريقيا لهذه الاسواق أفضل من موقع دول الشرق الاوسط.
الاكتشافات لغاز الطفال في الولايات المتحدة دفعت شركة “غاز بروم”، وشركة “توتال”، وشركة النفط النروجية الى ايقاف العمل على انجاز استغلال حقل شتوكمان في بحر بارنتس وكان التطوير الذي حاز انفاقاً ضخماً يهدف الى تصدير الغاز المسيل الى الولايات المتحدة.
الطلب على الغاز والنفط في أوروبا والولايات المتحدة بدأ يتباطأ لأن الازمة المالية والاقتصادية المستمرة منذ ست سنوات والمرشحة للاستمرار ثلاث سنوات أخرى على الاقل في اوروبا الغربية، دفعت المستهلكين الى الاقتصاد في استهلاك الطاقة للسيارات عن سبيل اعتماد سيارات أصغر، وأقل وزناً واستهلاكاً، والتوجه نحو مصادر الطاقة البديلة سواء منها طاقة الهواء، أو الالواح الشمسية، أو المصادر الجوفية.
لكل هذه الاسباب، يقدر ان تكون نسبة الزيادة في استهلاك النفط والغاز خلال السنين العشر المقبلة متركزة في الصين والهند، وكوريا الجنوبية، واليابان التي بدأت تستعيد مقداراً من النمو، والى حد بسيط في الولايات المتحدة. وفي ضوء تطور الاستهلاك في منطقة الشرق الاوسط وخصوصاً “البلدان النفطية، لا بد من كبح معدل زيادة الاستهلاك التي تقدر بـ10 في المئة سنوياً وترتبط بالاسراف في اقتناء السيارات وتوفير الكهرباء بأسعار مخفوضة ومدعومة – وقد رأينا ما حصل في جمهورية مصر العربية.
قبل احداث أوكرانيا الاخيرة، وبدءاً ربما من حرب جورجيا عام 2008، باتت السياسة الاميركية منصبة على احتواء أهمية روسيا في تأمين الغاز والنفط لدول أوروبا الغربية، وتؤمن روسيا 25 في المئة من مجمل حاجات القارة الاوروبية، علماً ان نسبة الكفاية في تأمين الغاز ترتفع الى 90 في المئة بالنسبة الى بيلاروسيا، و70 في المئة الى تركيا، و60 في المئة الى ايطاليا.
المساعي الاميركية اتضحت منذ عام 2010 واصدار تقديرات الهيئة الاميركية المختصة بالتقديرات الجيوفيزيائية للثروات الهيدروكربونية الباطنية في شرق المتوسط وامتداد دلتا النيل.
هذه التقديرات، التي تعززت باكتشافات مكامن كبيرة للغاز في المياه الاقليمية الاسرائيلية، ومنها حقل “تامار” الذي يمتد الى المياه اللبنانية، ثم اكتشاف حقل مشترك بين قبرص واسرائيل (“افروديت”، دفعت وزيرة الخارجية الاميركية السابقة الى السعي الحثيث الى دفع مصر ولبنان، ومن بعد سوريا واسرائيل وقبرص الى التعاون لانجاز خطوط تربط بين هذه البلدان وتصب في النتيجة في تركيا.
وقد ركز مستشار الوزيرة كلينتون لشؤون الطاقة اختصاصه على تطويق تطور الصادرات النفطية والغازية الروسية، وهو أقنع الوزيرة بأن عمليات تطوير حقل شرق المتوسط ودلتا النيل، يجب ان تكون على أيدي شركات اميركية أخصها “نوبل – التي هي شركة اميركية – اسرائيلية – وقد حققت أهم الاكتشافات في اسرائيل، “وفي حقل “افروديت” المشترك مع قبرص. ومن ثم توجيه صادرات المنطقة الى أوروبا على حساب روسيا.
