IMLebanon

أسس جديدة للاستقرار المالي في العالم

Khalij
لويس حبيقة
معظم النظريات الاقتصادية فشلت في تنبؤ الأزمات خاصة الأخيرة في عام 2008 . ترتكز النظريات الاقتصادية الرئيسية على افتراض أن الاقتصاد يسير بدوراته العادية ارتفاعاً وانخفاضاً، وأن الأزمات تحدث بشكل مفاجئ أي يستحيل تنبؤها بل يستحيل تطبيق سياسات تمنع حصولها . لا توجد أسباب هيكلية ومبدئية داخل الأنظمة الاقتصادية تؤدي إلى حصول أزمة، بل هنالك مفاجآت تحصل وتمر فتعود الدورة إلى طبيعتها العادية . عبر هذه النظريات، لا يمكن تنبؤ الأزمة بل يمكن فقط تحليلها ودراستها وتقييمها بعد أن تحصل علما أن الدروس لا تنفع حيث عنصر المفاجأة يبقى الطاغي . يمكن وصف هذه النظريات بالقضاء والقدر أي لا تنبؤ ولا وقاية، بل تحمل التبعات التي لابد أن تحصل من وقت لآخر . في هذه الحال، ليست هنالك جدوى من إقرار قوانين سلامة ووقاية مالية واقتصادية طالما أن الأزمة ستحصل . من أفضل نتائج هذه القوانين تخفيف الصدمة في قوتها ونتائجها، دون أن تمنعها واقعياً .
انخفضت نسب النمو كثيراً بدأ من سنة ،2008 كما تدنت أسعار العقارات وارتفعت البطالة كما حجم العجز المالي في معظم الدول الصناعية . انقسمت النظريات الاقتصادية بين من يريد ضخ المال والنقد لدفع النمو وبين من يرغب في ضبط العجز المالي حتى على حساب النمو . قصة النمو طويلة منذ الخمسينات حتى سنة 2000 حيث لم يتوقف إلا في السبعينات لفترات قصيرة ما جعل العالم يعتقد أن عملية النمو طبيعية وأن الاستثناء هو العكس . إذا حصلت أزمة ما تعرقل مسيرة النمو، فلا بد أن تنتهي ويعود النمو إلى سابق عهده . من ناحية أخرى، هنالك نظريات تشير إلى أن الأزمات المالية ليست قضاء وقدراً، بل تنتج عن سياسات سيئة وظروف صعبة . أن سبب الأزمات ومصدرها ليس المصارف بل الأوضاع الاجتماعية . فالعلاج لا يكون في الإجراءات والقيود والقوانين المصرفية، بل في كل ما يسهم في تحسين توزع الدخل ومعالجة واقع وأسباب الفقر . المصارف بريئة تبعاً لهذه المجموعة التي يمكن توزيعها على محاور ثلاثة:
أولاً: السياسات الحكومية التي تحمي الكبار وخاصة كبار المصارف عندما تتعثر . تدفع هذه الحمايات المؤسسات إلى المخاطرة في الأعمال لعلمها أنه سيتم انقاذها منعا لضرب النظام العام . استغلت المصارف الدولية هذا الواقع وأعطت قروضاً لمن لا يستحقها، ما سبب انهياراً في الأسواق المالية فأتت المصارف المركزية للإنقاذ . هنالك أيضاً أنظمة ضمان الودائع التي تطمئن المودعين إلى أموالهم، لكنها في نفس الوقت تدفع المصارف إلى المخاطرة لعلمها أن المودعين مضمونين ولن يكونوا قلقين أو مراقبين دقيقين لأعمال المصرف .
ثانياً: الفارق الكبير في الدخل والثروة بين الطبقات الشعبية ووجود طبقة وسطى مرتاحة تشكل العصب الاقتصادي للدولة . هنالك اقتصاديون كبار بدءاً من “كارل ماركس” إلى “ستيغليتز” يشيرون إلى الفارق في الدخل كمصدر للثورة وبالتالي للأزمات الاجتماعية المالية .
ثالثاً: هنالك نظريات تقول إن الأزمات تنبع من الفقر أو من سوء الغذاء المرتبط به . لأن المدارس الرسمية ليست بالمستوى المطلوب، يعجز الفقراء عن تحسين أوضاعهم . إن الانطلاق من مستوى متدنًّ وعدم إمكانية التغيير يؤدي إلى سوء توزع للدخل، وبالتالي إلى أزمات اجتماعية اقتصادية تنعكس سلبا على المال . من الصعب قبول منطق المجموعة الثانية وتبرئة المصارف كلياً من تسبب أو ترك المشاكل المالية تتفاقم . لذا غلبت عموما النظريات الأولى التي تقول إن الاقتصاد يسير نفسه، ولا بد من حصول أزمات . تبعاً لهذا المنطق غلبت نظريات النمو التي تقول إن السياسات الاقتصادية الفضلى هي التي تحقق النمو المتواصل المرتفع الذي يغطي أي خسارات مستقبلية يمكن أن تنتج عن تحركات الاقتصاد . يسهم النمو في معالجة مشاكل الفقر والبطالة بحيث لا تتفاقم إلى حدود لا يمكن تحملها . ترتكز هذه النظريات على تجارب الماضي حيث استمر النمو الاقتصادي العالمي لفترات طويلة منها بين 1946 و1964 في الولايات المتحدة تزامنت أيضاً مع فترة انجاب مرتفع . على المدى الطويل اعتمدت نسب النمو على عوامل ثلاثة هي الزيادة السكانية والتطور التكنولوجي كما زيادة الادخار لتمويل الاستثمارات . لم يكن لموضوع المناخ أي وجود، إذ كان خارج الاهتمامات الشعبية والحكومية في تلك الحقبة .
ارتكزت ثقافة النمو على أن الإنتاج يعتمد على عاملين فقط هما رأس المال واليد العاملة . لم يكن للموارد الطبيعية، قبل أزمات النفط في السبعينات، أي دور اذ اعتبر توافرها طبيعياً في الكمية والسعر . إن الضغط الذي حصل على أسواق المواد الأولية فيما بعد من نفط وغذاء ومعادن وغيرها تسبب في تحقيق عدم استقرار اقتصادي دولي سمح للمضاربات بالانتعاش . هنا لابد من ذكر ما قاله “بن برنانكي” حاكم المصرف المركزي الأمريكي السابق: “تعود النتائج الجيدة التي حققت حتى سنة 2008 إلى التغيرات في هيكلية الاقتصاد، إلى التحسن في تصميم وتطبيق السياسات الاقتصادية المختلفة وثالثاً إلى الحظ الذي حالف الجميع” . في كتابه عن الأزمة المالية، يقول “جايمس غالبريث” إن الأوضاع العالمية لم تعد كما كانت، فهنالك ظروف جديدة تخالف التاريخ وتجعل عملية النمو غير عادية بل صعبة ومتعثرة . يجب الاستفادة من أزمات اليوم لوضع أسس أفضل للمستقبل.