وائل مهدي
في الوقت الذي تضاربت فيها وجهات نظر المحللين حول الأسباب التي دفعت أرامكو السعودية إلى تخفيض أسعار بيع نفطها في نوفمبر (تشرين الثاني) للشهر الرابع على التوالي، أعطى التخفيض انطباعا أن المملكة سوف تحاول الحفاظ على حصتها السوقية، وهو ما أدى إلى هبوط أسعار عقود النفط الآجلة أمس في نيويورك ولندن.
وهبط خام غرب تكساس في بورصة نايمكس في نيويورك تحت 90 دولارا للمرة الأولى منذ أبريل (نيسان) عام 2013، فيما هبط مزيج خام برنت في لندن إلى أقل من 92 دولارا، ًوهو أقل سعر منذ يونيو (حزيران) 2012.
وهبطت الأسعار في لندن ونيويورك بعد أن أعلنت أرامكو أنها خفضت سعر بيع جميع الأنواع الـ5 للنفط الخام الذي تبيعه إلى كل زبائنها في العالم بلا استثناء. وتبيع أرامكو إلى 4 مناطق، وهي آسيا وأميركا الشمالية والشرق الأوسط وأوروبا. وقدمت أرامكو تخفيضات أكبر إلى زبائنها في آسيا من تلك التي سيحصل عليها زبائن أميركا أو أوروبا لشحنات الشهر المقبل تصل على العربي الخفيف إلى دولار لآسيا وأقل من نصف دولار لأميركا.
وخفضت أرامكو خامها العربي الخفيف للمشترين الآسيويين في نوفمبر بمقدار دولار واحد مقارنة مع أكتوبر (تشرين الأول) ليكون أقل بواقع 1.05 دولار للبرميل عن متوسط خامي عمان ودبي. هذا التخفيض في العربي الخفيف هو الأقل بحسب الأرقام التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط». وقالت أرامكو إنها ستبيع خامها العربي المتوسط للزبائن في الولايات المتحدة بأقل من 20 سنتا عن مؤشر أرجوس للنفط الحامض. وهذه هي أول مرة تبيع فيها العربي المتوسط بأقل من سعر مؤشر أرجوس منذ أبريل هذا العام، بحسب ما أوضحته أمس شركة «جيه بي سي» لاستشارات الطاقة.
وتقول جهات مثل شركة إنيرجي اسبكتس لاستشارات الطاقة في لندن إن السعودية خفضت الأسعار حتى تغري زبائنها بشراء المزيد خوفا من تحولهم لشراء النفط من دول أخرى، وهو ما سيؤدي إلى هبوط حصتها السوقية. وفي الناحية المقابلة تقول جهات أخرى مثل مورغان ستانلي إن السعودية تحاول أن تجعل أسعار النفط جاذبة لزبائنها وليس فقط للحفاظ على الحصة السوقية.
ويقول المحللون في مورغان ستانلي في مذكرة للعملاء صدرت أمس إن تخفيض السعودية لأسعار نفطها هو نتيجة للطلب في آسيا وليس سببا لتشجيع الطلب عليه هناك.
وتعليقا على التخفيضات يقول لـ«الشرق الأوسط» أحد المصادر المحلية المطلعة على تسعير النفط السعودي: «هناك أمر لا يفهمه البعض، وهو أن السعودية عملاق في السوق، وعندما يتحرك العملاق يحتاج إلى أن يمشي بنفس الخطوات المتزنة في كل الاتجاهات وإلا اختل توازنه. ولهذا السبب يجب أن تراعي عملية التسعير والتخفيض كل الأسواق التي تشحن إليها أرامكو النفط حتى لا يكون هناك اختلاف كبير بين مناطق جغرافية وأخرى».
والأدلة على أن السعودية تسعى إلى الحفاظ على حصتها السوقية في آسيا وأميركا الشمالية كثيرة، ولكن تظل هناك الكثير من العوامل الأخرى خلف التخفيضات، وأولها ارتفاع قيمة الدولار، مما يعني أن تكاليف شراء النفط زادت على الزبائن، وكان لا بد من إعطاء تخفيض.
ومن بين العوامل الأخرى انخفاض الفرق بين سعر نفط دبي الذي تستخدمه السعودية لتسعير نفطها إلى آسيا وسعر خام برنت الذي تستخدمه دول أخرى لتسعير نفطها، مما يجعل النفط القادم من هذه الدول مغريا بالنسبة للعملاء في آسيا. وانخفضت كذلك أسعار النفط الخفيف عالميا وسط الزيادة الكبيرة في المعروض منه من دول مثل ليبيا ونيجيريا وأنغولا.
وأعطى المحللون في مورغان ستانلي سببا آخر وهو أن أسعار الشحن عالميا ارتفعت، وبالذات إلى آسيا، مما يستوجب أن تقوم السعودية بتخفيض حتى تساعد زبائنها على الشراء.
وأضاف محللو مورغان ستانلي أن التخفيض الذي أعطته أرامكو لزبائن آسيا أكبر من ذلك الذي أعطته لزبائن أميركا، وقد يكون السبب في ذلك هو رغبة السعودية في تغيير مسار النفط الخفيف إلى آسيا، حيث أسعاره أفضل من أميركا، حيث يوجد تخمة في سوق النفط الخفيف بسبب زيادة إنتاج النفط الصخري.
وبحسب بيانات اطلعت عليها «الشرق الأوسط» فإن هوامش ربح بعض المصافي الآسيوية من شراء النفط السعودي في أغسطس (آب) كانت منخفضة إلى سلبية، أي أن المصافي التي تستخدم خام العربي الخفيف تحقق خسائر، وهو ما يجعل إعطاء تخفيضات للزبائن منطقيا في الأشهر الحالية.
