تقرير: رولان خاطر
شارفت قضية العسكريين المخطوفين أن تدخل شهرها الثاني من دون معالجات تلوح في الأفق، لا عبر القنوات الرسمية ولا عبر المنحى الاقليمي المتمثل بتركيا وقطر، ولا عبر المنحى الدولي بعدما حمل رئيس الوزراء تمام سلام هذا الهمّ أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
لا يختلف المراقبون للوضع السياسي القائم على أن تنظيم “الدولة الإسلامية” يحاصر القرار السياسي للسلطة السياسية في لبنان بطريقة أو بأخرى، واستفزّ هيبة الدولة التي أصبحت تحت “دعسات” القرار السياسي الضبابي القاضي بالدخول او عدم الدخول في عملية مفاوضة مع إرهابيي “داعش” والنصرة”. فمن الأساس، “أنكت” الدولة نفسها، وضربت بعرض الحائط ولا تزال كل ما يسمّى بـ”هيبة الدولة”، عندما تقاعست ولا تزال عن القيام بمبادرة، أو رأي، أو حلّ، أو خطوة عملانية، بعيداً عن مزايدات الكلام، للإفراج عن العسكريين المخطوفين.
ويرى المراقبون أنه منذ عملية خطف جنود الدولة اللبنانية، باتت تلك الدولة مخطوفة لقرارين، قرار “داعش” من جهة، وقرار “حزب الله” من جهة أخرى، ومحصورة بين نارين واتجاهين للتصعيد، لدى الأهالي ولدى الخاطفين.
فأولاً، تنظيم “الدولة الاسلامية” ضيّق الخناق على السلطة في لبنان، فحاصرها في ميدان عرسال وجرودها من جهة، وأحرج قرار السراي، سيّما وأن معادلة “التوافق” تلازم القرارات الحكومية، فبات القرار في مسألة الجنود في قبضة “حزب الله”، الذي أفرج على لسان أمينه العام حسن نصرالله عن “مبدأ التفاوض”، في ظل استبعاد أيِّ خيار عسكري لحلّ الأزمة، ما شكّل إيذاناً لانطلاق الأبواق الحكومية مطالبة “بالتفاوض”، ما أكد أنّ كذبة “التوافق”، ليست إلا “ورقة تين” تختبئ وراءها سطوة “حزب الله” على القرار السياسي.
ثانياً: استمرار الأزمة الذي أثبت بما لا يقبل الشك أن الادارة السياسية للقرار اللبناني في الضاحية وليس في السراي، جعل الحكومة مشاركة – ولو بطريقة غير مباشرة – بجرم بقاء العسكريين بعيدا عن ديارهم، ومنهكة أمام تصعيد الأهالي، وعاجزة امام تصعيد الإرهابيين، وبالتالي، انتفت عنها صفة حكومة مصلحة لبنان، وجيش لبنان، وشعب لبنان، ودولة لبنان.
ثالثاً: إطالة أمدّ الأزمة، زاد في التدهور الاقتصادي، على ضوء استمرار قطع الطرق الرئيسية والحيوية من قبل أهالي العسكريين، ما أوقف حركة الشاحنات والمرافئ والترانزيت وغيرها.
رابعاً: خطف العسكريين أبرز تساؤلات من المفيد التوقف عندها:
– لماذا لم تعمد القوات الرسمية اللبنانية إلى تنفيذ عملية عسكرية أثناء وجود عناصر قوى الأمن في عرسال لدى الشيخ مصطفى الحجيري قبل “ترحيلهم” إلى جرود البلدة”؟، سيّما أنّ أمنيين كانوا يتابعون ما يجري في منزل الشيخ الحجيري خلال فترة تواجد الجنود اللبنانيين لديه.
