IMLebanon

هل تُنقذ «داعش» الإقتصاد العالمي؟

Joumhouriya-Leb
جاسم عجاقة

نكاد نفتقد أخبار الاقتصاد العالمي في وسائل الإعلام، والسبب يعود بالدرجة الأولى إلى إحتلال داعش وأحداث الشرق الأوسط شاشات التلفزيونات والصفحات الأولى في الجرائد.

وفي نظرة إلى نموّ الاقتصاد العالمي خصوصاً الأميركي، نرى أنّ النموّ المُحقَق هو نموّ غير كافٍ لا لإستيعاب البطالة ولا لسدّ الديون السيادية التي تراكمت على مرّ السنين الست. هذا النموّ الخجول، آتٍ بالدرجة الأولى نتيجة سياسة ضخّ الأموال التي تعتمدها المصارف المركزية في دول الإقتصادات المُتطوّرة.

تُظهر دراسة نموّ الاقتصاد الأميركي أنه في كلّ مرة كان الإحتياطي الفيدرالي الأميركي يحاول لجمَ ضخّ الأموال، كان الاقتصاد يتقلّص. هذا الأمر إن دلّ الى شيء فإنما الى عدم نضوج الحركة الاقتصادية في الولايات المُتحدة الأميركية وأوروبا ومعها في الدول النامية في اعتبار أنّ هذه الأخيرة تتعلّق بشكل كبير بإقتصادات الدول الغربية.

ونجحت سياسات المصارف المركزية في حماية النظام المصرفي بالدول التي كانت في عين العاصفة كذلك في تأمين نموٍّ إيجابي قريب من الصفر. لكنّ هذه السياسات التي لها خلفيتها النظرية في علم الاقتصاد، لم تستطع أن تتغلّب على إينرثيا (Inertia) الماكينة الاقتصادية ودفعها من جديد كي تُغذّي نفسها بنفسها.

وأسباب هذا الفشل عدة، نذكر على رأسها حجم الاقتصاد العالمي نسبة إلى ما كان عليه في ثلاثينات القرن الماضي حين ضربت الأزمة العالمية الاقتصاد العالمي ما سمح بتطوير نظريات إقتصادية إستُخدمت وما زالت تُستخدَم حتى يومنا هذا. أيضاً يُمكن ذكر مدى تشابك إقتصادات الدول فيما بينها الذي جعل أيّ سياسة إقتصادية أو نقدية عرضةً لسياسات الدول الأخرى.

عاملان للخروج من الأزمة…

في حمى الركود الاقتصادي العالمي في أوائل تسعينات القرن الماضي، أدّت الحرب التي قام بها تحالف الغرب لإخراج صدام حسين من الكويت إلى إنعاش الاقتصاد العالمي وإخراجه من ركوده. وتكرّر السيناريو نفسه في العام 2003 حيث كان الاقتصاد يعيش تداعيات أزمة فقاعات التكنولوجيا التي اندلعت في العام 2001، فيما حرب آذار 2003 لإسقاط صدام حسين ساهمت في إعادة النموّ العالمي بشكل ملحوظ.

وبطريقة مماثلة يُمكن القول إنّ حرباً جديدة على العراق اليوم قد تُخرج الاقتصاد العالمي من أزمته. إلّا أنّ الفرق الأساسي مع الفترتين السابقتين (1991 و2003) هو في حجم الاقتصاد وتشاكه مع نظرائه ما يعني أنه ليس مؤكّداً أنّ تنشيط الصناعة العسكرية كافٍ لتحفيز الاقتصاد.

لذا كان لا بدّ من التفكير برافعة (Leverage) تسمح بمضاعفة تأثير الحرب في حال خوضها. وعلى هذا المستوى يتوجّب التذكير بأنّ النفط يُشكل رافعة مهمة من ناحية أهميته في الإقتصادات الحديثة خصوصاً المُتطوّرة منها كالإقتصاد الأميركي.

وهنا تمّ بلورة خطة إقتصادية تقضي بخوض الحرب وفي الوقت نفسه تخفيض كلفة الاقتصاد عبر خفض أسعار البترول. ومحور هذه الخطة «داعش» ما يُشكّل فرصة ذهبية للإقتصادات الغربية ولاسيما الاقتصاد الأميركي للإستفادة منها عبر تحويل عملية القضاء عليها مُفيدة للإقتصاد العالمي، (بالتأكيد لا يتناول هذا المقال الشقّ العسكري ولا الموجبات الإنسانية التي تُبرّر ضربَ هذا التنظيم بل نكتفي بمعالجة الشقّ الاقتصادي).

