Site icon IMLebanon

عدم المساواة والتفاوت: آثار مدمرة على الاقتصاد العالمي

FinancialTimes

مارتن وولف

متى ينبغي على عدم المساواة المتنامية إثارة قلقنا؟ هذا سؤال أخلاقي وسياسي، كما أنه سؤال اقتصادي أيضاً. من المعروف على نحو متزايد أن عدم المساواة، بعد نقطة معينة، سيكون مصدراً لاختلالات اقتصادية كبيرة.
الولايات المتحدة – التي تعتبر أهم اقتصاد من بين البلدان ذات الدخل العالي، وفي الوقت نفسه الأكثر تفاوتاً إلى حد كبير – توفر أداة اختبار الأثر الاقتصادي لعدم المساواة. والنتائج مثيرة للقلق.
لقد انتشر هذا الإدراك الآن إلى المؤسسات التي لا يتم عادةّ اتهامها بالاشتراكية. تقرير كتبه كبير الاقتصاديين المختصين بالولايات المتحدة في وكالة ستاندرد آند بورز، وآخر من بنك مورجان ستانلي، يتفقان على أن عدم المساواة لا ترتفع فحسب، بل لها آثار مدمرة على الاقتصاد الأمريكي.
وفقاً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، حصلت نسبة الـ 3 في المائة الأعلى من توزيع الدخل على 30.5 في المائة من إجمالي الدخل في عام 2013، بينما حصلت نسبة الـ 7 في المائة التالية على 16.8 في المائة فقط.
هذا بالكاد ترك ما يزيد قليلاً على نصف إجمالي الدخول لنسبة الـ 90 في المائة المتبقية. نسبة الـ 3 في المائة الأعلى كانت أيضاً المجموعة الوحيدة التي تمتعت بحصة مرتفعة من الدخل، منذ بداية التسعينيات.
منذ عام 2010، انخفضت نقطة المنتصف بالنسبة لدخول الأسر، في حين أن المتوسط ارتفع، وعدم المساواة يستمر في الارتفاع. دراسة بنك مورجان ستانلي تسرد بعض الأسباب لارتفاع عدم المساواة: ارتفاع نسبة الوظائف ذات الأجر الضعيف والمهارات المنخفضة غير الآمنة؛ ارتفاع علاوة الأجور للأشخاص المتعلمين؛ والحقيقة أن سياسات الضرائب والإنفاق أصبحت أقل ميلاً للإنصاف، من حيث إعادة توزيعها مما كانت عليه قبل بضعة عقود.
بالتالي، في عام 2012، كما تقول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كانت الولايات المتحدة هي الأعلى ترتيباً بين البلدان ذات الدخل المرتفع في حصة الوظائف ذات الأجر المنخفض نسبياً. علاوة على ذلك، حصل الخُمس الأدنى من توزيع الدخل على 36 في المائة فقط من المدفوعات التحويلية الفيدرالية في عام 2010، بانخفاض عن 54 في المائة في عام 1979.
من المتوقع أن ترتفع ضريبة الرواتب التنازلية، التي تُكلّف الفقراء أكثر من الأغنياء بشكل نسبي، بنسبة 32 في المائة من العائد الفيدرالي في السنة المالية لعام 2015، مقابل 46 في المائة من ضريبة الدخل الفيدرالية، التي يقع عبئها أكثر على أصحاب الدخول المرتفعة.
المهم أيضاً هو الزيادة الكبيرة في الأجور النسبية للمسؤولين التنفيذيين، جنباً إلى جنب مع التحوّل في الدخل من العمل إلى رأس المال. كما كانت سياسات مجلس الاحتياطي الفيدرالي أيضاً مفيدة للأفضل حالاً نسبياً؛ ويحاول زيادة أسعار الأصول التي يملكها الأغنياء بأغلبية ساحقة. هذه التقارير تُبرز اثنين من الآثار الاقتصادية المترتبة على ارتفاع عدم المساواة: طلب ضعيف وتقدّم متأخر في رفع المستويات التعليمية.
الحجة فيما يتعلق بالطلب هي أنه، حتى وقت الأزمة، كان كثير من الناس الذين لم يتمتعوا بارتفاع الأجور الحقيقية يقترضون بدلاً من ذلك. ارتفاع أسعار المنازل جعل هذا ممكناً. في أواخر عام 2007، وصلت ذروة الديون إلى 135 في المائة من الدخل القابل للتصرف،
