تقترب الأزمة السورية من اختتام عامها الرابع وسط مرواحة عسكرية قاتلة حوّلت الثورة على النظام الى حرب استنزاف داخلية وإقليمية ودولية معقدة بفعل دخول عوامل عدة زادت الصورة تعقيداً، وأبرز هذه العوامل على الإطلاق الحركات المتطرفة والإرهابية، بغض النظر عمّن صنعها وموّلها وحرّكها واستفاد منها، وإن كان ثمة إجماع على أن نظام بشار الأسد كان من أوائل المستفيدين من قيامها.
لكن الأشهر والأسابيع الأخيرة شهدت تطورات بارزة يمكن أن تمهّد لخلط الأوراق السورية بشكل كامل، بدءًا من الانقلاب الذي نفذته “داعش” في العراق وانعكس ميدانيا في اتساع رقعة نفوذها على الأرض السورية، مرورا بما استدرجه ذلك من دخول الائتلاف الدولي بمشاركة عربية واسعة في المعركة السورية تحت عنوان ضرب “داعش” في العراق وسوريا، وصولا الى بروز الدور التركي كخشبة خلاص عسكرية- ميدانية وحيدة للخلاص من “داعش” وبشار الأسد على حدّ سواء!
رجب الطيب أردوغان الذي حرص طوال السنوات الثلاثة الأولى من الأزمة السورية على إطلاق التهديدات لبشار الأسد من دون أي تنفيذ، مكتفيا بمساعدات لوجستية محدودة للمقاتلين المعارضين للنظام البعثي، يبدو أنه ارتاح الى وضعه بعد وصوله الى سدّة الرئاسة التركية، كما يُشتمّ أنه كان يسعى الى ثمن ما لأي دور تركي على الأرض “الجارة” سوريا ويبدو أنه حصل عليه، او أن ثمة موافقة مبدئية غربية عليه.
فليست مصادفة أن يقوم نائب الرئيس الأميركي جو بايدن بالاتصال بأردوغان للاعتذار منه بعد ساعات قليلة من صدور تصريحات صدرت تتضمن اتهامات لتركية بمساعدة المجموعات الإرهابية.
وليس تقاطعاً عابراً أن ينتظر أردوغان الى ما بعد استعادة الرهائن الأتراك لدى “داعش” في العراق ليعلن عن إعادة النظر بقرار تركيا السابق بعدم المشاركة في عمليات الائتلاف الدولي ضد “داعش”.
أما ضريح سليمان شاه، جدّ مؤسس الامبراطورية العثمانية، والموجود في سوريا إنما تحت السيادة التركية ويحرسه جنود أتراك، فسيبقى الإطار الأمثل للحلم بإعادة إحياء نفوذ الامبراطورية العثمانية ولو جزئيا، وهو حلم لطالما راود أردوغان منذ وصل الى رئاسة الحكومة التركية.
والسيناريو المتوقع كما بات متداولاً أن تنشئ تركيا منطقة عازلة على طول الحدود التركية- السورية تشكل قاعدة لانطلاق الجيش السوري الحر في بسط سيطرته تدريجياً على كامل الأراضي السورية والتمهيد لقيام سوريا جديدة تكون تحت تأثير النفوذ التركي المباشر في المدى المنظور.
هذا الحلم التركي قد يتقاطع بشكل واسع مع المصالح والحسابات الإقليمية والدولية. فالنسبة الى الغرب، المطلوب وبشكل ملحّ الانتهاء من “داعش” ومن بشار الأسد على حد سواء والعمل على إعادة الاستقرار الى سوريا تمهيدا للاستفادة اقتصاديا من مشاريع إعادة إعمارها. وليس أفضل من أن تقوم تركيا، العضو في حلف شمالي الأطلسي وحليفة الغرب عسكرياً، في تنفيذ المطلوب على الأرض السورية في ظل القرار الغربي المتخذ بعدم إنزال قوات برية.
أما بالنسبة الى إيران فالمطلوب الانتهاء من الواقع السوري الذي بات يشكل عبئا اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً على الجمهورية الإسلامية. فلا طهران قادرة على الاستمرار في تمويل نظام الأسد بسبب أزمتها الاقتصادية الخانقة، ولا “حزب الله” قادر على الاستمرار في القتال الى جانب بشار الأسد بسبب الخسائر العسكرية الهائلة التي مُني بها، ولا الرئيس حسن روحاني قادر على الاستمرار في المفاوضات حول الملف النووي بمعزل عن تقديم تنازلات سياسية في الملف السوري. في المقابل فإن إيران التي باتت مضطرة الى تقديم تنازلات على الساحة السورية، ليست مستعدة في الوقت نفسه أن تقدمها الى المملكة العربية السعودية، وتفضّل بطبيعة الحال أن تكون أنقرة هي المستفيد على الأرض لا الرياض.
وبالنسبة الى المملكة العربية السعودية فإن الأولوية المطلقة تكمن في إسقاط بشار الأسد بأي ثمن وأيا يكن المستفيد، وهي لن تمانع بطبيعة الحال أن تقوم تركيا برعاية عملية إسقاط الأسد وإن كان الثمن بسط النفوذ التركي على الساحة السورية.
في الخلاصة، من المفيد جداً في المرحلة المقبلة إبقاء العين على حركة أردوغان العسكرية التي بدأت ترتسم معالمها على الحدود السورية. فهل تكون الحرب في سوريا على مفترق محوري في الأسابيع والأشهر المقبلة؟