فاتن الحاج
لم تلتقط قواعد هيئة التنسيق النقابية أنفاسها من الصدمة بعد. فالإحساس بالغليان والغضب من إعادة ملف سلسلة الرتب والرواتب إلى المربع الأول لم يترجم استنفاراً وحماسة لاستعادة الحراك الميداني المتوقف منذ زلزال الإفادات. أسئلة كثيرة احتشدت في رؤوس المعلمين والموظفين: ماذا حصل بالضبط؟ هل سحب بند السلسلة من الجلسة التشريعية كان وليد الصدفة، أم أنّه عملية مدبّرة وتوزيع أدوار بين القوى السياسية؟ من اتفق مع من؟ لماذا فعلوا ذلك بنا؟ لماذا خدّرونا في الأيام الماضية؟ ماذا لو كان الهدف في الأساس هو وضع البند على جدول الأعمال من دون أن تكون هناك نية لإقرار السلسلة؟
الميل إلى الترقب وتهدئة النفوس على الأقل في الأسبوعين المقبلين، في انتظار الاطمئنان إلى انتظام العام الدراسي في المدارس الرسمية تحديداً، لا يحجب الشعور بأن السلطة السياسية سوف تؤجل الملف إلى فترة زمنية غير محددة، ما يتطلب، بحسب كثيرين، العودة بزخم أكبر إلى الشارع، وربما بمطالب اجتماعية تتجاوز السلسلة.
«ليس لدينا ترف اليأس، هذا هو مكاننا ولن نهرب»، تقول الأستاذة في التعليم الثانوي الرسمي سهام أنطون، مطالبة بتثمير تجربة السنوات الثلاث بنزول قيادات هيئة التنسيق إلى الناس وإشراكهم في القرارات. تبدو أنطون مقتنعة بأنّ رابطة أساتذة التعليم الثانوي بتركيبتها الحالية «ما بتحمل» التخلي عن المطالب الجزئية مقابل رفض الضرائب على الفقراء. تقر بأنّ هذا مطلب ثوري ويمكن أن يحصل ضمن حركة 14 أيار النقابية، فيما لو كانت هناك إمكانية لتأسيس مثل هذه الحركة. لا تخفي أن الانقسام بين مكونات هيئة التنسيق بلغ ذروته في الآونة الأخيرة نظراً إلى خصوصية كل قطاع، وهناك علامة استفهام بشأن استمرار حراك الهيئة إذا لم يطوّر نفسه إلى حراك شعبي.
لا يتردد الأستاذ في التعليم الثانوي الرسمي هشام حيدورة بالقول إن ربط مطالب التعليم الثانوي بمطالب القطاعات الأخرى فشل، إذ لكل قطاع توصيفه الوظيفي، و»يمكننا أن ننفصل عن العسكر والإداريين وأن ننسق تحركاً مشتركاً للتعليم الرسمي فقط». ويرى أن مشاركة الرابطة في هيئة التنسيق «أذابت حقوقنا، إذ لم تتم مقارنتنا بالأساتذة الجامعيين وأُسقطنا إلى فئة التعليم الأساسي، ولو أن الإدارة العامة أضربت 10 أيام فعلية متواصلة لما كنا وصلنا إلى هذه النتيجة، لذا نفضل عدم البقاء في هيئة التنسيق».
لا يجد مسؤول الدراسات في رابطة التعليم الأساسي الرسمي عدنان برجي أن استكانة القواعد ستستمر طويلاًً، إذ لن يكون بمقدور السلطة السياسية تطيير السلسلة التي تحولت من حق إلى حاجة. سيزداد، بحسب برجي، الإحساس بالمطلب الاجتماعي في ظل الاتجاه لتشريع الضرائب وعدم تشريع الزيادات للمعلمين والموظفين. برأيه، يستوجب ذلك بالضرورة أن تقف هيئة التنسيق وقفة نقدية حقيقية وتصارح قواعدها وأن لا يلتف أي مكوّن على مكوّن آخر، «فتحدد المطالب الممكنة غير التعجيزية للقطاعات». أما بالنسبة إلى التحرك، فيؤكد برجي أننا «لسنا مضطرين إلى حركات جماهيرية، إنما يمكن البحث عن وسائل ضغط للتعبير، في أوقات العطل وبعد الظهر، لا تؤذي الطلاب ولا تعطّل المدرسة الرسمية».
لم يستطع أحد أن يدق إسفيناً بين مكونات هيئة التنسيق ولن يستطيع، يقول الأستاذ في التعليم الأساسي الرسمي بهاء تدمري، «فما يجمع هذه المكونات أكثر مما يفرقها، وإذا كانت هناك اختلافات في وجهات النظر بالنسبة إلى الرواتب، فهناك عناوين كثيرة يمكن أن نعمل عليها ولا سيما التقديمات الصحية والاجتماعية. ويعتقد تدمري أن الإمكانية متاحة بالشكل والمضمون لإقرار السلسلة في الأسبوعين المقبلين.
في المقابل، أصاب قرار إحالة السلسلة الموظفين الإداريين بحالة من اليأس، بحسب نائب رئيس رابطتهم وليد الشعار، «فالسلسلة أُعدت لهم بالأصل بسبب رواتبهم الهزيلة والتي تقع في أسفل هرم الرواتب»، مشيراً إلى أنّ «الاعتراضات الواردة من بعض القطاعات على مشروع قانون السلسلة هي بنظرنا في غير مكانها، وقد نجم عنها تأجيل السلسلة في الوقت الذي لا يحتمل فيه الموضوع بالنسبة إلينا أي تأجيل، كون غلاء المعيشة والأقساط المدرسية تستنفد رواتبنا بالكامل، في الوقت الذي لا تساهم فيه الدولة إلا بنسبة لا تذكر من الأقساط المدرسية للموظفين، فيما تساهم بشكل كبير وفعال مع غيرهم من القطاعات الأكثر يسراً».
وفيما يتحمس بعض الموظفين للإضراب العام، يستبعد آخرون جدوى التصعيد وخصوصاً أن التجربة السابقة غير مشجعة، «ففي الإدارة العامة لا ينجح الإضراب المفتوح، والإضراب ليوم أو يومين لا يقدم ولا يؤخر»، تقول الموظفة في وزارة التربية سلام يونس، لافتة إلى أنّ «نموذج مياومي الكهرباء دليل إضافي على عدم جدوى التحرك، فهم لم يستطيعوا أن يحققوا شيئاً وهم يواجهون السلطة السياسية نفسها التي نواجهها».