يتفق العاملون في القطاع التجاري واصحاب المحلات على ان حالة من الركود والشلل تعيشها الاسواق حالياً، قد تكون بمثابة الدليل على عمق الازمة الاقتصادية – الاجتماعية العامة.
وفي تفسير هذا الجمود وسر ابتعاد الاسواق عن دائرة التأثير بموجبات الاستهلاك، يتوقف هؤلاء عند اسباب عديدة يمكن تلخيصها بالآتي:
1- الاوضاع الامنية والسياسية التي تعيشها البلاد والتي تؤثر بشكل مقلق على كل الاوضاع.
وقد اعتبر رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس «ان ما يتعرض له لبنان راهناً يهدده بوجوده، والمالية العامة مهددة بديمومتها والاقتصاد الوطني في طور الانهيار، والاسباب سياسية..».
ويرى الخبير المالي الدكتور ماجد منيمنة ان عدم الاستقرار الامني «يؤثر سلباً على ثقة المستهلك على حد سواء، كما يؤثر بشكل مباشر في الممرات التجارية، اما قطاع السياحة فهو الخاسر الاكبر».
الضغوط الناتجة عن التضخم تستمر في الارتفاع، ذلك يعود جزئياً الى ان الصناعة اللبنانية لم تعد اقل كلفة من السلع المستوردة، كما ادى تدفق اللاجئين الى المزيد من الضغوط على فرص العمل والتشغيل ومستوى الاجور مما يخلق تنافساً يحد من فرص العمل، اضافة الى المزاحمة في الحصول على الخدمات العامة وبالتالي الى تلاشي الاستقرار».
2- تغير انماط الاستهلاك لدى اللبنانيين بسبب استمرار تراجع قوة مداخيلهم الشرائية مقابل استمرار ارتفاع تكاليف المعيشة، فضلاً الى العوامل التي ذكرت سابقاً، فإن المواطن يواجه استحقاقات كبرى تتمثل بالنفقات المدرسية وتسديد فواتير الكهرباء والمياه على دفعتين، والهاتف زائد الانترنت، الميكانيك، ورسوم البلديات.
3- انخفاض المبيعات لدى العديد من المؤسسات التجارية، ادى الى رفع الاسعار بدلاً من تخفيضها نظراَ لاضرار التجار لإيفاء بموجبات الرسوم والضرائب وبدلات الايجار الثابتة، ونظراً لاضطرارهم الى حساب الريع العقاري في الارباح ولا سيما ان المؤسسات التجارية الحديثة تكون مضطرة الى تحصيل ما تكبدته ثمناً للمحل او الصالة في فترة زمنية قصيرة نسبياً، او ما تتكبده سنوياً كبدلات ايجار او استثمار وهي محسوبة شهرياً ويضطر التجار الى تحصيلها من الارباح.
4- عدم التراجع عن عقلية «الربح السريع والسهل» لدى كل القطاعات التجارية والصناعية وحتى المصرفية، ولم يتمكن المواطن من مجارات التسهيلات المصرفية التي تمنحها المصارف على شكل قروض نظراً لان المستهلك المستفيد منها سيضطر الى دفع الارباح مضافاً اليها الفوائد المصرفية المرتفعة اصلاً.. وقد يعمد التجار غالباً الى احتساب مبالغ اضافية على ثمن السلع بذريعة المشقة التي سيتكبدونها لتحصيل فواتيرهم من المصارف. كذلك لم تستطع بعض المؤسسات التجارية التشجيع على الاستهلاك بواسطة (التقسيط) لانها عمدت الى وضع فوائد غير مشجعة وتتجاوز في كثير من الاحيان الفوائد المصرفية نفسها.. وان تجربة التعاون المصرفي والتجار في مجال اصدار بطاقات مصرفية للتقسيط اصيبت بالفشل نظراً لتعقيداتها وارتفاع تكاليفها على المستهلك.
5- لجوء المستهلكين اللبنانيين الى دول الشرق الاوسط كالصين وتايلاند والهند.. حيث اسعارها اقل كلفة ولا سيما النوفوتيه والاقمشة والملابس.
6- اضمحلال الطبقة الوسطى التي كان يعوّل عليها سابقاً، لان الاغنياء بالنسبة الى التجار لا يشكلون قاعدة شرائية يستطيعون الرهان عليها، فالطبقة الغنية غالباً ما تتبضع من الخارج خلال اسفارها ولا تستلفتها السوق المحلية..
ويجمع اصحاب المؤسسات على عدة امور: عجز اللبناني عن الشراء يعم كل المناطق اللبنانية، ولم يوفر اسواق بيروت التي تبقى الحركة فيها خجولة لا بل شبه معدومة،هذا العام هو الأسوأ شرائياً بين الاعوام السابقة، وشمول الازمة المحلات الراقية والشعبية على السواء..
7- الاجواء العامة التي تعيشها البلاد ادت منذ مطلع العام حتى اليوم الى:
أ- انخفاض مستوى المبيعات لدى المؤسسات (المأكولات والمواد الغذائية 30٪، الادوات المنزلية والهدايا 65٪).
ب- انخفاض الانتاج الصناعي (40٪).
ج- تراجع الطلب الخارجي بالنسبة للطلبيات المسجلة بنسبة 59٪، وكذلك الامر بالنسبة لمستوى المخزون الذي ما زال يسجل فائضاً دون المستوى العادي.
د- خسارة الاجواء لـ30٪ من قوتها الشرائية فيما بات خط الفقر المطلق لا يتجاوزه 80 دولار وهو مبلغ يمثل اقل من كلفة الحاجات الاساسية لاسرة وسطية من 5 افراد.
ان هذا الواقع الاجتماعي والمعيشي والامني والسياسي يبرر حالة الانكماش في الاسواق الاستهلاكية، وبرأي الخبراء الاقتصاديين لا تنحصر عملية رفع القدرة الشرائية للمداخيل بزيادة الاجور، وانما من خلال تعزيز شبكات الامان الاجتماعية المطلوبة وبصورة ملحة، بالاضافة الى وضع القوى السياسية خلافاتها جانباً وتتوحد وتقدم التنازلات التي من شأنها ان تحمي لبنان، لان البلاد تسير بشكل متسارع الى الفوضى قبل الانهيار، وان انهيار الاقتصاد لا تستطيع اي اجراءات امنية ان تساهم في نهوضه.. على ما تقوله الهيئات الاقتصادية.