IMLebanon

مصر: الاقتصاد السري “أقوى” من الدولة

wafed
عبدالرحيم أبوشامة

كشفنا من قبل على صفحات «الوفد» بعض الحقائق حول الاقتصاد السرى فى مصر وحذرنا من الخطر فى استخدام أرباحه فى تمويل عمليات الارهاب والعمليات المشبوهة الضارة بالأمن القومى. وتكشفت حقائق جديدة حول طبيعة هذا العالم المتحرك الذى يمثل اقتصادياته فى مصر ما يوازى الاقتصاد الرسمى وربما يفوق لأنه ببساطة لا أحد يستطيع حصره على وجه الدقة مهما تحدث الخبراء ومهما أظهرت الدراسات فهو عالم مجهول الهوية ولكنة دولة كبيرة وهذا النشاط يتزايد يوميا مع تراجع دور التوظيف بالدولة ولجوء العاطلين من الشباب الى الاسواق العشوائية ينتشر في الدول النامية. والاقتصاد غير الرسمي هو صفة ذات طابع ثابت في البلدان التي تفتقر الى العدالة في التوزيع للايرادات والممتلكات. وله اسماء عدة منها ما يطلق عليه الاقتصاد غير الرسمي او اقتصاد الظل أو الاقتصاد الخفي أو اقتصاد بير السلم والاقتصاد الموازي.
وقد ذكرنا من قبل ان حجمه يتراوح بين 1.6 و2.8 تريليون جنيه بأنشطة تبدأ من الباعة الجائلين والتوك توك حتى تجارة المخدرات والسلاح وان كانت هناك دراسات وخبراء يقدرونه بغير ذلك.
الأهم فى هذه القضية أن هذا النشاط يمكن أن يؤدى بمصر الى دولة الرفاهة الاقتصادية ويمكنه وحده سداد ديون مصر خلال فترة قصيرة اذا ما تم تقنين اوضاع هذا النشاط وحل مشكلاته وتوفير ادوات وآليات حكومية تشجع أصحابه على الاندماج فى الاقتصاد الرسمى للدولة.
وقد كشف هشام رامز محافظ البنك المركزى عن عدم وجود أرقام دقيقة لدى الجهاز المصرفى حول هذا النشاط ولكنه اشار الى ان هناك جهوداً حكومية للتيسير لدمجه فى قطاعات الدولة.
وقد تناولنا موضوعات من قبل كان اخرها بعنوان «الاقتصاد السرى فى مصر حقيقة اغرب من الخيال» انتبهت بعدها حكومة المهندس ابراهيم محلب إلى هذه القضية ولكن الاهتمام بدا من خلال تصريحات كلامية حول الموضوع ولم تتحرك فعليا ببحثها لفتح مجالات اكبر لهذا النشاط وتقنينه بما يساعد الدولة فى بسط سيطرتها الامنية وزيادة نشاطها الاقتصادى، فلا أحد ينكر من الاقتصاديين أن حجم هذا النشاط فى مصر إضافة الى تنوع الاقتصاد هو الذى حمى مصر خلال الثلاث سنوات الاخيرة منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن من الانهيار الاقتصادى.
وقد تحدث مؤخرا وزير التجارة والصناعة والمشروعات الصغيرة منير فخرى عبد النور حول قانون جديد يشجع على دمج الاقتصاد السرى فى الرسمى.
وهناك نوعان في الاقتصاد غير الرسمي الاول يسمى الاقتصاد الأسود ويضم تجارة المخدرات، السلاح، الدعارة وغيرها وبالتالى فهذا النوع يتناول تجارة محرمة شرعاً وقانوناً.
والنوع الثانى الاقتصاد غير الرسمي ويضم تجارة مشروعة ولكن تبتعد عن قوانين الدولة ولا تلتزم بها و يقدم سلعاً وخدمات ليست محرمة.
وكشفت دراسة حديثة للدكتور عبدالمنعم السيد مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية أن هناك أرقاما جديدة للاقتصاد غير الرسمى تقدر بـ 18 مليون منشأة منها 40 ألف مصنع ويتراوح من 1.2 تريليون جنيه 1.5 تريليون جنيه. بما يوازي 65% إلى 70% من حجم الاقتصاد الرسمي .هذا بخلاف النوع الاول المحرم والممنوع شرعا وذكر ان دي سوتو الخبير العالمي الامريكي قدر هذا النشاط بنحو 400 مليار دولار أي ما يوازي 2.8 مليار تريليون جنيه مصري وهذا الرقم مغالى فيه او ربما يضم التجارة المحرمة.
وقد قدر اتحاد الصناعات المصرية حجمه بنحو تريليون جنيه مصري وتراوح عدد عماله الى ما يقرب من 8 الى 10 ملايين مواطن تمثل نحو 40% من حجم الاقتصاد غير الرسمي على الأرصفة مايطلق عليهم ( باعة جائلين ) بنحو 3 ملايين بائع جائل في مصر وقد انخفض معدل نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة لأقل من 10% لتأتي بعد تونس والمغرب 15%
