بروفسور غريتا صعب
بينما يكون القارىء قد انتهى من قراءة هذا المقال تكون قد انتهت حقبة من الزمن تمّ خلالها ضخّ ٤ تريليون دولار وبدأت حقبة اخرى لابد معها من ارتفاع أسعار الفوائد. اما الفدرالي الأميركي فيقول ان أسعار الفوائد سوف تبقى منخفضة ولفترة طويلة وهذا غير مضمون اقتصادياً سيما اذا ما انتهت عملية التيسير الكمي.
ان الطريقة الوحيدة لضمان انخفاض أسعار الفوائد تكمن ان يصمد الاحتياطي الفدرالي، وإلا سوف تعود أسعار الفوائد الى مستويات السوق الحقيقية- واقتصادياً قد تكون العملية ناجحة بالفعل اذا ما تمكن الفدرالي من إنهاء عملية التيسير الكمي والإبقاء في الوقت نفسه على أسعار فوائد متدنية، من دون احداث اي ارتفاع قوي في سعر الدولار وفي الأسهم الدولارية (dollar denomination ).
ظهر عدم اليقين هذا جلياً في كلمات يلين حين قالت ان من المهم ان نفهم ان الاسواق الآن هي في حالة عدم يقين، والبيان الذي ورد ليس وعداً عن اي وقت محدد».
وقد ربطت كل الأمور بمسارات الأداء الاقتصادي والتوقعات التي، وان برهنت انها قد تأتي أفضل من المتوقع، لا بد من ان ترتفع أسعار الفوائد بشكل أسرع. وحسب كروسزنر أستاذ الاقتصاد في جامعة شيكاغو، فانهم غير متأكدين من كيفية تطور العملية الاقتصادية لذلك يبقى كل شيء رهن البيانات.
لهذا قد تكون يلين تود الاحتفاظ بنوع من المرونة والاستجابة للبيانات الاقتصادية بعد ان ظهر انكماش يعادل ٢،١٪ في الربع الاول تبعه ٤،٢٪ انتعاش في الثلاثة الأشهر اللاحقة.
وليس من المستبعد انهم يخشون وبشكل مفرط رد فعل سلبيا في سوق السندات، لذلك يستخدمون نوعاً من التوجه الدقيق أكثر ما يبرهن عدم يقينهم لواقع حال السوق وكيفية ردة الفعل وعملية الهبوط الهادىء الذين يحاولون إيجادها.
التحدي الكبير الذي سيواجه يلين قد يكون العام ٢٠١٥ حين يبدأ الاحتياطي الفدرالي برفع أسعار الفوائد من قرب الصفر. وتشير التوقعات للسنة المقبلة الى أن أسعار الفوائد قد تصل الى ١،١٥٪ .
سوف يبدأ هذا التطور في حزيران من العام المقبل، ويبقى رهينة تطور النمو في الاقتصاد الاميركي وتراجع مستوى البطالة في سوق العمل والذي من المحتمل ان يصل الى ٥،٥٪ في منتصف ٢٠١٥، علماً انه لا يزال هناك الكثير من المخاطر على الجانب السلبي لاسيما وان الأسبوع الماضي خفضت توقعات النمو الاقتصادي في العام ٢٠١٥ الى ٢،٨٪ من نسبة مقدّرة بـ٣،٢٥٪ . وفي ضوء التباطؤ في أوروبا واليابان ومعظم الاسواق الناشئة قد لا تكون صدمة اذا جاءت النتائج في شأن توقعات الاقتصاد الأميركي اقل نسبة من السابق.
علاوة على ذلك، لا يزال هناك حقيقة اختلاف الرأي حول متانة سوق العمل الأميركي لاسيما وان الاحتياطي الفدرالي قد ربط أسعار الفائدة بنسبة بطالة هي ٦،٥٪ وقول يلين انه ما زال هناك نوع من عدم استفادة صحيحة «underutilization» في سوق العمل الاميركي، وإذا كان هذا صحيحاً وجب القول ان انخفاض معدل البطالة سيكون ملموساً في الأشهر المقبلة دون اي تضخم في الأجور لذلك تحاول يلين، ومعها الاحتياطي الفدرالي، إيجاد ارضية مشتركة بين اليقين والمرونة مع العلم ان موقفها من ارتفاع معدلات الفوائد لا يزال غامضاً بعض الشيء ولا توجد آلية لترجمة «فترة مناسبة من الزمن « تاركة كل الأمور مربوطة بالمؤشرات والبيانات الاقتصادية اللاحقة مع استراتيجية للخروج، والخروج بسلام.
