«عودة التشريع» هي النتيجة الفعلية الوحيدة التي تحققت امس. ما عدا ذلك، لم يكن بالاهمية التي حاولت الكتل النيابية تظهيرها لتبرير النزول الى مجلس النواب، وبالتالي تبرير التمديد الجديد له.
فالسلسلة جرى تطييرها، كما هو الحال منذ اكثر من ثلاث سنوات. وباستثناء فتح الاعتماد المالي الاستثنائي بقيمة 626.6 مليار ليرة لتغطية نفقات الرواتب حتى آخر هذا العام، لم يُطرح على الجلسة التشريعية، الاولى منذ خمسة اشهر، اي مشروع او اقتراح قانون يمكن ان يوقظ “النعرات” بين الاطراف المتناحرة، بل ان هناك “ضرورات” غير السلسلة جرى تجاهلها، ولا سيما الاجازة للحكومة بزيادة سقف الاقتراض بالعملات الاجنبية لمواجهة استحقاقات ستبقى “داهمة”، وكذلك الاجازة للحكومة بعقد نفقات لتسليح الجيش وتجهيزه ليكون قادرا على تحمّل المسؤوليات الملقاة عليه في مواجهة الاوضاع الامنية والعسكرية.
ما الذي جرى؟ ولماذا انهارت “الصفقة الكاملة” قبل دقائق من انعقاد الجلسة النيابية؟ وهل عادت السلسلة الى المربع الاول؟
هذه الاسئلة انهمرت على عرّابي “الصفقة” مباشرة بعد اعلان الرئيس نبيه بري قراره باعادة مشروعي قانوني سلسلة الرواتب والاجراءات الضريبية الى اللجان النيابية المشتركة. بدا الامر مفاجئا للكثير من النواب الذين حضروا الجلسة. يروي وزير معني لـ”الاخبار” ان الاتصالات استمرت الى ما بعد منتصف ليل الثلاثاء- الاربعاء في محاولة لانقاذ “الصفقة”، الا ان تباينات جوهرية بين اطراف فاعلة مختلفة جعلت الامور تتعقّد وتدفع باتجاه العمل على انقاذ الجلسة وتطيير مبرر عقدها المعلن، اي عدم تمرير السلسلة والضرائب. وتتقاطع رواية هذا الوزير مع مصادر اخرى نيابية ونقابية اوجزت لـ”الاخبار” ما جرى في اللحظات الاخيرة:
– تبلّغ الرئيس بري اعتراضا جدّيا من حزب الله والتيار الوطني الحر على زيادة الضريبة على القيمة المضافة من 10 الى 11%، وفهم بري ان تراجعه عن هذه الضريبة والتصويت ضدها سيطيح الصفقة كلها، اذ بات معلوما ان الرئيس فؤاد السنيورة (ومن يمثّلهم) وضعوا هذه الضريبة شرطا اساسيا للسير بالسلسلة.
– تحرّكت قيادة الجيش باتجاه الرئيس بري، وابلغته اعتراضاتها على سلاسل العسكريين وفقا للصيغة المطروحة.
تبلّغ بري اعتراضا
من حزب الله وعون على
زيادة الـ TVA
هيئة التنسيق
النقابية: سيدفع النواب
ثمن قراراتهم
ووصف نائب متابع للاتصالات الاخيرة تحرّك الجيش بانه كان بمثابة “انقلاب” اطاح الصفقة كلّها. فقائد الجيش جان قهوجي طلب مباشرة، وبواسطة الوزير سمير مقبل، فصل سلاسل العسكريين عن مشروع سلسلة الرواتب المطروحة، وبالتالي اقرار المشروع وترك سلاسل العسكريين منفصلة لاجراء التعديلات عليها واقرارها لاحقا. هذا “العرض” رفضه الفريق الذي يمثله السنيورة جملة وتفصيلا، كما رفض عرضا تقدّم به تكتل التغيير والاصلاح يقضي باضافة 26 مليار ليرة على سلاسل العسكريين كشرط للتصويت مع المشروع. وقالت مصادر متقاطعة ان تحرّك قيادة الجيش جاء متأخرا، ولكنه كان حاسما.
