يقول الرسام العالمي بابلو أنّ “الفنّ يمسح عن الروح غبار الحياة اليوميّة والرسم هو طريقة أخرى لكتابة المذكرات”، ولكن كيف اذا كان الرسم عن معالم مدينة شهدت تعاقب العديد من الشعوب والحضارات من الفينيقيين والصليبيين، وصولاً الى الأتراك العثمانيين؟ انّها جبيل، مدينة المعالم الفينيقيّة والقلعة والكنائس والمساجد والمتاحف والأسواق القديمة والميناء وغيرها من المناظر التي جذبت ريشة أهم الرسامين العالميين.
“تحيّة لمدينة جبيل – بيبلوس وتقديراً لشعوبها عبر التاريخ” ، أقامت بلديّة جبيل “سمبوزيوم” رسم خلاله عدد من أهم الرسامين اللبنانيين في هذا الاطار كلّ ما مرّ في ذهنهم عن هذه المدينة وتاريخها عبر العصور. يوم كامل من الرسم في حديقة جبيل العامّة، تكلّل بأهم اللوحات التي قدّمها الرسامون الى البلديّة هديّة.
عندما تنظر الى الرسوم ومزيج الألوان في بعض اللوحات التجريديّة، يصعب عليك فهم الفكرة التي استوحاها منها الرسام، الّا أنه بعد شرحه لتفاصيل الرسمة، لا يمكن للعين الّا ان تغمض للحظة تقديراً لهذا الفنّ القدير.
تحت أشجار الزيتون، جلس الرسامون (جوزيف مطر، رينيه فواز، فيرون شمعون، بول سليمان، بسّام كرلّوس، غسان أبي فاضل، يوسف مارون، عدنان خوجا، سامي عبّود، انديه كلفيان، ونقيب الرسامين الياس ديب) وبقربهم على الطاولة فنجان القهوة وعدّة الرسم الخاصّة بهم، ووقف حولهم الناس يشاهدون بشوق مراحل الرسمات التي بدأ تنفيذها من الساعة العاشرة صباحاً حتّى الخامسة بعد الظهر. يوم كامل في أحضان طبيعة جبيل التي قدّمت للرسامين نهاراً “مميّزاً” في ضيافتها. هذه لوحة لكنيسة مار يوحنّا مرقس التي بناها الصليبيون عام 1150، وهنالك لوحة أخرى يطغي عليها اللون الأزرق، لون البحر الذي عبر منه الفينيقيون في سفنهم الخشبيّة ووصلوا الى جبيل، كما نرى الأمواج تغطّي جسد امرأة متمدّدة على رمال الشاطئ وكأنها تنهي مرحلة من تاريخ جبيل لتبدأ مرحلة أخرى جديدة. اللوحة الحمراء، والتي لفتت الأنظار كافة نرى فيها دائرة كالقمر ورسم لسفينة فينيقيّة حولها يطغى اللون الأحمر المتطاير كالدم، يذكرنا بالحروب الصليبيّة. كما ونرى في أسفل اللوحة كرسي من القشّ كتب عليها بالأحرف الفينيقيّة. لا يمكن لأي رسام او مصوّر ان يزور جبيل من دون رسم البيت القرميدي الشهير الذي زيّن أكثر من لوحة في المعرض اضافة الى قلعتي جبيل البحريّة والبريّة.
ربّما لا تكفي الريشة ولا الأقلام ولا عدسات الكاميرات لنسخ جمال مدينة جبيل ونقله الى الناس بصور مختلفة، لكنّ الرسم يبقى الوسيلة الوحيدة للتواصل التي يفهمها جميع الشعوب مهما اختلفوا في اللغة والجنسيّة والدين والسياسة، لتكون جبيل ليس فقط مدينة الحرف، انّما مدينة التواصل على أنواعه.