كامل صالح
يشاء وزير المال علي حسن خليل أن يظهر صورة الوضع المالي للدولة كما هي، من دون رتوش، أو كلام يحمل أكثر من معنى، لذا تجده يجزم عبر حديثه لـ«السفير»: «لا رواتب للقطاع العام عن شهري 11 و12 من العام 2014، إذا لم يتم إقرار قانون لتأمين اعتماد إضافي للرواتب»، موضحاً أن «المطلوب حوالي 626 مليار ليرة لدفع الرواتب حتى آخر السنة الحالية».
ولأن وزارة المال بحكم القانون شريكة كل الوزارات، يكشف خليل أن «مافيا الكهرباء بإمكانها اسقاط الدولة، إذ ماذا يعني أن يبلغ عجز الكهرباء سنويا حوالي 3097 مليار ليرة، لولا وجود هدر يبدأ من شحن الفيول وصولا إلى النقل والمعامل والشبكات والتلزيمات…؟»، مضيفاً «ما دمنا نتحدث عن إنتاج الطاقة وفق القواعد السابقة نفسها، فإن عجزنا سيزيد حتماً».
إلا أن خليل يسارع ليؤكد في الوقت نفسه، أن «نسبة النمو الاقتصادي خلال العام 2014 بلغت 2 في المئة على الرغم من الظروف الراهنة التي يعيشها البلد».
صندوق النقد
يذهب خليل بعيداً في هذا السياق، معتبراً في معرض ملاحظاته على تقرير صندوق النقد الدولي الأخير، أنه «أمر طبيعي أن يوصي البنك بما قاله، في ظل غياب الموازنة وتزايد العجز، لكن من جهة أخرى هناك مؤشرات ايجابية حول قدرة لبنان على الإيفاء بالتزاماته، وإدارة السيولة». إذ يؤكد خليل قدرة وزارة المال على سداد كل الاستحقاقات الداخلية والخارجية، مشيراً إلى أن من العلامات الإيجابية: نمو الودائع، وأن «أجواء الفوائد لمصلحتنا»، من دون نسيان استطاعة لبنان أن «يتكيف في إنفاقه وتحمل ذلك، على الرغم من وجود أكثر من مليون و200 ألف نازح سوري».
يوجه خليل تقديراً «لدور المصارف لجهة تمويل استحقاقات الدولة في مختلف الميادين، وحرصها على أن تتحمل جزءا من الكلفة بما يؤمن حداً من العدالة الضريبية».
ويلفت النظر إلى التغييرات البنيوية في نظام الضرائب، منها: التحسين العقاري، ضريبة أرباح المصارف، من دون نسيان «البنود الإصلاحية في سلسلة الرتب والرواتب واستكمالها في قوانين أخرى».
قاعدة لـ«السلسلة»
في هذا الجانب، يوضح خليل أنه في مسألة «السلسلة»، تم التوصل إلى اتفاق على إقرارها بأقل التداعيات السلبية الممكنة إن كان على الموظفين المستفيدين منها، أو على الاقتصاد الوطني، مشيراً إلى «أننا قبلنا بزيادة الـ1 في المئة على الضريبة على القيمة المضافة (TVA) لتصبح 11 في المئة، ونحن نعلم أن هذا الخيار ليس مثالياً ولا شعبياً، مقابل إلغاء خفض كامل السلسلة 10 في المئة»، مؤكداً أنه لم يكن «هناك إمكانية للسير بالسلسلة من دون هذه الزيادة».
يعتبر خليل أن ما تريده «هيئة التنسيق النقابية» قد تحقق، مضيفاً أن الإنجاز الأهم هو إرساء قاعدة للعمل مستقبلا، وبالتالي التصحيح، بعدما كانت المسألة متوقفة من العام 1998.
يتوسع في هذا المجال، ليوضح أن «مشروع تقسيط السلسلة هو مريح ومقبول، ويمكن لوزارة المال استيعابه، انطلاقاً من تثبيت الحق في التقسيط لا التجزئة، فمباشرة يتم دفع 50 في المئة للمستفيدين، وتقسط الـ50 في المئة المتبقية على سنتين. ومن هنا، لا تكون هناك انعكاسات مالية للسلسلة على الاقتصاد، بعد ربطها بالهندسة المالية للوزارة».
