IMLebanon

الأزمة الأوكرانية تلفح أسواق الكرملين بنيران العقوبات… والحظر الروسي يهدد اقتصاد أوروبا بدخول دائرة الانكماش

RussiaUSA

ميليسا لوكية

لم تحُلْ الانتقادات التي وجّهها الغربُ ضدَّ روسيا نتيجة تدخّلها في الازمة الأوكرانية ومشاركتها في دعم الانفصاليين الموالين لها، دون فرض الولايات المتحدة والدول الاوروبية عقوباتٍ اقتصاديةً أرخت بثقلها على الاقتصاد الروسي وما رافق ذلك من ارتدادات سلبية طاولت الغرب. فقد بدأت أعمال الشغب في 18 شباط من السنة الجارية، ليليها احتدام المواجهة بين الاطراف المؤيدين لكلّ من روسيا وأوكرانيا، وبرزت الى الواجهة ردود الفعل التي جسّدها وصفُ وزير الخارجية الأميركي جون كيري التصرفات الروسية بـ”عمل عدائي لا يصدق”. من جهتها، دعت مفوضية الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي الكرملين إلى التعبير عن وجهة نظره بشكل سلمي.

بعد فرض السلسلة الأولى من العقوبات على روسيا، وبعد ضمّ الأخيرة شبه جزيرة القرم الى اراضيها، حذّر وزيرُ الخزانة الأميركي جاكوب ليو في وقت سابق روسيا بأنها قد تواجه عقوبات أشد صرامة في حال تصعيد مواقفها ضدّ أوكرانيا، كما جدّد الرئيس الأميركي باراك أوباما تأكيده أنّ “على القادة الروس أن يدركوا أن لتحرّكاتهم تداعيات ستضعف اقتصادهم وستؤدي الى عزلة ديبلوماسية متنامية”.
وفي بروكسيل، اتفق زعماء الاتحاد الأوروبي في تموز الماضي على توسيع العقوبات ضد روسيا لتستهدف الشركات التي تساعد في تقويض سيادة أوكرانيا ووضع قائمة أولية تضمّ الشركات والأشخاص الذين سيواجهون تجميد الأصول. كما قرر زعماء الاتحاد الطلب الى مصرف الاستثمار الأوروبي، تعليق القروض الجديدة لروسيا والقروض من المصرف الأوروبي للتعمير والتنمية. وفيما اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن هذه العقوبات ستؤثر سلباً في الاقتصاد العالمي، فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات اقتصادية جديدة على روسيا، شملت شركة النفط “روسنفت” ووحدات من شركة “غازبروم”، كما أضيف 24 شخصاً إلى قائمة الممنوعين من دخول دول الاتحاد الأوروبي والذين جمدت أصولهم في الاتحاد.
وتدرس الحكومة اليابانية فرض قيود على المعاملات المالية والطاقة، فضلاً عن العقوبات المفروضة سابقًا، بما في ذلك تجميد الأصول التي عقدت في اليابان من 40 شخصًا، واثنتين من الجماعات المتورطة في ضم شبه جزيرة القرم.

وكان لهذه القرارات التي تلتها عقوبات روسية تمثلت بـحظر استيراد المنتجات الزراعية آثارها السلبية، اذ خفض صندوق النقد الدولي توقعاته في شأن نمو الناتج المحلي الإجمالي لروسيا من 1.3% إلى 0.2% خلال 2014. أما بالنسبة الى أوروبا، فقد أصيب الاقتصاد الألماني بانكماش مفاجئ في الربع الثاني من السنة بنسبة 0.2%، بعد نمو بلغ 0.7% في الربع الأول، خصوصاً أن الحظر الروسي شمل نحو ثلث صادرات ألمانيا من السلع الزراعية إلى روسيا. وأظهرت نتائج استطلاع أجرته غرفة التجارة الإستونية أن شركة من أصل 5 في إستونيا تعاني الحظر على استيراد المنتجات الغذائية والحيوانية والزراعية، كما اضطرت كبرى الشركات كـ”ماكدونالدز”، “رينو”، “أديداس”… الخ، في بعض الاحيان الى إقفال بعض متاجرها في روسيا نتيجة تراجع نسبة المبيعات.
في سياقٍ متّصل، لم يكتفِ الكرملين بالتهديدات فحسب، بل جهز قائمة عقوبات إضافية قد يفرضها في حال تشديد العقوبات ضده، محّذراً من أن الحظر قد يشمل قيوداً على استيراد المنتجات الصناعية والسيارات. كما يدرس الكرملين سبل حظر عبور شركات الطيران الغربية الأجواء الروسية في الرحلات المتجهة من أوروبا إلى منطقة آسيا والمحيط الهادي ونقاط دخول الأجواء الروسية ومغادرتها لرحلات الـ”شارتر”.
في المقابل، يبدو أن جهود روسيا الرامية الى تجنيب اقتصادها رياح التراجع الذي يمكن أن تتفاقم حدّته في أي لحظة، ما زالت وتيرتها في ازدياد مطّرد خصوصاً أن البرلمان الاوكراني تبنى قانوناً يسمح بفرض عقوبات ضد روسيا، بما في ذلك حظر نقل “ترانزيت” الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية. فقد اتفقت روسيا مع مصر، خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الاخيرة الى موسكو، على زيادة التعاون بين البلدين من طريق زيادة صادرات القمح إلى القاهرة، واستيراد مزيد من المنتجات الزراعية المصرية. ودرس الطرفان إمكان إنشاء منطقة للتجارة الحرة، وتوسيع التعاون العسكري، وزيادة تدفق السياح. وقد أعلنت مصر استعدادها لتصدير منتجات الألبان واللحوم والأسماك والمأكولات البحرية إلى روسيا. توازياً، سمح الكرملين باستيراد منتجات الألبان من 3 شركات تركية، من أجل تعزيز وارداتها.
وعلى الرغم من ذلك، لا تزال التوقعات بتراجع الاقتصاد الروسي قائمة، اذ أشار النائب السابق لوزير التنمية الاقتصادية الروسية أندريه كليباتش الى احتمال تراجع نمو الاقتصاد الروسي والناتج المحلي الإجمالي في 2015. وقال كليباتش: “قيمنا تأثير العقوبات على الاقتصاد الروسي وتدفق رأس المال بكثافة خارج روسيا وزيادة الفوائد على القروض، ومن الطبيعي أن يؤثر ذلك سلباً في نمو الاقتصاد الروسي، مع العلم أن تأثير العقوبات الغربية في نمو الاقتصاد الروسي قد يكون محدوداً خلال السنة الجارية وينطبق ذلك بدرجة أكبر على عام 2015”.
ويرى كليباتش أن لدى روسيا مدخرات كبيرة على شكل احتياطات عملات وصندوق الرفاه الوطني الذي يمكن استثمارها بنسبة 100% في تنمية الاقتصاد الروسي، مع العلم أن الحكومة الروسية رفعت نسبة الموارد التي يمكن استثمارها من صندوق الرفاه الوطني في مشاريع البنية التحتية من 40% إلى 60%.