عدنان الحاج
أكثر ما تواجهه الدولة في المرحلة الاقتصادية الصعبة نمو انعكاسات التطورات الأمنية والسياسية على مختلف القطاعات، لا سيما القطاع المالي لجهة تردي أوضاع المالية العامة للدولة التي تعاني من تراجع العائدات والإيرادات، وشح مصادر التمويل لتغطية استحقاقات الدولة، وعجز الموازنة العامة للعام 2014 وما تبقى من العام 2013 بالعملات الأجنبية والليرة اللبنانية التي تفوق 15 مليار دولار بما فيها عجز موازنة العام 2014 التي لم تقر بعد، كما سابقاتها منذ العام 2006 وحتى اليوم.
هناك فارق بسيط بين الأمس واليوم هو نمو العجز بشكل قياسي، وعدم كفاية الاعتمادات لتغطية الرواتب والأجور للموظفين في القطاع العام لما بعد نهاية أيلول، كما تشير إحصاءات المالية العامة وطلب وزير المال الموافقة على مشروع قانون أو اقتراح قانون بحوالي 1800 مليار ليرة لتغطية المتوجبات المقبلة لما تبقى من العام الحالي.
النقطة الأخرى التي تواجه الدولة تتعلق في ايجاد مصادر التمويل نتيجة تراجع اكتتابات المصارف في سندات الخزينة بالليرة إلا في حدود الاستحقاقات، وعدم وجود تشريع يغطي إصدارات السندات بالعملات الأجنبية التي تقارب وحدها 3 مليارات دولار.
بيت الداء في المالية العامة
في هذا الوقت يأتي تزايد المخاطر في التوظيف في إقراض الدولة اللبنانية، حيث تفضل المصارف الذهاب إلى الايداع في مصرف لبنان بدلاً من الاكتتابات بسندات الخزينة على اعتبار أن مخاطر التوظيف والإيداع في المصرف بالدولار تقل بنسبة 50 في المئة عن مخاطر الدولة التي ينمو دينها بنسبة تفوق 9 في المئة سنوياً، بينما الاقتصاد لا ينمو بأكثر من واحد في المئة. وهنا بيت الداء في المالية العامة والمؤشرات الاقتصادية التي تتراجع سريعا.
المشكلة بالنسبة للعام 2013 كما يوضح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لـ”السفير” لا تكمن في توافر الاعتمادات لتسديد الرواتب والأجور لما تبقى من العام 2014، حيث هناك أكثر من 4700 مليار ليرة في حساب الدولة لدى مصرف لبنان (حساب الـ36)، بل المشكلة هي في التشريع. بمعنى عدم وجود تشريع يغطي هذه المتوجبات.
هذا الواقع يفسر تزايد ودائع المصارف اللبنانية لدى مصرف لبنان والتقليل حتى من شراء شهادات الإيداع التي يصدرها مصرف لبنان لسببين أساسيين:
– السبب الأول ان الحديث المتزايد عن فرض الازدواج الضريبي على الفوائد المصرفية وعلى أرباح المصارف، ورفعها بشكل كبير، مع الحديث عن تمويل “سلسلة الرتب والرواتب” التي يجري بحثها من قبل اللجان والمجلس النيابي، جعل المصارف تقلل من الاكتتابات بسندات الخزينة ومن شهادات الإيداع، وتفضيل الايداع في مصرف لبنان لعشر سنوات على اعتبار أن فوائد سندات الخزينة وشهادات الإيداع تخضع لضريبة الفوائد، فيما لا تخضع الإيداعات لدى مصرف لبنان لهذه الضريبة، على الرغم من أن أسعار الفوائد هي نفسها ولا تفرق كثيراً بين الودائع لدى مصرف لبنان وأسعار الفوائد على شهادات الايداع. وهذا من العناصر التي تدفع المصارف للتخفيف من انعكاسات الازدواج الضريبي.
– النقطة الثانية المهمة تتعلق بأن ودائع القطاع المصرفي لدى مصرف لبنان والبالغة حوالي 19.3 مليار دولار، قد زادت حتى 15 أيلول الحالي حوالي 8 مليارات دولار، بينما الودائع المصرفية لم تزد سوى حوالي 5.22 مليارات دولار. بمعنى آخر أن ودائع المصارف لدى مصرف لبنان زادت بأكثر من نمو الودائع في القطاع المصرفي. وهذا مؤشر على التقليل من المخاطر في التوظيف في ظل الفوائد المتدنية. كما يؤشر إلى عدم وجود توظيفات واستثمارات جديدة في القطاعات تشجع مساهمة المصارف في تمويل المشاريع غير الموجودة في القطاع الخاص.
