حسين عبدالحسين
«العقد الجديد» هو الاسم الذي اقترحه الرئيس الأميركي الراحل فرانكلن روزفلت لسياساته الاقتصادية التي غيّرت وجه الولايات المتحدة، بينما اختار الرئيس الراحل ليندون جونسون اسم «المجتمع العظيم»، وأطلق الرئيس السابق بيل كلينتون اسم «القرن الأميركي» على البحبوحة التي عاشتها البلاد. أما الرئيس باراك أوباما، فاختار اسم «الأسس الجديدة» عنواناً لسياساته الاقتصادية التي يبدو أنه سيكون من الرؤساء المحظوظين الذين قيّض لهم الاستمتاع بثمرة جهودهم قبل خروجهم من الحكم.
من شيكاغو، مدينة «صبية شيكاغو» أو مجموعة الاقتصاديين اليمينيين الذين تصدّرهم ميلتون فريدمان، أطل أوباما في خطاب مفصّل قدم فيه رؤيته الاقتصادية وإنجازاته وتوقعاته للمستقبل. ومن نافل القول إن الجمهوريين يرفضون الرؤية الاقتصادية لأوباما وحزبه الديموقراطي شكلاً ومضموناً، فهم لا يحبذون إطلاق الحكومة تسميات على سياساتها الاقتصادية لأنه «تقليد اشتراكي» يذكّر بالاقتصادات الموجهة والخطط الخمسية، وهم لا يوافقون على القوانين التي سنّها أوباما، منها قانونا الرعاية الصحية وضبط المصارف، لإدارة الحياة الاقتصادية في البلاد، ويعتبرون أن سرّ قوة الاقتصاد يكمن في إلغاء التشريعات وإطلاق عنان القطاع الخاص ليحقق نمواً اقتصادياً تفيد منه العامة.
وتقوم سياسة أوباما الاقتصادية على أربعة أساسات، تتصدرها سياسة «استقلال الطاقة»، وهي تتضمن تمويل الحكومة بحوثاً ومشاريع لإنتاج الطاقة البديلة. وقال أوباما في خطاب في جامعة «نورث ويسترن»: «ضاعفنا إنتاج الطاقة من الريح ثلاث مرات، وإنتاج الطاقة الشمسية 10 مرات، وهذه الكمية تكفي لتشغيل ولايتي ايلينوي وويسكونسن». ويتزامن إنتاج الطاقة البديلة مع التقدم التقني الذي سمح بزيادة ضخمة في إنتاج الطاقة الصخرية.
وأكد أوباما أن سياسته كانت تقضي بخفض استيراد الطاقة 50 في المئة بحلول عام 2020، ولكن هذا الهدف سيتحقق هذه السنة.
ويتمثل الأساس الثاني في تحفيز الصناعة التي انتعشت نتيجة ازدهار قطاع الطاقة. وأوضح أوباما أنه منذ تسلّم السلطة، أضافت الصناعة 700 ألف وظيفة، بوتيرة مضاعفة لأي قطاع آخر، والاستمرار في هذا النمو يتعلق بالأساس الثالث لسياسته الاقتصادية، وهو إصلاح القطاع التربوي وتطويره، الذي يعتبر كثيرون أنه كان سبب تفوق الولايات المتحدة خلال القرن الماضي. وفي التربية، قال الرئيس إن طلبة المرحلتين الابتدائية والمتوسطة حققوا نتائج قياسية في اختبارات «الرياضيات والقراءة» العام الماضي، ونسبة متخرجي الثانويات وصلت إلى 80 في المئة، والحكومة الفيديرالية قدمت منحاً لـ 700 كلية محلية للدراسات العليا.
ويتضمن الأساس الرابع والأخير جعل الولايات المتحدة أكثر تنافسية، عبر خفض الفاتورة الصحية في البلد. وفي هذا السياق، قال أوباما إن «مكتب موازنة الكونغرس» غير الحزبي خفّض في تقرير توقعاته لفاتورة الرعاية الصحية للمتقاعدين بحلول عام 2020 بمقدار 188 بليون دولار. ولفت إلى أن نمو تكاليف القطاع تراجعت إلى مستوياتها الدنيا، وربع من لم يتمتعوا بتأمين صحي في الماضي حصلوا عليه اليوم، ووفر التأمين الصحي ما معدله 1800 دولار للمستهلك الواحد وربّ عمله، ما يخفض كلفة العمل للشركات والمصانع ويسمح لمن يرغب بإنشاء عمل خاص أو شركة أن «يحقق أحلامه» من دون القلق على من يسدد فاتورته الصحية.
وقال أوباما إن ظاهرة «أوف شورينغ»، أي انتقال الأعمال إلى بلدان تقل فيها التكاليف، انعكست إذ صارت الاستثمارات والشركات والمصانع تعود إلى الولايات المتحدة بعد عقدين على الهروب منها. وأوضح أن الاقتصاد الأميركي أوجد أكثر من 10 ملايين وظيفة خلال السنوات الأربع والنصف الماضية، وهي أطول فترة لإيجاد وظائف من دون انقطاع، والعدد يتفوق على عدد الوظائف التي أوجدتها اقتصادات الدول المتطورة مجتمعة.
ولكن أوباما اعترف بأن في بلاده مشكلة توزيع الدخل، ومعظم الأموال تذهب إلى الأكثر ثراءً، ما يعني أن مدخول الطبقة المتوسطة ما زال مستقراً منذ عام 1997. وقال إن «بسبب ذلك، لم يشعر كثيرون بالبحبوحة المستجدة، وأسعى من خارج الكونغرس، الذي تعطله الغالبية الجمهورية، إلى زيادة الحد الأدنى للأجور سبعة دولارات في الساعة إلى 10»، مشيراً إلى أن «المجالس المحلية لـ 13 ولاية والعاصمة واشنطن وافقت على الزيادة، ونجحنا عبر العمل مع أصحاب الشركات الكبرى في زيادة الحد الأدنى لسبعة ملايين من أصل 28 مليون أميركي».
وشنّ أوباما هجوماً ضمنياً على الجمهـــورييــــن ومدرستهم الاقتصادية، موضــحاً أن فتات الأغـــنياء الـــذي يذهب الــى الفقراء ليس بحبوحة ولا يساهم فــي بناء أميركا عظيمة، بل العظمة تكون في اقتصاد مبني من الأسفل إلى الأعلى تحرّكه في شكل رئيس الطبقة المتوسطة، والاقتصاد يحتاج إلى أسس متينة، ولا يمكنه الاعتماد في نموه على فقاعات ومجازفات ومضاربات مالية.
ووعد بالدفاع عن سياساته الاقتصادية خلال الفترة المتبقية من حكمه، وربما في حال خلفه رئيس ديموقراطي، يمكنه تمديد هذا الدفاع لأربع سنوات إضافية، لأن هذه السياسات لم تساهم في عودة اقتصاد الولايات المتحدة إلى سابق قوته ومتانته فحسب، بل ستشكل الأساس لاقتصاد تنافسي يمكنه أن يبقي البلد في صدارة العالم خلال القرن الحالي.