ولعل من المفيد الاشارة الى ان الرئيس كلينتون هو الذي يتولى تسهيل طلبات شركة “نوبل” في واشنطن. كما من المفيد التذكير بأن أول اكتشاف لحقول غاز قبالة غزة انجزته عام 2000 شركة الغاز البريطانية، التي تشارك معها تمويليا شركة اتحاد المقاولين “سي سي سي” والصندوق الفلسطيني للتنمية، لكن اسرائيل لم تسمح باستغلال هذا الحقل ما لم تؤمن استفادتها اولا. بعد اكتشافات غاز صخور الطفال، وتقدير وجود كميات أكبر من تلك التي اكتشفت في الولايات المتحدة في الصين، وان اقتضى الامر انقضاء عقد أو أكثر قبل استثمار الغاز في الصين التي ستكون المستهلك الاكبر للطاقة والمساهم الاكبر في التلوث، وبعد اكتشافات غرب أوستراليا، وفي مياه تنزانيا، وموزامبيق، صارت توقعات انخفاض اسعار الغاز بنسب أكبر من التي شهدناها العام المنصرم تبعث على التروي في انتظار الحماسة للاقبال على العقود للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقليمية، وكلما أسرعنا في انجاز العقود اتضحت صورة الآمال المستقبلية.
أحوج ما نحتاج اليه في أقرب وقت انجاز اتفاقات لاستيراد الغاز المسيل، وتحويله الى غاز للاستعمال في معمل الكهرباء القائم في الشمال، ومن بعد في معمل الكهرباء الذي هو قيد الانشاء بطاقة مماثلة، واذا انجزنا خط نقل للغاز من طرابلس الى شكا وسلعاتا نستطيع تغذية حاجات مصانع الاسمنت والبتروكيماويات، وتحقيق وفورات ضخمة على حساب تكاليف انتاج الكهرباء، وانتاج الاسمنت.
لا أريد هنا استباق تقدير نتائج اكتشاف الغاز والنفط، ولنفترض ان هذا الامر تحقق، يجب ان تنقضي ست الى سبع سنوات قبل تأمين النفط والغاز للاستهلاك المحلي، وربما بحسب احوال السوق للتصدير.
إن تغذية معامل الكهرباء بالفيول والمازوت توازي 40 في المئة من مستورداتنا (2,5 مليوني طن حاليا) تقدر في عام 2021 بخمسة ملايين طن، كما ان استهلاك المولدات الخاصة يزيد نسبة مستوردات الفيول والمازوت الى 55 في المئة، مما يعني في حال كفايتنا حاجات انتاج الكهرباء في 2021 توفير تكاليف 5,5 ملايين طن، وإن كانت حصة الدولة تتجاوز في النهاية نسبة الـ50 في المئة من الدخل، قد نحقق مردوداً مالياً اضافة الى انخفاض تكاليف الاستيراد. قبل كل ذلك، علينا ان نحتسب بوعي اننا لا نستطيع الاستمرار في توسيع عجز الموازنة، وبصورة خاصة لدعم انتاج الكهرباء ما لم نحقق وفورات في الامكان ومن الضرورة تحقيقها خلال سنتين على الاكثر بالاعتماد على استيراد الغاز المسيل واستعماله في انتاج الكهرباء والاسمنت.
اذا أردنا ان نتحسس مخاطر تأخير عملية استيراد الغاز المسيل، نشير الى تعاقد شركة الكهرباء الاردنية على استيراد الغاز من اسرائيل بقيمة مليار دولار سنويا أو 15 ملياراً خلال فترة العقد. ومصر، التي تنتج الغاز وتواجه ازمة كهرباء طاحنة، تفاوض على استيراد كميات من اسرائيل على مدى 40 سنة. لا نريد الغاز من اسرائيل، انما لا يجوز تأخير استيراد الغاز المسيل واستعمال الغاز في انتاج الكهرباء ومصانع الاسمنت.