“السلسلة طارت”، بهذه العبارة يمكن اختصار ما آلت إليه الامور بعد إعادة الملف الى اللجان النيابية المشتركة التي توصف بالاجمال بـ”مقبرة القوانين”. هذه السلسلة، التي كانت لتكون “خروف العيد” لهيئة التنسيق النقابية في حال إقرارها، أصبح مصيرها مجهولا وكأنه كتب لهذا الخروف عمر جديد.
كل المعطيات والجولات والاجتماعات التي تمت اخيرا، كانت تشير إلى أنّ إقرار السلسلة أصبح واقعاً وكان ليتم خلال جلسة مجلس النواب التي عقدت صباح الاربعاء المنصرم . ولكن ما الذي اطاحها في الساعات الاخيرة التي سبقت انعقاد الجلسة التشريعية؟ وهل ودّعتها بالفعل هيئة التنسيق الى غير رجعة؟
وفق ما علمت “النهار”، دخل العديد من المستجدات الطارئة على خط المفاوضات في الساعات الاخيرة قبل إنعقاد الجلسة، واهمها موقف نقابة معلمي القطاع الخاص مما تتضمنه هذه السلسلة من إجراءات مجحفة وغير عادلة في حقهم لجهة وحدة التشريع والمساواة بين القطاعين العام والخاص. فسلسلة الرتب والرواتب إستثنت معلمي القطاع الخاص من الدرجات الست التي يعتبرها المعلمون حقوقا مكتسبة لا مقايضة فيها ولا تنازل عنها.
كذلك زاد من تعقيد امكانات إقرار السلسلة تأكيد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على مبدأ المساواة بين القطاعين ورفضه القبول بإعطاء الدولة حقوقا للبعض وحرمان البعض الآخر منها. فبعد دخول بكركي على الخط، عُقِد اجتماع برئاسة البطريرك الراعي وحضور الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار والمطران سمير مظلوم ووفدين من الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية ونقابة المعلمين. لكنّ الاجتماع فشلَ في تلبية مطلب أساتذة التعليم الخاص، ما زاد من المعوقات أمام إقرار السلسلة. إضافة الى هذا الرفض، سُجل أيضا الخلاف الذي ظهر بين أركان هيئة التنسيق النقابية بعد رفض أساتذة التعليم الثانوي منح معلمي التعليم الابتدائي والمتوسط الدرجات الست نفسها التي أعطيت للأساتذة الثانويين، ما ساهم أيضا في تأجيل بت الملف واحالته على اللجان النيابية من جديد.
أما السبب الثاني الذي إستجد في الساعات الاخيرة قبل إنعقاد الجلسة التشريعية ودفع بالرئيس بري الى إحالة السلسلة على اللجان ، فكان إبلاغ قيادة الجيش وزير المال علي حسن خليل خلال زيارته لقائد الجيش جان قهوجي في ساعة متأخرة من ليل الثلثاء – الاربعاء ، رفضها المطلق لبنود السلسلة وخصوصا الاجحاف الذي طاول عناصر السلك العسكري. وفي سياق متصل، عقد أيضا ليل الثلثاء – الاربعاء إجتماع ضم النائب جورج عدوان ووزير الدفاع سمير مقبل وعدد من ضباط الجيش، تم فيه بحث البنود المتعلقة بالسلك العسكري وتحديدا عناصر الجيش. ولكن وفق ما علمت “النهار”، تركز الحديث خلال الاجتماع في تفاصيل تركيبة رواتب عناصر الجيش بحسب الرتب، واعرب عدوان عن تأييده لأهمية فصل العسكريين عن الاساتذة في السلسلة، الامر الذي اكده وزير الدفاع سمير مقبل مشيرا الى ضرورة إيجاد خصوصية واستقلالية للجيش في موضوع السلسلة عبر الفصل بين مشاريع القوانين المطروحة بين القطاع العسكري والقطاع العام.
إضافة الى موقف القيادة العسكرية الرافض للسلسلة، علمت “النهار” ان السلطات النقدية والمالية اللبنانية تسلمت في الايام القليلة االتي سبقت إنعقاد الجلسة النيابية تحذيرات شديدة اللهجة من مؤسسات مالية دولية على رأسها البنك وصندوق النقد الدوليّان حول التداعيات المحتملة لإقرار السلسلة على الإقتصاد اللبناني الذي يمر في مرحلة ضعف شديد مع نسب نمو لن تتخطى الـ 1٫5% هذه السنة، بالاضافة الى إنعكاسها على وضع العجز العام في الموازنة، وتصنيف لبنان الائتماني وعلى سلامة الليرة. وهنا لا بد من الاشارة الى ان سعر صرف الليرة مقابل الدولار سجل خلال الاسابيع الماضية ، أي قبل الحديث عن قرب إقرار السلسلة، مستويات 1502-1507 ليرات مقابل الدولار ، وهذا السعر إرتفع الى مستوى 1513- 1515 ليرة للدولار في الاسبوع الذي سبق إنعقاد جلسة مجلس النواب الاربعاء المنصرم ، ما يدل على مدى المخاوف المتعلقة بتداعيات إقرار هذه السلسلة على الوضع النقدي والمالي في البلاد من التحذيرات من السلسلة. وطبعاً، تضاف الى هذه التحذيرات، الصرخة التي أطلقتها الهئيات الاقتصادية محذرة من تداعيات السلسة على الاقتصاد الوطني.
ماذا بعد جلسة الاربعاء؟
القرار النهائي حسم على صعيد تركيبة السلسلة: “إما هذه السلسلة أو لا سلسلة إطلاقاً”. وهنا تكشف مصادر نيابية مطلعة لـ ” النهار” أن إقتراح حل بدأ يلوح في الافق في مسألة الدرجات الست لأساتذة القطاع الخاص يرتكز على امكان منحهم هذه الدرجات شرط تقسيطها على 4 سنوات بعد موافقة اساتذة القطاع العام، لكون هذا الحل سيشملهم أيضا، وبالتالي، عملية تقسيط الدرجات للقطاعين ستتم على 4 سنوات وليس سنتين، في خطوة قد تساعد المدارس الخاصة في تسديد هذه المستحقات.
أما عن وضع السلسلة اليوم، فيمكن الجزم أنها لن تقر قبل شهر على أقل تقدير ، هذا وفي حال اقرت وأيضا في حال إنعقدت سلسلة إجتماعات لإنهاء البنود الخلافية (بالنسبة الى اللجان النيابية لم يُحدد موعد انعقادها بعد)، علماً أن بعض الاوساط المالية والنيابية بدأت تربط موضع إقرار السلسلة بإقرار موازنة 2015. هذه الموازنة التي ستحال على مجلس النواب مطلع تشرين الثاني المقبل لدرسها وإقرارها والتي بالفعل يجب أن تكون منطلق أي تشريع مالي يدخل حيز التنفيذ خلال السنة المالية المقبلة عملاً بمبادئ تكوينها وأساسها.
أصبح مصير سلسلة الرتب والرواتب مجهولا اليوم، علما أن أقرب جلسة تشريعية ستكون في 21 تشرين الاول الجاري، وسيتم تخصيصها لانتخاب اعضاء اللجان النيابية اضافة الى بعض الامور المالية وعلى رأسها بند “سندات أوروبوند”، وستليها جلسة اخرى ستكون إما لتعديل قانون الانتخاب تمهيدا لاجراء الانتخابات النيابية في موعدها وإما لاقرار التمديد لمجلس النواب.