باسكال صوما
لم يسلم القطاع المصرفي من توجيه أصابع الانتقاد واللوم إليه أمس، خلال لقاءٍ جمع «جمعية المصارف» مع قطاعي الإعلام والإعلان.
كان اللقاء فرصةً ليمرّر المصرفيون ملاحظاتهم على تعاطي وسائل الإعلام معهم. ويمكن القول إنّ هذه الجلسات المتتالية في «فندق فينيسيا» كانت فسحة لتفصح القلوب عمّا يدور في مكنونها، فالصحف عاتبة على القطاع المصرفي، لأنّه يكثّف إعلاناته في التلفزيون، مقابل تخصيص ميزانية أقلّ بكثير للإعلام المكتوب. أما المصارف فتريد من ينقل وجهة نظرها ويمجّد إنجازاتها، بعيداً عن النقد، ومن دون وضع العصا في الدواليب.
حاجة أساسيّة
يشدد رئيس «جمعية المصارف» فرانسوا باسيل عبر «السفير» على أهمية «هذا اللقاء لتقريب وجهات النظر، وإظهار الصورة الحقيقية والواقعية للقطاع المصرفي»، مشيراً إلى أنّ «الحوار مع وسائل الإعلام حاجة أساسيّة، لإبقاء أسس التواصل قائمة بيننا وبينهم، لا سيما أننا شركاء في أمورٍ كثيرة، ولا بدّ من السعي لتحسين علاقتنا».
ويوضح أنّ «المصارف جاهزة دائماً للانتقادات التي يوجهها أهل الإعلام لها، فبذلك تتطوّر وتسعى دائماً إلى الأفضل»، آملاً أن «يبقى هذا التواصل مستمرّاً من أجل التشاور والتباحث في ســبل وآليات التنسيق من أجل المزيد من الفعاليّة في صونِ وتعزيز سمعة قطاعِـنا المصرفي خدمةً لاقتصادنا ككلّ».
أما نائب رئيس الجمعية سعد الأزهري فيوجّه حديثه إلى وسائل الإعلام الممثلة برؤسائها، إضافةً إلى الإعلاميين الاقتصاديين الحاضرين، ويقول: «لا شكّ في أنّكم توافقون على ان الشأن الاقتصادي عموماً، لا سيما إنجازات القطاع المصرفي، لا تنال، وبرغم جهودكم المشكورة، حقّها والحيّز الإعلامي التي هي جديرة به، مع العلم أن هذه الإنجازات نالت التقدير والإعجاب من مختلف الهيئات العالمية والإقليمية». ثمّ يستدرك: «إنما هذا حتماً مبرر وعائد إلى خضم الأولويات السياسية والأمنية والمعيشية التي تطغى على كل ما عداها من الأخبار، كما تستحوذ على القدر الأكبر من الاهتمام».
يبرز الأزهري أهمية القطاع المصرفي، لافتاً الانتباه إلى أنه «يساهم ما بين 6 إلى 7 في المئة من حجم الاقتصاد، ويدفع فوق 30 في المئة من الضرائب، وهو من القطاعات التي لا تتهرّب من دفع الضريبة».
وإذ يشير إلى أن «المصارف تموّل الدولة، وتدعمها حتّى تقف على قدميها وتدفع الرواتب لموظّفيها وتسدّ حاجاتها»، يسأل: «هل من المنصف تصوير القطاع المصرفي وكأنه في مواجهة المواطن، وهو في الحقيقة يعمل من أجل خيره وخير الوطن؟».