مفتاح الخزينة
في المقابل، يؤكد خليل أن في حساب خزينة الدولة لدى مصرف لبنان حالياً حوالي 4600 مليار ليرة، وبالتالي، لن يجعل الرقم يهبط عن الـ4000 مليار ليرة مهما كانت الضغوط، ومن أي جهة أتت، فالمفتاح لأخذ المال من الخزينة هو القانون، ومن هنا لا سلف خزينة لأنها غير قانونية.
يعلن خليل أنه أحال موازنة العام 2015 إلى مجلس الوزراء في 29 آب 2014، أي قبل انتهاء المهلة الدستورية، ويكشف أنه أرسل كتاباً إلى رئيس الوزراء ألمح فيه أنه في حال أرسلت الحكومة الموازنة إلى مجلس النواب قبل 21 تشرين الأول ولم يقرها، فبإمكانها ساعتئذ أن تقر بمرسوم.
لا مستند قانونياً
أما المفاجأة التي يعلن عنها خليل عبر «السفير»، فهي أنه عندما تسلّم الوزارة لم يكن هناك مستند قانوني يمكّن وزير المال من تحويل الأموال إلى «الكهرباء»، موضحاً أنه بقي مصرّاً على موقفه حتى تلقى من رئيسي الجمهورية والحكومة آنذاك قراراً استثنائياً للدفع.
يسارع خليل للتأكيد أن «لا مشكلة بين وزارة المال ووزارة الطاقة الوصية على مؤسسة كهرباء لبنان، إنما المشكلة تكمن أن هذه المؤسسة تكبد الخزينة سنوياً 51 في المئة من العجز الإجمالي، ومن هنا للمالية الحق أن تعرف وتسأل عن سبب تضخم هذا العجز الذي يستنزف الخزينة منذ سنوات من دون وضع حد له».
هنا يفيد خليل بأن «الكلام عن خفض موازنة عجز الكهرباء هذا العام غير صحيح، لأن المبلغ الذي حدده وزير الطاقة والمياه في جلسة مجلس الوزراء هو نفسه الذي التزمته وزارة المال»، معتبراً أن «هناك تخبطاً وعدم وجود رؤية واضحة وشفافة، إذ لا أحد يشرح لنا لماذا لا يمكننا أن ننتج الكهرباء على الغاز بكلفة 6.5 سنتات للكيـــلوات، بدلا من انتاجــها حالياً على الفيول بحوالي 22.5 سنتا، والمازوت بحوالي 35 سنتاً!».
يشدد خليل على أن «لا مسؤولية تقع على وزير المال في موضوع زيــــادة ساعات التقنـــين في التــــيار الكهربائي، لأنه حتى لو زدنا موازنة الكهرباء فــــلا قدرة لدى المؤسسة على رفع التغذية إلى 24 ساعة يومياً».
شراء الفيول
يتوسع خليل في موضوع الكهرباء، ليوضح أن الوزارة طلبت الاطلاع على عقدي شراء الفيول لتشغيل معامل الإنتاج، من شركتين كويتية وجزائرية، وذلك بعدما لحظت أنها دفعت فوائد فقط لهاتين الشركتين حوالي 300 مليون دولار، فتبين وجود ثغرات قانونية جسيمة، منها أن العلاقة لا تتم من دولة إلى دولة كما جاء في قرار مجلس الوزراء، بل تتم من دولة إلى شركة مكانها خارج الدولة المنصوص عنها في أحد العقدين.
ولعل الأخطر من ذلك كله، هو في مسألة تقديم فواتير الفيول، إذ لا تقدم خلال الشهر المنصوص عنه في العقد، بل تقدم بعد إرسال البواخر وانتهاء المهلة القانونية المعفاة من الفوائد، ما يكبد الخزينة سداد فوائد تضاف إلى مبلغ الفاتورة.
يسأل خليل «هل يعقل أن توقع عقداً بمبلغ مليار و200 مليون دولار سنوياً يتضمن البند الأول فيه أن المدة 3 سنوات تتجدد تلقائياً!».
