في وقت آخر أو في مكان مختلف، كان يمكن أن يكون حقل النفط والغاز الذي اكتشفته شركة إكسون موبيل الأمريكية، في القطب الشمالي الروسي مبعث بهجة وفرح في المركز الرئيسي لهذه الشركة في تكساس.
واقع الحال يقول إنه يجب الآن إبقاء حقل بوبيدا في بحر كارا أملاً معلقاً، وهو ما أعلنه الشريك الروسي لشركة إكسون في عطلة نهاية الأسبوع. لن تتمكن شركة إكسون من لعب المزيد من الأدوار في تطوير الحقل، حتى يتم رفع العقوبات التي فرضتها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الصادرات والخدمات لتطوير القطب الشمالي.
كانت شركة إكسون قد ضمنت لنفسها أفضل موقع استراتيجي يمكن أن تحصل عليه أي شركة نفط غربية في روسيا، التي تمتلك بعضاً من أكبر احتياطات النفط والغاز في العالم.
بعد تأجيل إنجاز طموحات “إكسون” الروسية بسبب العقوبات المتعلقة بالأزمة الأوكرانية، بدأت الآن تبرز إلى السطح أسئلة تتعلق بالنمو البطيء لمجموعة الطاقة الأمريكية هذه، وأداء سعر سهمها الضعيف نسبة إلى بعض الشركات المنافسة لها مثل شيفرون.
يقول بول سانكي، المحلل في مؤسسة الأبحاث وولف ريسيرش: “كانت شركة إكسون في موقع ممتاز في روسيا، لأنها كانت من اختارتها شركة روسنيف شريكاً لها”.
ويضيف سانكي: “كانت روسيا ستصبح منطقة التجمع الهائلة التالية لشركة إكسون، وقائمة مناطق التجمع الهائلة في العالم قصيرة جداً”.
استطاعت إكسون بين عامي 2011 و2013 أن تحدث انقلاباً بتوقيعها اتفاقات تعاون بخصوص عشرة مشاريع مشتركة مع شركة روسنفت المملوكة للدولة الروسية، منها عمليات الاستكشاف في البحر الأسود وتطوير النفط الصخري في بازينوف الواقعة في غرب سيبيريا، ومركز أبحاث مشترك قطبي.
الآن عُلق العمل في تسعة من هذه المشاريع، حيث لا تزال شركة إكسون تعمل في واحد من هذه المشاريع في حقل بوبيدا، ولكن لفترة أيام قليلة لتتمكن من إغلاق بئر يونيفرسايتيسكا – 1 بأمان.
يبدو أن الحقل يحتوي على غاز أكثر من النفط، وروسنيف كانت غامضة حول عدد البراميل التي يمكن استخلاصها من الاحتياطي المرجح، وهو 730 مليون برميل أو نحو ذلك من النفط الخام.
ومع ذلك كان اكتشاف مثل هذه الثروة الغنية المخزنة في أول بئر لها في منطقة تأمل بأن تكون منطقة مهمة لإنتاج النفط نجاحاً باهراً لشركة إكسون، ومحبطاً للآمال في الوقت نفسه.
أخبر إيغور سيشين المدير التنفيذي القوي لشركة روسنفت، ومن المعجبين منذ فترة طويلة بشركة إكسون، المراسلين الصحافيين وهو واقف على الحفارة في بحر كارا أنه لا يتطلع إلى شريك جديد.
وقال: “مشغل المشروع هو مشروعنا المشترك مع شركة إكسون، ونحن لا نخطط لتغيير هيكلية الملكية”، وأضاف أن روسنفت جاهزة لمواصلة العمل دون شركة إكسون عند الضرورة.
على أنه كثير من المسؤولين النفطيين الروس يعتقدون أن الأمور لن تصل إلى هذا الحد، لأنهم يتوقعون أن تكون العقوبات قصيرة الأجل نسبياً.
يقول العارفون باستراتيجية شركة إكسون في روسيا إن الشركة بدأت بالفعل في حث الحكومة الأمريكية، على تخفيف العقوبات للسماح لها بالحفر مرة أخرى في المنطقة القطبية في الصيف المقبل.
فقد حث ريكس تيليرسون، المدير التنفيذي لشركة إكسون الذي أدار عمليات هذه الشركة في روسيا في أواخر التسعينيات، على الحد من فرض العقوبات.