ثم جاء الانهيار. وبعد أن عَلِقوا مع ديون ضخمة، وأصبحوا غير قادرين على اقتراض المزيد، اضطر الناس من ذوي الدخل المنخفض إلى الإنفاق بشكل أقل. ثم إن انسحاب حقوق الملكية في المساكن، المموّل عن طريق الاقتراض، تعرض للانهيار. والنتيجة كانت انتعاشاً ضعيفاً جداً للاستهلاك.
لا يوجد معنى في الإقراض بتهور لأولئك الذين لا يستطيعون تحمّل القروض، لكن هذا يشير إلى أن الاقتصاد لن يزدهر مرة أخرى دون إعادة توزيع الدخل نحو المنفقين أو ظهور مصدر آخر للطلب.
للأسف، ليس واضحاً على الإطلاق ماذا قد يكون ذلك المصدر. الإنفاق الحكومي مُقيّد، والاستثمارات التجارية مُقيّدة بسبب ضعف النمو المتوقع للطلب. كذلك من غير المرجح أيضاً أن يأتي ذلك من صافي الصادرات: الجميع أيضاً يريد النمو الذي تقوده الصادرات.
كذلك فقد تدهور التعليم الأمريكي أيضاً. إنها البلاد ذات الدخل المرتفع الوحيدة التي لم يحصل فيها الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 25 و34 عاماً، على تعليم أفضل من أولئك الذين تراوح أعمارهم بين 55 و64 عاماً.
ويرجع هذا جزئياً لأن البلدان الأخرى قد لحقت بالولايات المتحدة، التي كانت رائدة في التعليم الجامعي الشامل. هذا أيضاً لأن الأطفال من خلفيات فقيرة غير قادرين على إكمال دراستهم الجامعية.
ويشير تقرير وكالة ستاندرد آند بورز إلى أنه بالنسبة للأسر الأكثر فقراً، فقد زادت معدلات التخرّج من الجامعة بنحو 4 نقاط مئوية فقط بين الجيل المولود في بداية الستينيات وذلك المولود في بداية الثمانينيات. وفي حين أن معدل التخرج للأسر الغنية زاد بنحو 20 نقطة مئوية خلال نفس الفترة.
من دون شهادة جامعية، تكون فرص الارتقاء الآن محدودة تماماً. نتيجة لذلك، من المرجح أن يبقى الأطفال من العائلات المزدهرة أفضل حالاً، والأطفال من العائلات الفقيرة من المرجح أن يبقوا فقراء.
هذا ليس بمشكلة لأولئك الذين لم يمارسوا مواهبهم قط. إن الفشل في رفع المعايير التعليمية من المرجح أيضاً أن يضعف نجاح الاقتصاد طويل الأجل. بعض من عوائد التعليم قد تكون مجرد مكافأة الحصول على فائدة موضعية: المتعلمون يكون حالهم أفضل لأنهم فازوا بسباق حصيلته صفر، لكن السكان الأفضل تعليماً سيعملون أيضاً على رفع الجميع إلى مستوى أعلى من الرخاء.
التكاليف التي يتكبدها المجتمع من ارتفاع عدم المساواة تذهب أبعد من ذلك. في رأيي، التكاليف الأكبر هي تآكل المثالية الجمهورية للمواطنة المشتركة.
في الوقت الذي تسعى فيه المحكمة العليا في الولايات المتحدة إلى إخضاع الدستور لإرادة الطبقة الثرية المُتنفّذة، فإن الخطر يكون على المقدمات المنطقية المتساوية سياسياً، التي تتأسس عليها حجة الجمهورية. الاختلافات الهائلة في الثروة والسلطة قد عملت على تجويف الجمهوريات قبل الآن، وقد تفعل تماماً نفس الشيء في عصرنا.
حتى بالنسبة لأولئك الذي لا يشاركون مثل هذه المخاوف، فإن التكاليف الاقتصادية ينبغي أن تكون مهمة بالنسبة إليهم. “الركود طويل الأمد” في الطلب، الذي أشار إليه لورنس سمَرْز، وزير الخزانة الأمريكية السابق، يرتبط بالتحولات في توزيع الدخل.
بالمثل، فإن انتقال العيوب التعليمية عبر الأجيال، يعتبر أيضاً عقبة متنامية أمام الاقتصاد. من المرجح أن يحقق الاقتصاد المدمن على الديون، مع مستويات راكدة في التعليم، نتائج سيئة في المستقبل.