وقد اختلفت آراء الاقتصاديين حول هذه الوضعية وتفاوتت نسب تفاؤلهم علماً ان الوضع العالمي لا يوحي ابداً بأي ارتفاع في أسعار الفوائد، وهذا يعني أن المستثمرين سيرون في الدولار ملاذاً ومردوداً اكبر، كما يعني طلباً متزايدا على العملة الخضراء، وبالتالي ارتفاع جديد في سعر صرفها.
تتزايد التوقعات الاقتصاديه حول كيفية نهاية هذه الحقبه من التيسير الكمي وانعكاساتها على السياسة النقدية، كذلك العواقب من سياسة نقدية غير تقليدية على اجزاء من الاقتصاد وبعض قطاعات السوق مثل الصناديق المالية الاميركية. وحذّر الخبير الاقتصادي John Taylor العام الماضي من أن اسعار فوائد قليلة شجعت العديد من الشركات غير الاميركية على الاستدانة في السوق الاميركية بالدولار.
وهذا بدوره يضع ضغوطا على البنوك المركزية العالمية التي وبدورها يمكن ان تؤدي الى عدم استقرار الاقتصاد. يبقى أن من المتعذّر تحديد الاثر الاقتصادي، وقد تكون افضل طريقة لتفسير ذلك هو مدى تأثيرها على سرعة الانتعاش، اذ من المحتمل ان يؤدي ذلك الى تأخير لسنة او لسنتين، لكي يعود الاقتصاد الى مستويات الانتاج الفعلي.
وبالنسبة للفدرالي هذا التفسير مقبول جدا وهذه المفاضله قد تكون أهون الشرور: انتعاش ابطأ لكن مع مخاطر اقل تُجنّب الاقتصاد انكماشا على غرار ما حصل في اليابان. لذلك قد يكون هذا التيسير أدّى من حيث تحفيز النمو وخفض معدلات البطالة الى مستويات معقولة ودعم النظم المصرفية من خلال ضخ اموال في الاقتصاد وزيادة الانفاق.
وبالنظر الى التأثير التوزيعي للتيسير الكمي على مخاطر قد نواجهها في المستقبل يمكن القول ان الحكومات قد تواجه ما يصل الى حوالي ٢٠ بالمئه زيادة في تكاليف الديون إذا ما رفعت اسعار الفوائد الى مستويات ما قبل الأزمة المالية العالمية.
بالنسبة الى الولايات المتحدة مثلا هذا الارتفاع في الفوائد يشكل زيادة رقمية مقدارها حوالي ٧٥ مليار دولار فوائد مستحقة الدفع لذلك، الافراد المدّخرون يمكنهم الاستفادة من هذا الوضع، ولكن قطاع الاسكان قد لا يستفيد بتاتا كونه انتعش نتيجه هذا التدني في اسعار الفوائد -اما في ما يتعلق بالانفاق المنزلي فمن الواضح القول ان هذه العمليات المتتالية من التيسير الكمي لم تعزز استهلاك الاسر المعيشية.
في الواقع، في الولايات المتحده بالذات تجاوز معدل الادخار الشخصي الـ٥ بالمئة، وهو مستوى اعلى بكثير ممّا كان عليه قبل حدوث الأزمة وقد تكون اوضح آثارها على الانفاق الحكومي وذلك من خلال انخفاض أسعار الفوائد.
وقد يكون نصيب الولايات المتحدة من هذه العملية حصة الأسد اذ انها استطاعت ادخار ٩٠٠ مليار دولار او ما يعادل تقريباً سنة واحدة من العجز الاتحادي السنوي استطاعت من خلاله الولايات المتحدة زيادة إنفاقها في القطاع العام وتقليل الاقتراض. هذا الامر يعني ان الأزمة قد تكون جاءت أصعب دون هذه العمليات المتتالية من التيسير الكمي وأسعار الفوائد المتدنية لذلك لا بد من السؤال «ماذا بعد التيسير الكمي؟»
قد تكون آراء الاقتصاديين والمستثمرين وصناع القرار صعبة. لذلك نرى يلين ومعها الاحتياطي الفدرالي في حال ترقب ليس فقط للمؤشرات الاقتصادية إنما لتحركات السوق وتأثرها بوقف هذه العملية مما يعني اننا لا نزال في حال انتظار، ورهن أمور عديدة أقلها ثقة المستثمر والمستهلك وتجاوب مختلف القطاعات الصناعية والمالية مع عملية إنهاء سياسة نقدية غير تقليدية، اقل ما يمكن القول فيها انها كانت أحسن الخيارات في ظل مأساة اقتصادية ومالية كان لابد منها. هذا مع العلم ان ما ضخّه الفدرالي في السوق من اموال لم يساعد، وبشكل فعلي، عملية إقراض المصارف.