تضليل وتشويه
يفتتح باسيل الحوار بابتسامته المعهودة، ثمّ يقول «من البديهيّ أن إحدى مهام الإعلام الوطنيّة تسليط الضوء بشفافيّةٍ وموضوعيّة على أمّهات القضايا الاجتماعية والاقتصادية، إلى جانبِ القضايا السياسيّة، وذلك مساهمةً منه في توعيةِ الرأي العام، لا بل في صُنع الرأي العام إذا جازَ التعبير». ويضيف: «أما أن تستغل بعض القوى أو الشخصيّاتِ السياسيّة وبعض الأقلام ذات الارتباطات السياسيّة، المنابر الإعلاميّة المتاحة وحريّة الرأي والتعبير المصونة دستورياً، لشنّ حملاتٍ مغرضة على قطاعٍ حيويّ كالقطاع المصرفي، فتلك ممارساتٌ، أقلّ ما يقال فيها، إنها تضليل للرأي العام وتشويهٌ لسمعة مؤسّساتنا الناجحة في الداخل والخارج، برغم كلّ المصاعب والتحدّيات التي تواجهها هذه المؤسَّسات، ومعظمها لأسبابٍ غير مهنيّة، جرّاء تردّي الأداء السياسي وتدهور الأوضاع الأمنيّة وتباطؤ النمو الاقتصادي في البلاد». يحذّر باسيل من أنه «من شأن هذه الممارسات الخطيرة أن تُضعف، بقصدٍ أم بغير قصد، ثقة المستثمر والمودع والمقترض، من مقيمين ومغتربين وعرب وأجانب، بالقطاع المصرفي اللبناني، علماً أن هذه الثقة هي رأسمالنا الأكبر، وهي الدعامة الأولى والأساسيّة لصمود مصارفنا وتطوّرها، ولاستمرارها في خدمة الاقتصاد الوطني بشقّـيه العام والخاص». ويلفت الانتباه إلى أن «إضعاف الثقة بمصارفـنا، سوف ينعكس سلباً على أدائها وربحيّتها واستثماراتها الإعلاميّة والإعلانية».
ميزانية المصارف
كذلك يعرض أمين عام الجمعية مكرم صادر أرقاماً حول ميزانية المصارف، حتى آخر تموز 2014، حيث يفيد بأن «إجمالي الموجودات في الداخل يبلغ 170 مليار دولار، ومع احتساب الموجودات الخارجية، تبلغ الموجودات حوالي 200 مليار دولار».
ينوّه صادر «بأداء القطاع المصرفي اللبناني الذي يمكن مقارنته مع بلدان نفطية وبلدان يتجاوز عدد سكانها العشرة ملايين نسمة». ويلفت الانتباه إلى ثلاثة معايير يمكن على أساسها تقييم الوضع المصرفي وهي الملاءة والسيولة والربحية. ويشير في هذا السياق، إلى أن «الملاءة في مصارفنا تصل إلى 14.5 في المئة وفق المعايير العلمية، علماً أنّ مؤشّر بازل يبلغ 8 في المئة». ويبرز أهمية سياسات مصرف لبنان التي جنّبت لبنان ويلات الأزمة العالمية في العامين 2008 و2009، بحيث حافظ المصرف المركزي على سيولة مرتفعة، تقدّر اليوم بـ55 في المئة، علماً أنّ السيولة بالعملات الأجنبية تبلغ 16 مليار دولار».
مداخلات
تخلل اللقاء مداخلات للعديد من الزملاء الصحافيين والإعلاميين، إذ تناول رئيس تحرير «السفير» طلال سلمان طبيعة العلاقة التي تربط الإعلام بالقطاع المصرفي، سائلاً: «أي علاقة تُبنى بين المصارف التي تربح كلّ يوم ووسائل الإعلام التي تخسر على مدى الصدور (أي كل يوم)؟».
ورأى سلمان أن «المبادرة للحوار جيدة وتضيء الصورة المعتمة والمشوشة، وتدل على إحساسٍ عميق بالأزمة بين المصارف والجمهور، فضلاً عن أزمة العلاقة بالدولة أو تحديداً الحكومة». إنما استدرك قائلاً: «نحن نغطّي نشاطات المصارف ونهتمّ بأخبارها، إنما حقّنا عندها أكثر بكثير من حقها علينا، فنحن مضطّرون للتعامل معها بوصفها ركيزة للاقتصاد الوطني، فيما الصحافة تعيش أزماتها من دون أن يستشعر أحدٌ ذلك»، متوقّعاً أن «ينتهي عصر الصحافة بعد خمس سنوات في الحدّ الأقصى، في حال استمرار غياب مقوّمات لدعم التوازن».
وأوضح سلمان أن «وسائل الإعلام متّهمة بأنها تجامل المصارف، فيما المصارف تشكو من أننا لا نعطيها في مؤسساتنا المساحة التي تستحقّها»، مضيفاً «نحن نعي أهمية المصارف في الاقتصاد الوطني ولا أظنكم تريدون وطناً بلا صحافة».
وكانت مداخلات للزملاء ابراهيم الأمين، صلاح سلام، بهيج بو غانم، ورمزي الحافظ.