هذا الواقع يقود إلى التوقف عند مدى إمكانية نجاح إصدار اليوروبوند الذي يسعى إلى تنفيذه وزير المال لتسديد مستحقات الدولة بالعملات، كون المصارف والمكتتبين يلجأون إلى الإيداع لدى مصرف لبنان بهدف تخفيف المخاطر من الجهة، وتحقيق معدلات فوائد قريبة من أسعار شهادات الإيداع وسندات الخزينة بالعملات الأجنبية. وهناك ملاحظة بسيطة أن أسعار الفوائد على شهادات الايداع حالياً لعشر سنوات تبلغ 6.70 في المئة، كما أن الإيداع لدى مصرف لبنان للفترة ذاتها محدد بحوالي 6.70 في المئة. فالمصارف تلجأ إلى التوظيف الأقل مخاطر من مخاطر الدولة اللبنانية.
إشارة إلى أن ودائع القطاع المصرفي حتى نهاية الشهر السابع من العام الحالي بلغت حوالي 141.2 مليار دولار مقابل حوالي 136.1 مليار دولار لنهاية العام 2013 أي بزيادة قدرها حوالي 5.1 مليارات دولار وما نسبته 3.74 في المئة.
أما التسليفات للقطاع العام أي الدولة فقد بلغت حوالي 37.7 مليارات دولار بزيادة حوالي 4.8 مليارات مقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2013، بنمو نسبته 14.7 في المئة على أساس سنوي. كذلك تسليفات القطاع الخاص التي بلغت حوالي 49.3 مليار دولار بزيادة حوالي 4.2 مليارات دولار مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي.
تبقى إشارة لا بد منها وهي أن أرباح القطاع المصرفي بلغت حوالي 940 مليون دولار خلال سبعة أشهر بتراجع حوالي 31 مليون دولار عن الفترة ذاتها من العام الماضي، وبنسبة قدرها حوالي 3.19 في المئة.
توقف العديد من تشريعات تمويل
ليست المخاطر قائمة على تمويل الدولة ومصادر التمويل في المرحلة المقبلة، بل هناك ملاحظة تتعلق بتوقف العديد من تشريعات تمويل المشاريع بقروض من المؤسسات والصناديق لتنفيذ مشاريع حياتية في ظل تردي قطاعات الخدمات من مياه وكهرباء ومشاريع بنى تحتية.
كل هذه الأمور في كفة وتأمين الرواتب والأجور للموظفين في القطاع العام بعد انتهاء شهر أيلول الحالي في كفة أخرى. ويبقى السؤال: ما هي التغطية القانونية أو النظامية لتسديد الرواتب في ظل عدم وجود التشريع؟
اتفاقيات تمويل القروض
ليس تعطيل المشاريع الخدماتية والإنمائية وحده البارز في أداء الدولة بداعي الشخصية والتنفيعات، بل هناك خطوات تؤدي إلى ضياع فرص الإفادة من القروض والهبات نتيجة التضارب الحاصل بين المؤسسات والإدارات من الحكومة إلى المجلس النيابي وصولاً إلى اللجان والوزارات.
حالياً، هناك تسع اتفاقيات تمويل (قروض وهبات) بقيمة إجمالية حوالي 413 مليون دولار أميركي تنتظر الإقرار من قبل مجلس الوزراء تمهيداً لتوقيعها وإحالة القروض من بينها الى المجلس النيابي. تشمل هذه الاتفاقيات قطاعات المياه والصرف الصحي والتعليم العالي والإسكان والطاقة البديلة والشؤون الاجتماعية.
كما ان هناك 13 اتفاقية تمويل (قروض) أحيلت سابقاً الى المجلس النيابي ولم تبرم بعد، وقيمتها الإجمالية تقارب 600 مليون دولار أميركي. تشمل هذه الاتفاقيات قطاعات المياه والصرف الصحي والكهرباء والطرق والتربية والتعليم العالي والإرث الثقافي.
بمعنى آخر، هناك حوالي 22 اتفاقية ومشروع اتفاقية بين هبة وتمويل ميسر معطلة قيمتها حوالي مليار دولار، بعضها مهدد بالإلغاء من دون وجود أية جدية في بت هذا الأمر الذي يخدم القطاعات الإنمائية والخدماتية.