سامي نادر
الاقتصاد اللبناني يواجه تهديداً كبيراً. للعام الثالث على التوالي، يسجّل الدين العام اللبناني زيادة تتخطى إلى حد كبير النمو الاقتصادي الفعلي. فقد ازداد الدين العام بنسبة 10.1 في المئة عام 2013، في حين أن النمو الاقتصادي لم يتجاوز 1.5 في المئة. وهذا مؤشر سيئ. ثمة حاجة إلى تحرّك جذري على مستويات الحكومة كافة من أجل تغيير هذه النزعة، وكبح العجز في الموازنة، واستخدام استراتيجيات فعالة للنمو.
أما الأسباب الرئيسة للأزمة الاقتصادية فتعود في شكل أساسي إلى تدهور الوضع الأمني جراء الأزمة السورية المستمرة منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، والشلل السياسي وتعطيل المؤسسات العامة، وغياب السياسة الجامِعة، وعدم تطبيق الإصلاحات التي تشكّل حاجة ماسة.
معظم محركات النمو متعثّرة. فالسياحة التي بلغت حصّتها أكثر من 20 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في الأعوام الماضية، تشهد تراجعاً حاداً. وفي هذا الإطار، انخفض عدد السياح القادمين إلى لبنان بنسبة 6.7 في المئة في العام 2013. في الفترة نفسها، ولأسباب مشابهة، تراجعت الاستثمارات الخارجية المباشرة بنسبة 23 في المئة، والاستثمارات الخارجية المباشرة في المساحات غير المستغلّة بنسبة 48 في المئة، مايؤشّر إلى فشل الحكومة في توجيه الاستثمارات نحو القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد. وقد مارس هذا الواقع تأثيراً سلبياً على قطاع العقارات الذي يعاني الآن من تراجع تدفّق الرساميل من منطقة الخليج؛ فقد انخفض عدد صفقات بيع العقارات بنسبة 7.2 في المئة.
تواجه قطاعات أخرى ذات قدرة عالية على النمو عوائق قانونية أو غياب الإصلاح، ومنها الكهرباء والاتصالات السلكية واللاسلكية، فضلاً عن حقول النفط والغاز التي إنتظر إلى الإستكشاف الإضافي. لكن يبدو أن انعدام النمو والعجز الذي تعاني منه المالية العامة لايؤثران في الحكومة أو يزعجانها. فهي تستمر في الإنفاق بوتيرة مقلقة: ارتفعت النفقات الحكومية بنسبة 2.4 في المئة في العام 2013 في حين أن عجز الموازنة ازداد بنسبة 3.9 في المئة.
وصلت تداعيات الأزمة السورية في لحظة حرجة بالنسبة إلى لبنان. فلا اقتصاده ولا بنيته التحتية الضعيفة قادران على الصمود من هذا العبء. يزيد عدد اللاجئين السوريين المسجّلين في لبنان عن 1.1 مليون نسمة، أي مايتراوح بين ربع وثلث الشعب اللبناني. إلى جانب التكاليف الباهظة التي تترتّب على الاقتصاد اللبناني، يُهدّد هذا الأمر النسيج الاجتماعي الهش في البلاد. ولعل ماقاله رئيس البنك الدولي يعطي صورة عن هذا الواقع، فقد شبّه تدفّق اللاجئين، في زيارة له إلى لبنان في وقت سابق هذا العام، بتوافد جميع سكان المكسيك إلى الولايات المتحدة على امتداد ثلاث سنوات.
في التقرير الذي رفعه البنك الدولي إلى الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2013، قُدِّرت كلفة الأزمة السورية على الاقتصاد اللبناني بـ7.5 مليارات دولار على امتداد ثلاث سنوات. غالب الظن أن هذه الكلفة سوف ترتفع مليارَي دولار إضافيين في السنة المالية 2014.
يضع هذا كله الاقتصاد اللبناني أمام آفاق قاتمة. السبيل الوحيد كي يواجه لبنان التداعيات الاقتصادية هو في فرض إجراءات أمنية أفضل، وتطبيق سياسة جامِعة، وتنفيذ إصلاحات استهدافية. تبدو كل هذه الأمور خارج متناول المؤسسة السياسية في لبنان التي ينبغي عليها أن تنأى بنفسها عن الاضطرابات الإقليمية وتركّز على الحد من تفشّي التعصّب المذهبي في الداخل.