– أُحرج بري كثيرا من تحرّك نقابة المعلمين في المدارس الخاصة وتهديدها بالاضراب المفتوح ردّا على ما تضمنته “الصفقة” لجهة حرمان معلمي القطاع الخاص الدرجات الست التي حصل عليها معلمو القطاع العام، وذلك تلبية لضغوط المدارس الخاصة، ولا سيما المدارس الكاثوليكية. وبحسب نائب مقرّب من الرئيس بري، فان النائبين جورج عدوان والان عون ابلغا بري (سابقا) ان هذا الفصل في التشريع لن يُحدث اي مشكلة، وانه فصل “ضروري” للمحافظة على المدارس ومنع انهيارها نتيجة الكلفة المرتفعة، او اضطرارها لزيادة الاقساط المدرسية بنسب عالية ستُغضب الاسر بلا شك… الا ان بري فهم لاحقا ان ما ابلغ به غير دقيق، وان هناك اعتراضات جدّية على الفصل بين المعلمين قد تطيح بداية العام الدراسي في مدارس “الميسورين” كما في مدارس “الطبقة الوسطى”، وجرى اطلاعه على جداول تبين ان حرمان معلمي المدارس الخاصة الدرجات الست ينعكس فارقا في الراتب يصل الى 670 الف ليرة شهريا، وهذا سبب كاف لينتفض المتضررون دفاعا عن حقوقهم بعدما كانوا يتكلون على معلمي المدارس الرسمية للحصول على هذه الحقوق المتلازمة.
– تلقى بري اتصالات كثيرة تخبره عن امتعاض اساتذة التعليم الثانوي الرسمي من الغاء امتيازاتهم الوظيفية مقارنة بمعلمي الابتدائي وموظفي الادارة العامة وتكريس الفارق الكبير بين رواتبهم ورواتب اساتذة الجامعة اللبنانية. وتبلغ ان هذه الفئة مجربة وهي نجحت سابقا بتنفيذ تحرّكات خاصة بها وحققت مطالب كثيرة، وبالتالي لا شيء يمنعها من العودة الى التحرّك الضاغط وتعطيل الثانويات الرسمية بمعزل عن هيئة التنسيق النقابية. وحاول بري ان يجد “تسوية” جانبية، تقوم على التمييز بين المعلم الابتدائي والمعلم الثانوي في الدرجة التي يبدأ منها على السلسلة، الا ان السنيورة لم يوافق على رفع درجة المعلم الثانوي، بل اقترح خفض درجة المعلم الابتدائي، وهو ما يعني مشكلة حقيقية مع الفئتين.
في ضوء كل ذلك، قرر بري التراجع عن “الصفقة”، واعادة مشروع السلسلة الى اللجان النيابية، فالجلسة التشريعية عُقدت، وهذا كاف مبدئيا. ولم يعد ضروريا تسديد ثمن كبير واستعداء العسكريين والمعلمين وكتل نيابية “حليفة”. البعض رأى أن هذه “الإعادة” حرّرت السلسلة من “العدوان”، الا ان الوزير محمد فنيش قال لـ”الاخبار” أن «التسويات التي جرت لم ترضِ أيّا من الأطراف المعنية بالسلسلة، لذلك أخذت الأمورهذا المنحى»، متوقعاً أن «يأخذ المشروع وقتاً طويلاً في اللجان المشتركة رغم أنه لا يمكن أن يتحمل تأجيلاً إضافياً». ولذلك، لوّح وزير المال علي حسن خليل بخياراته لابقاء “الشعلة” متّقدة، اذ ابلغ “الاخبار” انه بصدد الإعداد لمشاريع قوانين مستقلة، سيرفعها الى مجلس الوزراء، ترمي الى اقرار البنود الضريبية التي اقرّت في حزيران الماضي، ولا سيما الضرائب على التحسين العقاري وربح الفوائد والمصارف. وقال انه لن يفرّط بهذه “المكاسب”. كلام خليل قابله موقف من الهيئات الاقتصادية، عدّ يوم أمس «يوماً مجيداً»، فهذه الهيئات تتصرّف على أنها انتصرت بعدم إقرار السلسلة، وخصوصاً أنها «انفجرت من داخلها عبر العسكر ومعلمي الخاص والثانوي»، وفق ما أعلنه رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس.
في المقابل، خلق تأجيل السلسلة حالا من الصدمة لدى هيئة التنسيق النقابية، التي رأت أن النواب “سيدفعون ثمن قراراتهم اليوم”، لافتةً إلى أنه لا تزال هناك محاولة أخيرة لتسوية الموضوع. ودعا رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض إلى “جمعيات عمومية في المناطق خلال الاسبوعين المقبلين” لاتخاذ القرارات بالتحرّك. وهذا المسار لا يعجب عضو تكتل «التغيير والإصلاح» آلان عون، فهو اصرّ على تحميل الهيئة مسؤولية الفشل، لأنها «فشلت في اقتناص فرصة سياسية ولم تتمكن من تقدير ظروف لحظة المقايضة بين التمديد والتشريع».