ظلت أسعار نفط خام الإشارة برنت تدور حول 100 دولار للبرميل لسنوات، وكان التعبير في سوق النفط بأن هذه المستويات مقبولة في سوق النفط، ذلك لأنها تحقق الخطط الاستثمارية المستهدفة من قبل غالب الدول في مجالات الطاقة بأنواعها، وفعليا ارتفاع إنتاج النفط وسوائل الغاز من النفط الصخري في السوق الأمريكية بشكل واضح خلال هذه السنوات وانخفضت معه احتياجات الولايات المتحدة الأمريكية من الواردات من النفط الخام، وكان لذلك تأثير كبير على تجارة النفط الخام في العالم.
ولكن هذه المستويات للأسعار، قد أثرت سلبا على معدلات تنامي الطلب والتي جاءت عند900 ألف برميل يومياً سنوياً خلال السنوات 2010 – 2013 وهي مستويات متواضعة، كذلك فإن التحولات أيضاً لم تكن في مصلحة تحقيق تنامي أكبر للطلب على النفط في العالم فقد انخفض الطلب على النفط في البلدان الصناعية خلال هذه الفترة بمقدار 400 ألف برميل يومياً سنوياً، وانحسر تنامي الطلب للبلدان النامية والتي بدأ يشهد أداؤها اعتدالا في وتيرة النمو تتناسب من مختلف الأنشطة الصناعية فيها، وطبعاً هذا يؤثر على معدل تنامي الطلب في المستقبل.
أضف إلى تلك التطورات، أن هناك آفاقا كبيرة لزيادة كبيرة خلال السنوات القادمة في إنتاج الأوبك خصوصاً داخل الأوبك في بلدان بعينها هي العراق، ليبيا، وإيران وكذلك زيادة من خارج الأوبك سواء من أمريكا الشمالية أو من البرازيل، ولتكتمل الصورة، فإن التوقعات الحديثة لبعض بيوت الاستشارة في العالم تتوقع بقاء الطلب على نفط الأوبك عند 29.5 مليون برميل يومياً في أحسن الأحوال خلال السنوات القادمة حتى 2019.
وهو تطور لا يصب في مصلحة الأوبك ويتطلب مزيداً من التماسك والتنسيق داخل الأوبك ويشكل ضغوطاً متزايدة على أسعار النفط الخام خلال السنوات القادمة يبدأ من العام القادم 2015 مع اختلال في ميزان الطلب والعرض وتحسن تدريجي في أجواء العوامل الجيوسياسية باتجاه تعاون المجتمع الدولي لإيجاد حلول لها بالنظر إلى مخاطر استمرارها والتي تطال الأمن الاستراتيجي العالمي، بالرغم من فوائدها في توفير أجواء القلق ودعم أسعار النفط.
وعندما نتحدث عن مستجدات السوق النفطية، لا نستطيع أن نغفل تعافي منطقة اليورو بوتيرة بطيئة، وكذلك مؤشرات الاقتصاد الأمريكي والتي يدور حولها الشكوك، أو حتى الاقتصاد الصيني بالرغم من توقعات التفاؤل التي رسمها حديثاً صندوق النقد الدولي.
ومازال المراقبون في سوق النفط يعولون كثيرا على فصل الشتاء وما يرافقه من توقعات عودة المصافي للعمل بمعدلات عالية تزيد الطلب على النفط وترفع من المنتجات البترولية خصوصا زيوت التدفئة، والتي من المؤمل أن تساعد السوق للوصول إلى بر الأمان وتحقيق شيء من التوازن لدعم الأسعار في المرحلة القادمة، ولذلك يعتقد أن أسعار نفط خام برنت تظل تتذبذب ولن تنخفض عن 90 دولاراً للبرميل، بل ستشهد تحسناً مع نهاية هذا العام.
ولكن لا يخلو الأمر من مخاطر مع تشغيل عدد من المصافي سواء في الخليج العربي في السعودية أو في أسواق الشرق خصوصا في الصين، وما يعني ذلك من زيادة المعروض من المنتجات البترولية في السوق وما يشكل ذلك من ضغوط على هوامش أرباح المصافي بصفة عامة.
وعموماً وبالرغم من معاناة المصافي في العالم فإنه لابد من الإشادة بسياسة المملكة العربية السعودية في إدخال الشريك الأجنبي في المصافي داخل السعودية سواء مع الشريك الصيني أو الشريك الفرنسي، وهي من الأمور التي تدخل في تطوير شراكات استراتيجية تساعد السعودية في الاستفادة من التكامل ما بين التكرير والبتروكيماويات، وتسويق منتجاتها النفطية، وتسويق نفوطها، وتطوير علاقه أفضل مع عملائها على المدى الطويل، وهو أمر واضح خصوصاً إذا ما استذكرنا أن السعودية رفعت إنتاجها الفعلي من النفط الخام من مستويات تدور حول 8 ملايين برميل إلى مستويات أعلى تدور حول10 ملايين برميل يوميا ونجحت في تصريف هذه الزيادة في مختلف الأسواق، خصوصاً الأسواق الواعدة بشكل ضمن لها عوائد طيبة نسبيا.
ومع مؤشرات ضعف الطلب في اليابان، وكوريا، وأوروبا، وتباطؤ تنامي الطلب في الصين مقارنة مع المعدلات التاريخية، بدأ الحديث في سوق النفط عن الحاجة إلى فترة تهبط فيها أسعار النفط الخام إلى مستوى 85 دولاراً للبرميل لنفط خام برنت ربما تستمر لعام أو عامين، قد تنتهي بتشجيع مستويات أعلى لاستهلاك النفط في العالم تساعد على استيعاب الزيادات المتوقعة في المعروض من النفط الخام، وربما تؤثر سلباً في تطوير النفط الصخري الجديد في أمريكا وغيرها من الأسواق، وطبعاً ستتأثر بعض البلدان المنتجة بذلك خصوصا تلك التي تفترض موازنتها عند المئة دولار للبرميل من داخل وخارج الأوبك، ولكن النتيجة في النهاية لمصلحه النفط ويقوم بتسويق هذه الأفكار عدد من البيوت الاستشارية للخروج من حالة اختلال ميزان الطلب والعرض في السوق.