آلية الخروج من الأزمة…

أوردت صحيفة لوفيغارو الفرنسية أنّ عدد الأبار التي وضعت «داعش» يدها عليها في العراق وسوريا، يبلغ 11 بئراً تدرّ على «داعش» نفسها 1095 مليارَ دولار سنوياً.

ويتمّ تناول أرقام غير مؤكّدة عن بيع البرميل بأسعار لا تمتّ إلى الواقع بصلة (10 دولارات أميركية للبرميل الواحد!)، وهذا الأمر إذا ما تمّ إثباته، وهذا ما لن يحصل، فإنّ إنخفاض أسعار البترول الأميركي الخام من 107 دولارات في أواسط حزيران إلى 90 دولاراً أميركيا في أوائل تشرين الأول من هذا العام، يعود بنسبة كبيرة إلى بيع داعش النفط بهذه الأسعار المُخفّضة.

والسؤال المطروح هو: مَن يشتري هذا النفط؟ الأكيد هو أنه لا يُمكن إخفاء مثل هذه العمليات التي تتمّ بالدولار الأميركي، أضف إلى ذلك عدد الأقمار الإصطناعية التجسّسية فوق منطقة الشرق الأوسط والتي يفوق عددها العشرة أقمار في الوقت عينه، ما يعني أنه وفي حال تمّ تثبيت هذا الأمر، فإنّ هذه العملية ستكون عملية مخططٌ لها!

وبالطبع هذا الإنخفاض يُساعد في تحفيز الاقتصاد العالمي ونموّه وذلك عبر تخفيض كلفة الإنتاج للكثير من إقتصادات الدول التي تستورد النفط.
في المقابل، فإنّ العمليات العسكرية التي يقودها التحالف الغربي على داعش في سوريا والعراق تُحرّك الصناعة العسكرية مباشرة عبر تزويد القوات الغربية التي تقوم بهذه الضربات بالسلاح وبشكل غير مباشر عبر الصفقات التي تعقدها دول المنطقة مع الدول الغربية.

وهذا سيؤدّي بلا أيّ شك إلى دفع النموّ في هذه الدول التي تتمتع بوزن كبير في الاقتصاد العالمي والتي وبتشابكها مع إقتصادات الدول النامية، سترفع من نموّ إقتصادات هذه الأخيرة (الصين، والهند…).

ولا تقتصر الإستفادة من هذه العملية على هذين العاملين بل ستمتدّ إلى مرحلة ما بعد القضاء على داعش. وهذا يمرّ عبر مرحلة إعادة إعمار سوريا والعراق. فمثلاً يُقدّر الخبراء كلفة إعادة إعمار سوريا بلا أضرار التي ستخلفها الضربات العسكرية الغربية على داعش بـ 250 مليار دولار أميركي. وإذا ما أضفنا كلفة الأضرار الناتجة عن الضربات للتحالف الدولي على داعش، فإنّ هذا الرقم سيتخطّى الـ 300 مليار دولار أميركي. وبهذا نستنتج أنّ ظاهرة داعش مفيدة للإقتصاد العالمي الذي يعيش مرحلة ركود قوية.

دروس للعرب وللأوبك…

ممّا لا شك فيه أنّ كلفة الحرب على داعش سيتحمّلها العراق وسوريا، ما يعني زيادة الديون الخارجية لهذين البلدين وسيتمّ رهن نفطهما لتغطية هذه الكلفة. لكنّ التداعيات تذهب أبعد بكثير إذ إننا سنشهد تغييراً في هيكلية تعلق الإقتصادات العربية بالإقتصاد العالمي خصوصاً النفط الذي سيُباع قسمٌ منه بشكلٍ حرّ عبر قانون العرض والطلب والقسم الآخر سيكون رهينة لسدّ ديون الحرب وتمويل بعض الإقتصادات الغربية.

وبغضّ النظر عن السيناريو الذي سيطال المنطقة العربية، فإنّ الدرس الأساسي من هذه الحرب هي أنّ الاقتصاد العربي ونفطه سيموِّلان الاقتصاد العالمي، وهذا يعود إلى النسبة العالية من السيولة التي يُؤمّنها بيع النفط العربي.

وفي الختام فإنّ انخفاض الإحتياط العالمي من النفط وازدياد قوّة الأوبك، يستوجب على الدول الكبيرة إيجاد وسيلة للحدّ من قوّة الأوبك وهذا ما يحصل حالياً مع الظاهرة الداعشية.