يدل مصطلح “تجارة المناقلة” في ظاهره على أنه غير ضار، بل إنه مصطلح حميد. لكن مع استمرار الدولار الأمريكي في الارتفاع، فإن تدفق تريليونات الدولارات التي التهمتها الأسواق الناشئة تهدد بعكس اتجاهها، ما يهدد النمو في كثير من بلدان العالم النامية.
المستثمرون المنخرطون في تجارة المناقلة يقترضون بعملة منخفضة الفائدة، مثل الدولار الأمريكي، للاستثمار في السندات المحلية ذات العوائد المرتفعة في الأسواق الناشئة. لكن الضغط على آلية تجارة المناقلة يتزايد، مع هبوط مقياس عملات الأسواق الناشئة – مؤشر جيه بي مورجان للأسواق الناشئة EMCI – إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار الأمريكي منذ 11 عاماً.
وقد يقرر المستثمرون قريباً أن خسائرهم في سوق العملات الأجنبية تفوق مكاسبهم من فارق سعر الفائدة، ما يدفعهم إلى تقليص خسائرهم والهروب. ولو كان المشاركون في السوق يقومون بتفكيك تداولاتهم في انسجام تام – أي بيع أصول الأسواق الناشئة لشراء الدولار – فإن هذه العملية من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم ظروف السوق التي كانوا يفرون منها.
ويشعر كثير من المحللين بالخطر. وبحسب لويس كوستا، استراتيجي العملات في بنك سيتي: “استراتيجيات تجارة المناقلة تتصدع”. ويضيف “لقد غُمِرت السوق كثيراً نتيجة للسيولة وأسعار الفائدة التي كانت منخفضة جداً لفترة طويلة، لكن هذا تحول الآن”.
ديفيد هونر، الاستراتيجي في بانك أوف أمريكا ميريل لينش، يرى في الأفق احتمال تصحيح مطول للسوق. ويقول: “من الواضح جداً أن هذا ليس نهاية تجارة المناقلة إلى الأبد، وإنما هو تصحيح”.
وتتعزز الرياح المعاكسة لتجارة المناقلة بسبب التوقعات القوية للدولار الأمريكي الناجمة عن ثلاثة اتجاهات ثابتة: الاقتصاد الأمريكي يتعافى بقوة، وهو ما يعزز جاذبية العملة الأمريكية. تم اقتراب الاحتياطي الفيدرالي من إنهاء برنامجه للتسهيل الكمي في تشرين الأول (أكتوبر)، ما يؤدي إلى تشديد سيولة الدولار. وأخيراً، شرع البنك المركزي الأوروبي في مرحلة حذرة متساهلة في السياسة النقدية، ما يعمل على تعزيز آفاق الدولار نسبة إلى اليورو.
وآثار التحول بعيداً عن أسواق السندات بالعملة المحلية للأسواق الناشئة تعتبر مرئية منذ الآن. يوم الجمعة الماضي، كان مؤشر السندات بالعملة المحلية من جيه بي مورجان GBI EM يقل نحو 6 في المائة من أعلى مستوى له خلال العام، المسجل في نهاية تموز (يوليو). وقد بلغ متوسط العائد 6.69 في المائة، مرتفعاً من أدنى مستوى له بنسبة 6.45 في المائة في العام في تموز (يوليو).
لقد تباطأ إصدار السندات بالعملة المحلية أيضاً، مع مجرد 22 مليار دولار في سندات تم إطلاقها، مقارنة بمتوسط شهري قدره 62 مليار دولار خلال العام الماضي، وذلك وفقاً لتقديرات معهد التمويل الدولي.
مثل هذه الأرقام تفضح ضعف عدة اقتصادات في الأسواق الناشئة تعتمد على تدفقات تجارة المتناقلة، ليس فقط للحفاظ على معدلات الفائدة المحلية منخفضة، ولكن أيضاً لتمويل العجز في الحساب الجاري، ومشاريع البنية التحتية، والحفاظ على خزائن الشركات مليئة بالسيولة.
