زياد الدباس
مر سعر صرف الدينار الأردني بتجارب، الأولى عند تأسيس مجلس النقد الأردني عام 1950 إذ رُبِط السعر بالجنيه الإسترليني حتى 1967، والثانية لدى ربط السعر بوحدة حقوق السحب الخاصة وبمهمش انحراف نسبته 2.25 في المئة، والثالثة ربط السعر بسلة من العملات الأجنبية إضافة إلى التعويم الكلي بين أواخر 1988 وبداية 1989، والأخيرة عام 1995 وتتمثل باتباع نظام سعر الصرف الثابت مع الدولار.
ويمثل الدولار اكبر اقتصاد في العالم ويقوم بدوره كعملة الاحتياط العالمية إذ تحتفظ المصارف المركزية في معظم دول العالم باحتياطات كبيرة بالدولار لتلبية احتياجاتها من السلع والخدمات المستوردة، كما يشكل الدولار ثلثي احتياطات النقد الأجنبي في العالم و80 في المئة من مبادلات سعر الصرف الأجنبي و50 في المئة من صادرات العالم بما فيها النفط، إذ تسعر دول «أوبك» كلها نفطها بالدولار.
وبعد مضي 20 سنة تقريباً على ربط سعر صرف الدينار بالدولار، هل تحقق الهدف من هذا الربط؟ يستدعي الأمر مراجعة وتقويماً من لجنة متخصصة ومحايدة محلية ودولية كل 10 سنين باعتبار أن معدل سعر صرف الدينار الأردني في مقابل العملات الأخرى مهم جداً في الأردن على مستوى الاقتصاد الكلي نظراً إلى تنوع الآثار الإيجابية والسلبية التي تترتب على رفعه أو خفضه، وذلك بالنسبة إلى تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، وإلى الاحتفاظ بالدينار كعملة ادخار واستثمار، وإلى تدفق الواردات والصادرات.
وللربط تأثيره في الإنتاج والدخل والتوظيف والطلب على الأصول المالية، وفي مقدمها الأسهم والسندات والصكوك، والطلب على الأصول الحقيقية، وفي مقدمها الأراضي والمنتجات العقارية، ما يعني أن تأثيراته عميقة في الاقتصاد الأردني وتنافسيته وقدرته على تعبئة الموارد. ولا شك في أن ربط سعر صرف الدينار بالدولار كان له دور مهم في تدفّق مدخرات واستثمارات المغتربين الأردنيين العاملين في دول الخليج، إضافة إلى الأردنيين العاملين في الدول المرتبطة عملاتها بسعر صرف الدولار، ناهيك عن تأثيراته الإيجابية في تدفق استثمارات الخليجين، سواء المباشرة على قطاعات الاقتصاد الحقيقي أو غير المباشرة وتحديداً على سوق عمّان المالية، نتيجة غياب أخطار سعر الصرف.
ويجمع عدد كبير من الاقتصاديين الأردنيين على أن ارتباط سعر صرف الدينار بالدولار أصبح من الرموز الأساسية للاستقرار النقدي، والحفاظ على معدل تضخم معتدل، وزيادة تنافسية الصادرات، وتعزيز قيمة الاحتياطات الأجنبية. وتشير المنظمات والمؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، وفي مقدمها صندوق النقد الدولي، إلى عدم وجود انحراف في سعر الصرف الحقيقي للدينار عن سعر الصرف التوازني، ما يؤكد أن نظام سعر الصرف الحالي والذي مضى على تطبيقه نحو 20 سنة يتوافق مع أساسيات الاقتصاد الأردني ويساهم في دعم النمو الاقتصادي من خلال تعزيز أساسيات الاستقرار المالي والنقدي.
لكن فريقاً آخر يرى أن خفض سعر صرف الدينار سيساهم في تنافسية الصادرات الأردنية إذ يخفض سعرها كما يرفع أسعار الواردات ما يقلّص الطلب عليها ويعزز التحول إلى المنتجات الأردنية بما يساهم في تشجيع الصناعة المحلية وخفض العجز في الميزان التجاري.
لكن الفريق الأول يردّ بأن خفض سعر صرف الدينار لن يكون له تأثير يذكر في تنافسية صادراته الإستراتيجية والتي تمثل نسبة مهمة من الإجمالي وفي مقدمها الفوسفات والبوتاس باعتبارهما مسعرتين عالمياً بالدولار، فيما سيساهم في ارتفاع مستوى التضخم المستورد بما يزيد نسبة الفقر في المجتمع، وسيرفع أسعار المواد الخام المستوردة بما يرفع كلفة الصناعات التي تعتمد على هذه المواد فيقلص تنافسيتها. وسيؤدي التخفيض إلى ارتفاع قيمة ديون الأردن الخارجية المسعرة بالدولار.
أما ارتفاع سعر الدولار ومعه سعر الدينار فسيؤدي إلى انخفاض قيمة التزامات المملكة العملات الأجنبية وارتفاع قيمة استثماراتها وانخفاض أسعار السلع المستوردة من دول تتعامل بعملات أخرى، وفي مقدمها اليورو، وسيؤدي أيضاً إلى خفض تكاليف العلاج والدراسة والسياحة في الخارج، بينما تزيد قيمة احتياطات المصرف المركزي وموجودات المصارف التجارية.