IMLebanon

تحديات النفط العربي: من ترشيد الانفاق والدعم الحكومي الى الصراعات الإقليمية

al-hayat

وليد خدوري

يتردد كلام كثير عن تحديات مستقبلية تواجه النفط العربي، خصوصاً المنافسة من بدائل الطاقة والاكتشافات الهيدروكربونية الجديدة، وشكلت الخطورة المحتملة التي يمثّلها النفط والغاز الصخريَّين محور نقاشات أخيرة. لكن عصر النفط مستمر لأن الخام التقليدي سيبقى المصدر الرئيس للطاقة عالمياً حتى إشعار آخر، أي حتى تتوافر بدائل اقتصادية واسعة الانتشار تستطيع أن تنافسه. وما دام النفط هو المصدر الأساس للطاقة في العالم الحديث، خصوصاً في قطاع المواصلات، سيبقى النفط العربي مهماً بفضل تنافسيته الاقتصادية مع النفوط الأخرى، خصوصاً بفضل قدرة هذا النفط على تلافي النقص في الأسواق العالمية نتيجة انخفاض الإمدادات بسبب حوادث صناعية أو كوارث طبيعية أو حصول زيادة سريعة في الطلب. وأثبتت التجارب خلال عقود أهمية النفط العربي في استقرار صناعة الطاقة العالمية.
لكن أسباب الضعف للصناعة المحلية بدأت تتعدد وتتزايد في السنوات الأخيرة، ومع اختلاف معدلات التأثير من بلد إلى آخر، ثمة عوامل مشتركة ربما. هناك، أولاً، ضرورة ترشيد الاستهلاك، فعدد السكان في السعودية والإمارات يبلغ الآن حوالى 38 مليون شخص، لكن مجمل الاستهلاك النفطي في الدولتين يماثل نظيره في الهند التي يبلغ عدد سكانها حوالى 1.3 بليون شخص. وتتوقع دراسات وكالة الطاقة الدولية، أن تؤدي الزيادة السنوية العالية لعدد السكان في الشرق الأوسط حتى 2035 إلى زيادة معدل استهلاك النفط في المنطقة بنحو ثلاثة ملايين برميل يومياً، وهي أعلى زيادة متوقعة على الصعيد العالمي بعد الصين والهند. ويشكل عادة تحسن مستوى المعيشة وزيادة عدد السكان سببين وجيهين لزيادة الاستهلاك.
إلا أن المشكلة الرئيسة عربياً تكمن في عاملين آخرين هما غياب ترشيد الاستهلاك والدعم الحكومي العالي للأسعار المحلية للمحروقات، ففي معظم الدول العربية، تغيب البرامج التثقيفية المنتشرة عالمياً حول ترشيد الاستهلاك في استخدام الأدوات الكهربائية أو حرق البنزين في الازدحامات التي تخنق معظم العواصم العربية لعدم توافر مواصلات عامة حديثة بديلة.
ويتوقَّع، مثلاً، أن يرتفع معدل الاستهلاك في السعودية من معدله الحالي البالغ نحو ثلاثة ملايين برميل يومياً إلى نحو ثمانية ملايين بحلول 2030، والمعدل الأخير قريب من مستوى الإنتاج السعودي في الفترة الراهنة البالغ نحو تسعة ملايين برميل يومياً والطاقة الإنتاجية المخطط لها البالغة نحو 12.5 مليون برميل يومياً، ما سيعني، في حال عدم تلافي هذا التحدي خلال السنوات القليلة المقبلة، حصول انخفاض كبير في معدل الصادرات.
وفيما يطالب مسؤولون في الصناعة النفطية العربية بزيادة تدريجية للأسعار المحلية للوقود كوسيلة من وسائل الحد من زيادة الطلب، يتخوف مسؤولون سياسيون من ردود فعل الرأي العام المحلي على خطوة من هذا النوع ومن استخدام الزيادات ذريعة للاحتجاج على الحكومات (مصر واليمن مثالاً). وتجربة مصر خير دليل على نتائج انخفاض الأسعار، فالدولة المصدرة للغاز الطبيعي حتى قبل سنتين، تحولت إلى دولة مستوردة الآن، فيما انقطاع الكهرباء يتزايد فيها. وفيما لا يمكن زيادة الأسعار المحلية للمحروقات في صورة عالية أو سريعة أو مفاجئة، من الضروري إرفاق الزيادة بتخفيف الضغط على الفئات ذات الدخل المحدود، ناهيك عن إقرار الزيادات تدريجاً.
ويُعتبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من المناطق المهمة عالمياً باحتياطاتها الغازية، لكن عائقين رئيسين يعرقلان تطوير صناعة الغاز الإقليمية. هناك كميات وافرة من الغاز الحر في دول أهمها قطر والجزائر، وهناك الغاز المصاحب في الدول النفطية الكبرى التي تحاول منذ سنوات اكتشاف حقول للغاز الحر في أراضيها، لكن الكميات لا تزال محدودة نسبياً مقارنة بمعدلات الاستهلاك المتوقعة. لكن ثمة عراقيل سياسية تتعلق بسلامة عبور الأنابيب والمعادلات السعرية لتجارة الغاز بين دول المنطقة، فالدول العربية تصدر الغاز إلى مختلف أسواق العالم ولا تصدره في ما بينها، إلا في حالات نادرة (صادرات الغاز من مشروع «دولفين» القطري إلى الإمارات وعُمان، وصادرات الغاز العراقي إلى الكويت خلال الثمانينات، واستلام تونس والمغرب إمدادات محددة من الغاز الجزائري لقاء مروره بالترانزيت عبرهما إلى أوروبا، وصادرات الغاز المصري إلى الأردن.
وهناك نتائج الحروب وحالات الحصار خلال العقود الأخيرة، فتأخرت دولة مثل العراق في تطوير احتياطاتها من الغاز، إذ لا يزال الحرق مصير نحو 600 مليون قدم مكعبة يومياً من الغاز الطبيعي، ما يحرم البلاد من مصدر مهم للطاقة ويجعل العراق رابع أسوأ ملوث للبيئة عالمياً، وفق إحصاءات الأمم المتحدة، بينما محطات الكهرباء متوقفة عن العمل لعدم وجود إمدادات كافية من الغاز، ما يؤدي إلى انقطاع الكهرباء لساعات يومياً على مدار السنة في العراق، واستيراد الكويت للغاز المسال من سواحل شرق روسيا المطلة على المحيط الهادي، بدلاً من استيراده من الدول المجاورة.
وهناك ثمن عال تدفعه الدول بسبب الحروب والصراعات الداخلية. فثمة شكوك في قدرة العراق على تحقيق معدلات الطاقات الإنتاجية المعلن عنها في عهدي رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وفاوضت ثاني حكومة للمالكي في أسابيعها الأخيرة خلال الصيف الماضي على خفض معدل الطاقة الإنتاجية المتوقعة من الحقول العملاقة في محافظة البصرة، وتأخير موعد الإنتاج الزمني المتفق عليه سابقاً مع الشركات العالمية. وأدى الوضع السياسي المتدهور في بعض الدول العربية إلى تفاقم ظواهر سلبية متعددة، منها ازدياد معدلات الفساد وانتقاله من اقتصاد الدولة عموماً إلى قطاع النفط خصوصاً، فيما أدى عدم الاستقرار وفقدان هيبة الدولة إلى هجرة كوادر مهنية.