وترى أمريتا سن، وهي كبيرة محللي النفط في شركة إنيرجي اسبكتس في لندن، لـ«الشرق الأوسط»، مثل كثيرين في السوق هذه الأيام فإن السعودية ستواصل تقديم تخفيضات على نفطها طالما هناك منافسة من باقي المنتجين داخل أوبك، حيث أدت المنافسة الشديدة إلى عزوف الصينيين عن شراء النفط السعودي هذا العام. وتقول سن: «منذ شهور ونحن ونقول إن التخفيض في أسعار بيع النفط السعودي متوقع؛ لأن السعوديين مركزون بصورة كبيرة على الحفاظ على حصتهم السوقية».
ويخشى التجار والمتعاملون في السوق من أن تتسبب تحركات السعودية للحفاظ على حصتها السوقية في هبوط الأسعار أكثر؛ إذ إن المعروض النفطي العالمي قد يزيد على الحاجة خلال الأشهر المقبلة مع التباطؤ المتوقع على نمو الطلب في الربع الرابع. ويرى المحللون والمتعاملون والتجار أن على أوبك أن تخفض من إنتاجها حتى يتوازن العرض مع الطلب.
ولأن السعودية هي أكبر منتج في أوبك فإن أنظار الجميع موجهة إليها لتخفيض إنتاجها، ولكن التخفيضات الأخيرة على أسعار النفط السعودي أعطت انطباعا أن المملكة لن تضحي بحصتها النفطية من الآن لحين اجتماع منظمة أوبك في فيينا في أواخر شهر نوفمبر المقبل.
وتعقدت الأوضاع بدءا من شهر أغسطس بعد أن واصلت ليبيا زيادة إنتاجها إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من عام، فيما واصلت الولايات المتحدة زيادة الإنتاج من النفط الصخري، ولم يتأثر الإنتاج العراقي بسبب الصراع العسكري مع تنظيم داعش. وتواجه السعودية ضعفا في الطلب على نفطها في آسيا، وبخاصة في الصين واليابان، وهي أسواق مهمة لها تستهدفها دول أخرى مثل العراق وإيران والكويت.
وتقول سن: «يبدو أن السعودية لم تعد تريد أن تتحمل عبء تخفيض إنتاج أوبك وموازنة السوق بمفردها كما كان في السابق». وتضيف سن التي كانت تعمل سابقا محللة في مصرف باركليز كابيتال: «هذه المرة الرياض تريد أن يكون التخفيض جماعيا إذا لزم الأمر، ويجري من خلال الأوبك».
وتواجه السعودية، وهي ثاني أكبر منتج للنفط في العالم، ضعفا في الطلب على نفطها المتجه إلى آسيا، وبخاصة إلى الصين واليابان، أول وثاني أكبر أسواق النفط السعودي في القارة الصفراء، في الوقت الذي زادتا فيه الواردات من دول أخرى مثل العراق والإمارات. وبسبب المنافسة الآن أصبح إجمالي صادرات العراق وإيران إلى الصين في أغسطس يعادل كامل ما تستورده من النفط السعودي.
وفي الولايات المتحدة زادت المنافسة بين النفط السعودي والنفط الكندي من ناحية السعر والكمية؛ إذ أدى تحسن عملية نقل النفط الكندي بالقطارات في زيادة واردات الولايات المتحدة منه.
وانخفضت واردات اليابان من النفط السعودي بين أغسطس ويوليو (تموز) إلى 980 ألف برميل يوميا من 1.05 مليون برميل يوميا، بحسب الإحصاءات الرسمية اليابانية. وخلال الفترة نفسها زادت اليابان وارداتها من إيران والعراق والإمارات وقطر والكويت، وانخفضت حصة المملكة السوقية في اليابان في أغسطس إلى 29 في المائة بعد أن كانت 33.8 في المائة في يوليو.
أما الصين فقد استوردت 932.6 ألف برميل يوميا من النفط السعودي في أغسطس بزيادة طفيفة لا تكاد تذكر قدرها 17.6 ألف برميل يوميا عن يوليو. إلا أن الصين وخلال الفترة نفسها زادت وارداتها من النفط العماني بنحو 218.8 ألف برميل يوميا، وزادت وارداتها من نفط أنغولا بنحو 95.6 ألف برميل يوميا، بحسب ما أظهرته بيانات للجمارك الصينية التي قامت «الشرق الأوسط» بتحليلها.
وتسود المخاوف من أن الطلب على النفط في آسيا سيضعف في الربع الرابع، حيث أعلنت 3 شركات تكرير يابانية حتى الآن أنها ستخفض كمية النفط التي ستكررها خلال الأشهر الـ3 الأخيرة من العام. وقالت شركة شوا شل اليابانية أمس إنها ستخفض تكرير النفط في مصافيها على أساس سنوي بواقع 5 في المائة في الربع الرابع.
وتتوقع إنيرجي اسبكتس أن يكون هناك نحو 50 مليون برميل من النفط مخزنة حاليا على السفن في آسيا، وهو ما يعني أن الطلب لن ينمو هناك بصورة كبيرة.
ولا يزال سعر برنت في وضعية «الكونتانغو»، أي أن أسعاره في المستقبل ستكون أعلى من أسعاره حاليا. وتنشأ وضعية الكونتانغو عندما يضعف الطلب ويزيد المعروض، وهو ما يدفع التجار لشراء النفط وتخزينه طمعا في بيعه بسعر أعلى بعد أشهر من الآن عندما ترتفع الأسعار.