والانسحاب المفاجئ من تجارة المناقلة يهدد بإحداث تأثير عميق على اقتصادات هذه البلدان. وعلى الرغم من أن حجم تجارة المتناقلة للأسواق الناشئة غير معروف، تشير التقديرات إلى أن تريليوني دولار من رأس المال الأجنبي يتم استثمارها في سندات الأسواق الناشئة المحلية. وهذا أكبر قليلاً من حجم اقتصاد إندونيسيا والمكسيك معاً. وقد ارتفع إجمالي الملكية الأجنبية في أسواق السندات المحلية للأسواق الناشئة من 8 في المائة إلى 17 في المائة بين عامي 2007 و 2012، وذلك وفقاً لبنك التسويات الدولية.
وتتعرض بعض الدول بشكل خاص للحظوظ المتقلبة لتجارة المتناقلة. ففي ماليزيا ارتفعت نسبة السندات الحكومية تحت الملكية الأجنبية إلى أكثر من 45 في المائة. وهي أكثر من 35 في المائة في بولندا والمجر والمكسيك وإندونيسيا. ومقياس تعرض الدولة إلى الانسحاب من تدفقات تجارة المتناقلة يكمن في الفرق بين أسعار الفائدة المحلية والدولار الأمريكي عندما تقاس في مقابل أسعار العملات الآجلة. ووفقاً لهذا المقياس، طبقاً لحسابات سيتي بانك، تجارة المتناقلة للمستثمرين بسندات الشيكل الإسرائيلي والكورونا التشيكية قد تواجه الخسائر.
وعلى الرغم من المخاوف، يبقى بعض المستثمرين متفائلين. ويقول جيراردو رودريجز، وهو مدير محفظة في بلاك روك، شركة إدارة الاستثمارات: “التشديد في الظروف المالية للأسواق الناشئة سيختبر مرونة السندات المحلية كفئة أصول”. ويضيف: “لكننا لا نرى تفككاً غير منظم في تجارة المناقلة”.
وبالأمس تفاقمت عمليات البيع المكثف في الأسواق الناشئة، في الوقت الذي عمقت فيه عوامل القلق السياسية من المخاوف من أن كثيراً من البلدان ستواجه ضربة مزدوجة تتمثل في تباطؤ النمو في الصين وارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة.
وهبط الريال البرازيلي إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ عام 2008 بعد أن أظهرت استطلاعات للرأي أن الرئيسة ديلما روسيف – التي عملت سياساتها الاقتصادية القائمة على التدخل على إثارة أعصاب المستثمرين – تتقدم على خصومها قبيل الانتخابات الرئاسية يوم الأحد المقبل.
وشهد الروبل الروسي – الذي سبق له أن انخفض بنسبة 20 في المائة منذ مطلع العام – مزيداً من الانخفاض، حيث اقترب من المستوى الذي يمكن أن يستثير تدخل البنك المركزي.
لكن المشاكل بدأت أيضاً بالتأثير على الأسواق الناشئة التي لا تعاني من مخاطر سياسية كبيرة. وقال البنك المركزي الإندونيسي إنه تدخل للحؤول دون حدوث هبوط حاد في سعر الروبية، التي خسرت أكثر من 1 في المائة من قيمتها مقابل الدولار، مسجلة أدنى مستوى للشهر السابع. وكان البيزو المكسيكي والوون الكوري الجنوبي من بين أسوأ العملات أداءً في الأسبوع الماضي، في حين تراجعت الليرة التركية والراند الجنوب إفريقي إلى أدنى مستوى لهما في مقابل الدولار منذ كانون الثاني (يناير). وبحسب أحد المقاييس – وهو مؤشر جيه بي مورجان للأسواق الناشئة – تراجعت عملات الأسواق الناشئة إلى أدنى من مستواها المنخفض في عام 2007.
وبلدان الأسواق الناشئة التي تعرضت لضغط مكثف في 2013 حين أعلن الاحتياطي الفيدرالي أول مرة أنه سيبدأ الانسحاب التدريجي من برنامج شراء الأصول، تواجه الآن جيشانا في الوقت الذي يحتسب فيه المستثمرون إمكانية رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة في السنة المقبلة. كذلك تعتبر الأسواق الناشئة معرضة لآثار التباطؤ في الصين، الذي سيضر بالشركاء التجاريين الإقليميين والبلدان المنتجة للسلع.