يقول خليل: «طلبنا جدولة مواعيد وصول بواخر الفيول لنتجنب دفع الغرامات، لكن هذا لم يحدث، وتم تجديد العقدين مع الشركتين تلقائياً، من دون إعادة النظر في البنود، ومن دون إجراء استقصاء أسعار جديدة، على الرغم من وجود طلب من الحكومات السابقة والحالية في ذلك.
أمام هذا الوضع، يلمح خليل إلى أن هناك إصراراً على إجراء مفاوضات جدية مع الشركتين، وفي حال وصلت الأمور إلى حائط مسدود، سنطرح مناقصة جديدة، وهناك 3 شركات جاهزة للمشاركة.
معامل الإنتاج
في سياق متصل، يرد خليل على ما قاله النائب ميشال عون إن «وزارة المال لا تحوّل المال لاستكمال العمل في معامل الإنتاج الجديدة»، قائلا: «أولاً نحن حريصون على أفضل العلاقات مع الجنرال عون، لكن كل ما في الأمر أن دفتر شروط معمل دير عمار ينص على وضع قيمة الـTVA ضمن خانة مستقلة، وإلا يعد المبلغ من ضمن السعر العام الوارد، وأنا كوزارة لا أستطيع أن أدفع فاتورة تتضمن ضريبة، وقد أيد ديوان المحاسبة موقفي معتبرا الضريبة ضمن السعر الوارد».
أما في موضوع معملي الذوق والجية، فيوضح أن «ما حدث هو أن وزارة الطاقة أجرت مع الجهات المنفذة، تعديلا على مضمون العقود الموقعة، ومن هنا، فإن أي تعديل يحدث حتى لو تغيير مكان فاصلة في العقد، يجب إعادة إرساله إلى ديوان المحاسبة للمصادقة عليه مجدداً، وهذا ما حدث».
هنا يبدي خليل استغرابه، سائلاً: «هل من المعقول اتهامنا بالمؤامرة كلما تأخرت وزارة المال في سداد فاتورة؟».
سؤال مشروع
إلى أين في أزمة الكهرباء؟ هل ذاهبون إلى الخصخصة؟ يجيب خليل: «من يقول إن هذا الخيار جيد أو غير جيد؟ لا أستطيع أن أبني افتراضاً من دون توافر الدراسات اللازمة»، مضيفاً «السؤال إذا أصبحت مافيا الكهرباء أقوى من الدولة، سؤال مشروع، لأنه كيف يمكن أن نفسر أنه في إمكاننا في أقل من شهر، نقل معامل الإنتاج إلى الغاز، ونوفر على الخزينة مليار دولار في السنة ولا نفعل ذلك!».
الصندوق البلدي
من جهة أخرى، يكشف خليل أن عجز «الصندوق البلدي المستقل» بلغ حالياً حوالي 2660 مليار ليرة، سائلا: «هل من المعقول أن أدفع عن بلدية 90 ملياراً مقابل إزالة النفايات فيها، وهي تستفيد من الصندوق بحوالي 5 ملـــيارات، وأيضاً هناك بلدية أخرى حصتها من الصندوق 1.5 مليار ليرة، أدفع عنها 11 ملياراً!».
على صعيد الوزارة يشير خليل إلى أن «هناك ورشة قائمة لضبط وضع المالية»، وإذ يؤكد أنه لا يتهم أحداً، يكشف عن إعادة تكوين حوالي 92 في المئة من الهبات لعدم وجود قيود لها في السابق، فضلا عن عدم وجود قيود لحوالي 50 في المئة من القروض التي نسدد استحقاقاتها».
ويلحظ في هذا الخصوص أن من الأهداف التي تحققت أو تلك التي نسعى إلى تحقيقها، تتمثل بالآتي:
ـ كسر الإدارة الرديفة.
ـ عدم الإنفاق من دون سند قانوني.
ـ وزارة المال ليست أمين صندوق، بل هي المسؤولة عن رسم السياسة المالية للدولة، وقد خطونا خطوات مهمة في مسألة سياسة الإنفاق.
ـ إجراءات متشددة في حق مفتشين وموظفين وإحالتهم إلى التفتيش، ومنع سماسرة من دخول «العقارية».