الارتفاع في مشاعر التوتر بين إسبانيا ومنطقة كاتالونيا أثار جدلاً حامياً بين الطبقة السياسة في البلاد. الآن هناك جمهور جديد يدخل في النقاش، المصرفيون والمحللون الماليون، الذين يتساءلون إن كان النزاع يجدر أن يكون سبباً لقلق المستثمرين.
الجواب أبعد ما يكون عن الوضوح. معظم الناس يعتقدون أن كاتالونيا ستظل جزءاً لا يتجزأ من إسبانيا، على الرغم من الضجة في المنطقة، والرغبة الشديدة في استفتاء حول الاستقلال والانفصال عن إسبانيا.
على أن هناك أيضاً إحساسا قويا بأن إسبانيا، ربما تكون في طور عميق من عدم اليقين السياسي – دون أن تلوح في الأفق بوادر خروج واضح. مشاعر القلق حول أثر ذلك على الشركات والاستثمار هيمنت على الجدل أثناء الاستعدادات لاستفتاء اسكتلندا الأخير على الاستقلال – وهو ما أعطى دفعة في اللحظة الأخيرة للرافضين للاستقلال.
في إسبانيا، لم تظهر آثار النقاش حتى الآن على الأسواق أنفسها. لا تزال العوائد على السندات الحكومية الإسبانية قريبة من مستوياتها الدنيا التاريخية، واستمرت الأسهم في أبرز الشركات الكاتالونية في تقديم أداء جيد. ووفقاً لكبار المسؤولين الإسبان، هذا يثبت أن المخاوف من الانفصال بين الدولة والمنطقة مبالغ فيها.
يقول كريستوبيل مونتورو، وزير الميزانية الإسباني “نحن لا نرى رد فعل من الأسواق. لماذا؟ لأن الأسواق تعتقد أنه لن يحدث شيء”.
التأكيدات التي من هذا القبيل لم تفعل شيئاً يذكر لتخفيف اهتمام البنوك الاستثمارية، ووكالات التقييم الائتماني، ومستشاري الأعمال. الاندفاع الأخير في تقارير الأبحاث والأوراق الاقتصادية التي تحلل الموقف في كاتالونيا، تشير إلى أن النزاع يحتل بسرعة مكانا عاليا على أجندتها.
إحدى علامات المخاوف المتزايدة جاءت في وقت متأخر من يوم الإثنين، قبل ساعات فقط من قرار المحكمة الدستورية الإسبانية، بتعليق خطة حكومة كاتالونيا الخاصة بعقد استفتاء على الاستقلال في 9 تشرين الثاني (نوفمبر).
وقد أصدرت فيتش، وكالة التقييم الائتماني الأمريكية، بياناً حذرت فيه من أنها تضع كاتالونيا قيد المراقبة من أجل تخفيض مرتبتها الائتمانية نتيجة “لازدياد حدة التوتر” مع مدريد.
اجتذب هذا القرار الاهتمام لأن إسبانيا تتصرف بمنزلة ضامن مالي لمناطقها، وكانت تتدخل باستمرار لتقديم التمويل للحكومات الإقليمية التي تفتقر إلى المال – بما في ذلك حكومة كاتالونيا.
إن الإشارة إلى أن العلاقة المالية بين كاتالونيا والدولة يمكن أن تتراجع في الأشهر المقبلة ينطوي ضمناً على فكرة أن الانفصال السياسي، لم يعد مستبعداً من وجهة نظر المستثمرين.
في اليوم نفسه، نشر بنك مورجان ستانلي تقريراً من 20 صفحة حول استقلال كاتالونيا، وهو الأحدث في سلسلة من تقارير البنوك الاستثمارية، التي تدرس هذا الموضوع.
وخلص التقرير إلى أن تفكك إسبانيا، إما من خلال خروج منظم أو من خلال قرار أحادي من قبل كاتالونيا، يعتبر “غير مرجح”.
غير أنه حذّر أيضاً من أن إسبانيا تواجه فترة من عوامل اللبس العميقة بصرف النظر عما إذا سار الاستفتاء المقرر قدماً. وقال مورجان ستانلي “هذا أمر سلبي بالنسبة للمزاج العام – للمستهلكين والأعمال والمستثمرين – والإصدارات المهمة في الأجل القريب، كما نرى. ربما تكون استثمارات الشركات والحركات المالية قد تأثرت بصورة جزئية”.
يجد البعض أن عوامل التوتر الحالية تعمل في الأصل على تقليل الاستثمار. يقول جيم ماليت، رئيس مجلس إدارة غرفة التجارة الأمريكية في إسبانيا “يشعر المستثمرون بقلق هائل”.
ترك الجدل زعماء كاتالونيا في موقف صعب. من الناحية السياسية، حقيقة أن المحللين والمصرفيين بدأوا باعتبار موضوع الاستقلال أمراً جدياً، هو نوع من إثبات صحة موقف هؤلاء الزعماء، لكن، في المقابل، لا بد أن تكون حكومة كاتالونيا حذرة، وأن تتجنب موقفاً تضع فيه موضع التشكيك، مكانة كاتالونيا باعتبارها مركزاً نشطاً للأعمال والمال.