وحجم الاقتصاد غير الرسمي في مصر تزايد بشكل ملحوظ بعد 25 يناير بسبب غياب العديد من المؤسسات المعنية بمراقبة النشاط الاقتصادي في الأسواق وغياب الأمن.
وقد اعلن البنك الدولي في عام 2013 زيادة حجم الاقتصاد غير الرسمي وانخفاض العمالة الرسمية في قطاع الصناعة 5% وانخفاض العمالة الرسمية في قطاع المقاولات 8 %وانخفاض العمالة الرسمية في قطاع الخدمات 15% وزيادة أعداد العمالة غير الرسمية إلى 40% عام 2012 اضافة الى زيادة أعداد العمالة غير الرسمية إلى 45% عام 2013 وكانت عام 98 العمالة غير الرسمية تمثل 30%
ويشير «عبد المنعم» الى سلبيات الاقتصاد غير الرسمي والتى تتمثل فيما يتعلق بالدولة بضياع جزء لا يستهان به من حصيلة ايرادات الدولة من (الضرائب – الرسوم التراخيص بحوالي 50 % من حصيلة الضرائب الآن وهي 300 مليار جنيه)
وما يتعلق بالعاملين هو عدم وجود عقود عمل تشغيل الأطفال وما هم دون سن العمل عدم وجود تأمينات اجتماعية وعدم حصول العاملين على حقوقهم وعدم توافر شروط السلامة الصحية في المؤسسات وعدم وجود مظلة من التأمين الصحي.
وما يتعلق بالمستهلك من سلبيات فهو يحصل على سلع وخدمات غير مطابقة للمواصفات غير الصحية وغير الآمنة وغالباً ما تكون المصانع أو ورش العمل للاقتصاد غير الرسمي في المجتمعات العمرانية مما يضر بصحة السكان.
وهناك سلبيات على الاقتصاد الرسمي يتمثل فى إضعاف قوة الاقتصاد الرسمي للدولة لأن اسعار سلع الاقتصاد غير الرسمي أو الاقتصاد الموازي منخفضة لعدم سداد الضرائب لعدم دفع الرسوم الجمركية لأنها رديئة الصنع غير مطابقة للمواصفات خاصة وأن مستوى الدخول لأكثر من 70 % من المصريين منخفض أو متوسط.
وقد انتشر الاقتصاد غير الرسمي نتيجة لانتشار العشوائيات وتقشف الادارة المحلية وانتشار الفساد وعدم وجود الثقافة والوعي بأهمية المساهمة أو المشاركة في اقتصاد الدولة اضافة الى الروتين في الحصول على فتح ملف ضريبي أو الحصول على تراخيص، واهتمام الدولة بالمناطق الحضرية وإهمال الريف والصعيد من غير خدمات وعلاج هذه الظاهرة لا يجب النظر لإصلاح الاقتصاد غير الرسمي من منطلق الجباية وتحسين الحصيلة الضريبية.
ولكن يجب أن ينظر لهذا القطاع على أنه المشغل الأكبر في سوق العمل المصرية فحوالي 70% من الداخلين في سوق العمل الجدد يشتغلون في الاقتصاد غير الرسمي خاصة بعد ثورة 25 يناير 2011 وعلينا الاستفادة من إمكانيات هذا القطاع.
ولكي ينضم الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي يجب تخفيض الضرائب على أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة 10% ويجب مشاركة الدولة في تحمل التأمينات الاجتماعية وتخفيض نسبة صاحب العمل .وانفاق هذه الحصيلة على تطوير العشوائيات والمناطق المأهولة بالمشروعات غير الرسمية
وهناك عامل هام يقوم على دور الاعلام والثقافة في كسر الحاجز النفسي الموجود لدى أصحاب والعاملين بالاقتصاد غير الرسمي من أن الدولة ضدهم.وبالتالى يجب توعيتهم بأن الدولة ليست ضدهم ولا تطاردهم ولكن تسعى لتقنين وضعهم ودخولهم في منظومة الدولة للحصول على مزايا منها دعم صندوق الضمان الاجتماعي للحصول على تمويل ميسر من البنوك بإجراءات مبسطة . وتيسير اجراءات التراخيص وخفض الرسوم الخاصة بتراخيص تأسيس المشروعات الصغيرة. وتشجيع جمعيات حماية المستهلك ومنظمات المجتمع المدني بالتوعية وخطورة غياب اشتراطات الصحة والسلامة لمنتجات الاقتصاد غير الرسمي وتفعيل دور الدولة في الرقابة والتفتيش وتسجيل المشروعات غير الرسمية ودور مأموريات الضرائب.
وإذا نجحت الدولة في ضم الاقتصاد غير الرسمي للرسمي فإن كثيراً من الظواهر السلبية فى المجتمع سوف تختفى او تدر عوائد للدولة ومنها الدروس الخصوصية ومافيا الدواء فالقوانين وحدها لن تحل المشكلة وانما يجب ان تعود للدولة هيبتها وقبضتها فى تطبيق القوانين دون فساد او محسوبية.