قال تيليرسون خلال الاجتماع السنوي لحاملي أسهم “إكسون” في أيار (مايو): “نحن لا ندعم هذه العقوبات بشكل عام، لأننا لا نجدها فاعلية ما لم تنفذ بصورة جيدة”. وبعد ذلك أخبر الصحافيين بأن وجهات نظر إكسون تلقى آذاناً صاغية على “أعلى المستويات”.
ومع ذلك لن يتم دفع الرئيس باراك أوباما إلى تقديم أي معاملة خاصة إلى شركة إكسون. كان هذا ما قاله تيليرسون في اجتماع لجمع الأموال لمصلحة ميت رومني المنافس الجمهوري لأوباما في الانتخابات الرئاسية التي جرت في عام 2012.
يميل الجمهوريون في الكونجرس عادة إلى دعم الصناعة النفطية، ولكنهم عادة ما يكونون أكثر صقورية تجاه روسيا.
وكان قانون دعم حرية أوكرانيا المقترح الذي سيوسع من العقوبات المتعلقة بروسيا، قد ووفق عليه في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، في هذا الشهر بدعم من الحزبين، حيث كانت نتيجة التصويت 18 – 0 لمصلحة القانون.
ويقول إدوارد شو، الزميل الكبير المشارك في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إن المسؤولين الروس ربما كانوا يبالغون في رغبة الولايات المتحدة في التضحية بأهداف السياسة الخارجية لأجل مساعدة الشركات الأمريكية.
وأضاف شو: “يعتمد الكثير على ما يحدث في أوكرانيا، وسيكون من الصعب جداً الرجوع عن العقوبات ما لم تنجز الولايات المتحدة أهدافها”.
إذا كان هذا صحيحاً، فسيكون مستقبل شركة إكسون في روسياً ممسوكاً بقوة بين يدي فلاديمير بوتين.
ومع ذلك يقول أحد العارفين بتفكير الشركة حيال روسيا، إن هذه الشركة تلعب لعبة الانتظار والصبر. وهو يقول: “تأمل شركة إكسون أن تختفي مثل هذه المشكلات عند النظر إلى فترة زمنية تراوح ما بين 20 و30 سنة”.
ومن الصحيح أيضاً أن بحر كارا كان دائماً أملاً طويل الأمد. وحتى لو كانت هذه الشركة قادرة على السير بكل قوتها، فلن تكون على الأرجح قادرة على إنتاج النفط قبل أن تدخل في أعماق العقد المقبل.
على أن إلقاء نظرة على مشاريع الشركة الأخرى من أجل النمو يشير إلى أنه لا يوجد مشروع من بينها في مثل جاذبية روسيا. وهي تشتمل على بعض الآفاق الصعبة مثل النمو في حقل قرنة الغربي في العراق، والمزيد من التطوير في الرمال النفطية الكندية، والتوسع في كاشاغان، المشروع الضخم المعتل في كازاخستان.
تعتبر الصعوبات علامة على الضغط الذي تواجهه شركة إكسون بسبب حجمها الضخم. التراجع المعتاد في الناتج من آبارها يعني أن عليها أن تبدأ ما يعادل مشروعين كبيرين كل سنة، لمجرد البقاء في مكانها. كما أن تحقيق النمو أصعب حتى من ذلك.
إذا بقي الطريق مغلقاً في روسيا، فإن واحداً من أفضل رهانات شركة إكسون سيكون هو الاستثمار في طفرة النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة. جاءت شركة إكسون متأخرة إلى الحفل الصخري، لكن كان تعزز موقعها، كما أن إنتاج النفط الشحيح ينمو بسرعة.
الإجراء الأكثر طموحاً سيكون في استخدام القوة المالية للشركة للدخول في صفقة من شأنها شق طريق الشركة، على نحو ما فعلت شركة موبيل لصالح شركة إكسون في العقد الذي تلا اتفاقهما على الاندماج في 1998.
دارت شائعات حول عرض من شركة إكسون إلى شركة أناداركو للبترول، أو مجموعة الغاز البريطانية، أو حتى شركة بريتش بتروليوم. ومن الممكن أن تكون هذه صفقات مغرية، خصوصاً إذا ضغطت أسعار النفط الضعيفة على تقييمات الشركات المذكورة.
أفضل طريقة أمام شركة إكسون لتتجاوز خيبة أملها في روسيا، ربما تكون في الذهاب وفعل شيء مختلف تماماً.