ذكرت صحيفة “السفير” أن الجميع تواطأ تقريبا على السلسلة، كل من موقعه وحساباته، بعدما شعروا في لحظة الحقيقة ان نفيها مجددا الى اللجان النيابية هو أقل كلفة، بالنسبة اليهم، من إقرارها بالصيغة المقترحة، خصوصا أن كل من يمكن أن يستفيد منها صار معترضا عليها.
وأتى الاعتراض الشديد للعسكريين على الغبن اللاحق بهم ليكون بمثابة غطاء الانسحاب النيابي من السلسلة، خصوصا أن لا أحد مستعد للظهور علنا في موقع من يظلم المؤسسات العسكرية والأمنية، في مرحلة تخوض فيها مواجهة شرسة ضد الارهاب.
وأشارت الصحيفة نفسها الى أنه يمكن القول إن مروحة المصالح المعروفة بتناقضها الحاد، من المصارف الى هيئة التنسيق والعسكر، ومن 8 الى 14آذار وبينهما الكتلة الوسطية، تقاطعت كلها في لحظة التقاء نادرة عند تأجيل استحقاق السلسلة.
وظن البعض ان رئيس مجلس النواب نبيه بري كان يناور عندما هدد بسحب السلسلة من جدول الأعمال، ناصحا بألا يجرّبوه. لكنه فعلها.
وكشفت “السفير” أن المؤشرات التشاؤمية كانت قد بدأت تتجمع في الافق منذ نهار أمس الاول، مع تلاحق الاعتراضات على الصيغة التوافقية التي جرى التوصل اليها بعد مفاوضات مضنية بين بري ورئيس كتلة “المستقبل” فؤاد السنيورة ونائب رئيس حزب “القوات اللبنانية” جورج عدوان.
ومع حلول الليل، اكتملت الصورة القاتمة في عين التينة. هيئة التنسيق النقابية والهيئات الاقتصادية والمؤسسة العسكرية ليست موافقة على التسوية التي حُفرت رقماً رقماً خلال ساعات طويلة من المشاورات.
أكثر من ذلك، شعر بري ان أصوات المزايدات بدأت تعلو من هنا وهناك، تارة باسم حماية حقوق الجيش وطورا باسم الدفاع عن الفئات الشعبية التي ستطالها الزيادة على القيمة المضافة.
على خط آخر، كانت المصارف والهيئات الاقتصادية تذهب بعيدا في التهويل والضغط، بالتزامن مع ازدياد الطلب على الدولار في الايام القليلة الماضية التي رجحت خلالها كفة إقرار السلسلة، ليرتفع سعره من 1507 الى 1515 ليرة لبنانية. فجأة، وبعد شيوع نبأ تأجيل السلسلة انخفض سعر الدولار الى 1509!
صحيح انه لو عرُضت السلسلة على التصويت لكانت قد نالت على الارجح اكثرية نيابية، لكن بري الذي أحس بان نصابها الاجتماعي غير مكتمل، قرر ان يلعب ورقته المستترة، ويسحب أرنب التأجيل غير المتوقع.
تلاحقت الاتصالات في ساعة متأخرة من ليل أمس الاول بين بري والسنيورة وعدوان وعضو تكتل “التغيير والاصلاح” النائب ابراهيم كنعان، سعيا الى معالجة مطلب قيادة الجيش بإنصاف العسكريين في السلسلة، فيما كان وزير المال علي حسن خليل يعقد لقاء مع العماد جان قهوجي.
وفي حين طرح كنعان تعديلا بكلفة 26 مليار ليرة للضباط وبين 10 و20 مليارا للعسكريين، الأمر الذي رفضه عدوان باسم الرئيس السنيورة، تمنى وزير المال على وزير الدفاع سمير مقبل، ليل أمس الأول، أن يجتمع بالنائب عدوان بحضور قائد الجيش والفريق العسكري المعني بأرقام السلسلة، وهذا ما حصل، لكن النتيجة كانت في آخر الليل، تمسك العسكريين بأن تكون لهم سلسلتهم المستقلة، على قاعدة الفصل بينهم وبين باقي سلسلة المعلمين وموظفي القطاع العام، علما أن السلسلة المستقلة تشكل نحو 65% من مجمل السلسلة!
وبالتزامن مع اجتماع عدوان بالجيش في اليرزة، كان وزير المال يخوض نقاشا مع كل من نواب “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، أفضى الى تفاهم على قبول تحفظهما أثناء التصويت على زيادة قيمة الضريبة المضافة، وترك الباب مفتوحا أمام بعض التعديلات التي يمكن أن تشمل سلسلة المعلمين والعسكريين.
وعُقد صباح أمس لقاء في مكتب رئيس المجلس ضمه الى السنيورة، ووزير الدفاع سمير مقبل، ووزير المال وعدوان وكنعان، اكتمل خلاله حفر “نفق” الخروج من السلسلة، اذ إن مقبل دخل الاجتماع وهو يحمل ورقة مكتوبة وصار يتحدث بأعلى صوته داعيا الى انصاف العسكريين وأن تكون لهم سلسلتهم المستقلة، غير أن بري أدرك أن هذا المسار سيقود الى حفلة مزايدة وعندها قال للحاضرين: “تريدون تدفيعي الثمن… أنا أملك خيارات بديلة، رافضا مبدأ فصل سلسلة العسكر، معتبرا أن كل ما يجري هو عبارة عن ترقيع بترقيع”.
في سياق متصل، أعلنت مصادر سياسية مطلعة لصحيفة “النهار” ان بري والسنيورة وعدوان الذين وضعوا ثقلهم مدى شهر ونصف شهر للتوصل إلى صيغة للسلسلة تتيح إقرارها في مجلس النواب وتتحملها الخزينة في آن واحد، كانوا يتوقعون أن تقابل بترحيب واسع، لأن المشروع يقدم زيادات على نفقات الخزينة تكاد تلامس الخط الأحمر، وأيضاً لأن إقرارها كان سيأتي في ظروف صعبة على البلاد يعيشها الجميع، لكنهم فوجئوا كما فوجئ الأطراف الآخرون الذين سعوا إلى إقرارها بموجة مطلبية واعتراضات على قاعدة “خذ وطالب”، فضلاً عن مزايدات في بعض المواضيع، الأمر الذي دفع “محرّكي السلسلة” إذا جاز التعبير، خلال مشاورات عاجلة في ما بينهم إلى تفضيل تجميدها على تحميل الخزينة والاقتصاد ما لا طاقة لهما على حمله.
وأكدت المصادر أن صيغة السلسلة ستبقى كما هي، ولن يتغير فيها شيء سواء طرحت بعد شهر أو بعد شهور، خصوصاً إذا بقيت الأحوال العامة في البلاد على ما هي. وأوضحت أن جلسة ما بعد عيد الأضحى ستكون مخصصة لإدخال التعديلات على قانون الانتخابات لا غير. ونفت بشدة أن تكون ثمة نية لدى أي طرف لتشريع يقع خارج إطار الضرورة.