تراجعت أسعار النفط الخام في الأسابيع الأخيرة إلى مستويات تقل عن 100 دولار للبرميل، حيث بدأت أسعار مزيج نفط برنت الخفيف تستقر أخيرا عند مستويات قريبة من منتصف تسعينات الدولارات للبرميل الواحد. ويرجح معظم المختصين هذا التراجع إلى تزايد الإنتاج الأمريكي من النفط الخفيف، الذي جاء نتيجة لتطورات تقنيات استخراج النفط الصخري. وقد حدت أنظمة تجارة النفط الأمريكية التي تمنع تصدير النفط الخام الأمريكي من سرعة تأثير تزايد إنتاج النفط الأمريكي في الأسعار العالمية، ولهذا أخذت زيادة الإنتاج الأمريكي وقتا طويلا حتى أثرت في الأسواق العالمية. وقد أدت زيادة إنتاج النفط الأمريكي الخفيف والقيود التي تفرضها الحكومة الأمريكية بمنع تصديره، إلى زيادة أرباح المصافي الأمريكية، مما حول الولايات المتحدة الأمريكية إلى أكبر مصدر للمنتجات النفطية في العالم. وتصدر الولايات المتحدة نحو 3.7 مليون برميل من المنتجات النفطية في الوقت الحالي. وقد بدأت المصافي النفطية في أوروبا وأمريكا اللاتينية تعاني من المنافسة المتزايدة من المنتجات الأمريكية.
وقد عوضت زيادة إنتاج النفط الأمريكي الخام كل الخسائر التي منيت بها السوق النفطية العالمية من المنتجين الآخرين خلال السنوات القليلة الماضية. وقد تراجع إنتاج دول متعددة بسبب الظروف الأمنية الداخلية، حيث انخفض إنتاج اليمن وسورية ونيجيريا وليبيا بعدة ملايين من البراميل يوميا. وقد عوضت الزيادة الأمريكية التي ذهبت للاستهلاك المحلي كل النقص في إنتاج الدول الأخرى، بل يسري اعتقاد بأن الزيادة في الإنتاج الأمريكي فاقت النقصان من إنتاج الدول الأخرى، خصوصا خلال العام الأخير. وقد أدى استغناء الولايات المتحدة عن ملايين البراميل من النفط إلى توجه النفوط الخفيفة إلى مناطق أخرى ومزاحمة النفوط الأخرى ودفعها الأسعار للانخفاض. وقد تقلصت الفروق السعرية بين النفوط الخفيفة والأخرى بسبب وفرة النفوط الخفيفة. وقد صاحب زيادة إنتاج النفط الأمريكي الخفيف زيادة كبيرة في إنتاج سوائل الغاز، ما حول بشكل متزايد الولايات المتحدة إلى مصدر لهذه السوائل وللمنتجات البتروكيماوية. وتشير بعض المصادر إلى أن الولايات المتحدة أصبحت أكبر منتج للسوائل “النفط الخام وسوائل الغاز والمكثفات”، حيث تجاوز إنتاجها 13 مليون برميل في آب (أغسطس) من هذا العام، وكانت المملكة وحتى وقت قريب أكبر منتج للسوائل في العالم.
وقد أدى بُعد النفط الأمريكي عن الأسواق الآسيوية إلى خفض منافسته للنفوط الشرق أوسطية، ولكن فائض النفوط الخفيفة خفض من الفروقات السعرية مع النفوط الشرق أوسطية الأثقل، حيث اقتربت أسعار نفط دبي من أسعار مزيج برنت بعدما كانت الفروقات تصل إلى نحو خمسة دولارات للبرميل. وهذا سيزيد منافسة النفوط الخفيفة للنفوط الأخرى في الأسواق الآسيوية.
من ناحية أخرى، تفيد معلومات الأسواق إلى وجود تقارب كبير بين الطلب والعرض النفطي عالميا. وقد يكون هناك فائض طفيف في العرض النفطي العالمي مما يرجح ميل السوق النفطية لمصلحة المشترين في الوقت الحالي.
وعلى الرغم من تراجع أسعار النفط الخام إلا أن منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” لا ترى وجود أزمة في الوقت الحالي. وتعتقد المنظمة أن مستويات الأسعار ليست سيئة، إلا أن استمرار تراجع الأسعار تحت مستويات 100 دولار للبرميل يهدد بخفض عائدات كثير من أعضائها النفطية. ولم تتحرك منظمة أوبك للدفاع عن حاجز 100 دولار للبرميل، لأنها على ما يبدو لا تريد خسارة حصتها من السوق النفطية العالمية. ويتطلب إبقاء أسعار النفط العالمية فوق مستوى 100 دولار للبرميل خفض دول المنظمة إنتاجها بنحو مليون برميل يوميا. حيث يفترض المنتجون خارج “أوبك” أن المنظمة ستدافع عن الأسعار، ولهذا لا يشاركون بأي مجهود للدفاع عن الأسعار. وقد أدى تحمل “أوبك” مسؤولية الدفاع عن الأسعار إلى خسارتها جزءا من حصتها خلال الأعوام السابقة. من جهة أخرى، فإن المنظمة تدرك أن خفض إنتاجها في الوقت الحالي وبقاء الأسعار مرتفعة يشجع المنتجين في الولايات المتحدة على زيادة إنتاجهم، مما يعني اضطرار “أوبك” مجددا وخلال فترة من الزمن لخفض الإنتاج مرة أخرى للدفاع عن الأسعار. ولهذا فإن تريث المنظمة في خفض مستويات إنتاج أعضائها يهدف إلى المحافظة على حصتها في الأسواق وعدم خسارة أعضائها حصصهم في الأسواق، خصوصا في ظل ميل بعض أعضائها لزيادة الإنتاج عند تحسن ظروفهم الأمنية. وتحت هذه الظروف فمن المرجح بقاء الأسعار متراجعة لفترة من الزمن.