– لماذا قطعت المعونات الغذائية في بلدة اللبوة وعدم السماح لها بدخول عرسال، على ضوء معلومات أفادت بأن مطالب الإرهابيين وقتذاك اقتصرت فقط على معونة النازحين السوريين، ولم يكن مخططا الاستمرار باحتجاز العسكريين ونقلهم إلى جرود عرسال؟.
– فور تعرض الشيخ سالم الرافعي لإطلاق نار أو لمحاولة قتل كما أعلن، لماذا لم تعمد السلطات المعنية إلى فتح تحقيق بالحادث، علماً أن شهود عيان كانوا في موكب الرافعي أفادوا بان الأخير تعرض لإطلاق نار على حاجز الجيش، الذي طلب عناصره عبر جهاز اللاسلطي وقف النار لأن السيارة صديقة (أي موكب الرافعي)، إلا أنه استمر إطلاق النار بهدف القتل؟.
– لماذا امتنع قائد الجيش عن قصف عرسال عندما طلب منه ذلك، ومن أراد قصف البلدة، ولماذا؟.
– لماذا لم تعمد السلطة العسكرية إلى اللجوء إلى الخيار العسكري، فيضع “حزب الله” غرفة عملياته، وتقنياته، وقدرته اللوجستية، وإمكاناته “السماوية”، بتصرف المؤسسة العسكرية، وهو الذي لا ينفك يؤكد دعمه المطلق لها تحت شرط الحفاظ على “هيبة الدولة”، فيتحرّك عندها الجيش ميدانياً، بتغطية من “الجيش والشعب والمقاومة”.
أظهرت الوقائع الجيوسياسية أن الخريطة الميدانية والنقاط العسكرية التي سيطر عليها الجيش بعد المعركة توحي وكأن هناك من عمل على إدخاله في حرب بـ”الوكالة”، لتفادي أي صدام مباشر بين السنّة والشيعة على الأرض اللبنانية، ولاستكمال سيطرة الثنائي “حزب الله” والنظام السوري على المنطقة، وقطع رئة الثوار في القلمون.
أمام هذا الواقع، باتت السلطة السياسية امام خيار من اثنين:
ففي ظل حملات التحالف الدولي ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق، والتي من غير المعروف ما إذا كانت ستطال مواقع “داعش” على الحدود بين لبنان وسوريا، من الطبيعي أن تكون كل من “جبهة النصرة” و”الدولة الاسلامية” في وضع غير مريح، لكن هذا لا يمنح الحكومة هامشاً للمناورة في حياة العسكريين، وبالتالي يتطلب الأمر منها:
– إما القيام بعملية عسكرية نوعية تستخدم فيها قوات النخبة في الجيش اللبناني، وبالتعاون مع غرفة عمليات التحالف الدولي ضد “داعش”، نظراً للامكانات التقنية المتطورة التي تملكها هذه الغرفة على صعيد المراقبة والتصوير والرصد، وبالتالي الافراج عن العسكريين مع ما تتطلبه من مغامرة في تعريض العسكريين للخطر، إلا ان الأمر بات يتطلب الحسم.
– وإما أن يعلن مجلس الوزراء صراحة قبول التفاوض مع الارهابيين بشأن مطالبهم، مع ما يمكن للدولة الموافقة عليه، مع استبعاد بند خروج “حزب الله” من سوريا، خصوصاً وأن الحزب بذاته غير قادر على أن ينسحب من سوريا لأنّ القرار ليس في يده بل هو في إيران، والجمهورية الإسلامية لن تفرّط بهذه الورقة التي سمحت لها بمصادرة قرار بيروت، وتساعد في الهيمنة على قرار دمشق، وتعمل على استكمال السيطرة على بغداد، ولها أناملها الايجابية في تحقيق السطوة في صنعاء.
لذا، فإن مجلس الوزراء بات امام خيارين إذا لم يُقدم على خطوات جريئة لإطلاق جنود الوطن، إما أن يحترق بنار الأهالي، أو يحترق بنار الجماعات الارهابية.