Site icon IMLebanon

وفرة المعروض تعجّل بنهاية عصر هيمنة الحديد في سوق المعادن

FinancialTimes
جيمس ويلسون ونيل هيوم

الحديد واحد من أكثر العناصر وفرة على الأرض، لكن إخراجه من الأرض بكفاءة يمكن أن يكون مهمة شاقة. هناك خط أنابيب بطول 530 كم يمتد على التلال الخضراء المنخفضة في جنوب البرازيل، الوصلة الحاسمة في مشروع ميناس ريو الذي تبلغ قيمته 8.2 مليار دولار والتابع لشركة أنجلو أمريكان لاستخراج الحديد الخام من المناطق الداخلية البرازيلية، وشحنه من ميناء جديد على المحيط الأطلسي.

بعد أن تجاوز كثيراً ميزانيته الأصلية البالغة 3.6 مليار دولار وبعد عامين من التأخير، يقترب مشروع ميناس ريو أخيراً من مرحلة “أول حديد خام على السفينة”.

لأعوام، مشاريع التعدين الضخمة مثل هذه كانت تشكل أساس التوسّع الاقتصادي العالمي. وباعتباره السلعة الأكثر أهمية بعد النفط الخام، فقد قامت مصانع الصُلب الصينية باستهلاك الحديد الخام، بعد أن برز كمادة خام لطفرة النمو التي تقودها البنية التحتية.

إن مشروع ميناس ريو على وشك تسليم أول حديد خام له في عالم يعتبر موضع ترحيب أقل بكثير من قبل. فقد انخفض سعر الحديد الخام أكثر من 40 في المائة هذا العام، وهو أسوأ أداء بين المعادن والسلع السائبة في عام 2014. من متوسط سعر يبلغ 135 دولاراً للطن العام الماضي، انخفض عقد الحديد الخام القياسي الأسبوع الماضي إلى أقل من 80 دولاراً لأول مرة منذ الأزمة المالية العالمية.

يقول البنك الأسترالي، ماكواري: “إن سوق الحديد الخام في خِضم مرحلة انتقالية دون سابقة في تاريخ السلع الحديث”.

خلف التغيير توجد زيادة كبيرة في صادرات الحديد الخام – وليس الـ 26.5 مليون طن التي سيجلبها مشروع ميناس ريو إلى السوق فحسب، عندما يعمل بكامل طاقته في عام 2016.

شركات الإنتاج الثلاث المهيمنة في العالم، وهي فالي، وريو تينتو، وبي إتش بي بيليتون، زادت معاً الإنتاج من أقل من 700 مليون طن قبل ثلاثة أعوام إلى أكثر من 800 مليون طن، ولديها خطط لزيادة العرض ليصبح أكثر من مليار طن في غضون بضعة أعوام.

شركة الإنتاج التي في المرتبة الرابعة، فورتيسكيو، قد زادت إنتاجها من 41 مليونا إلى 124 مليون طن في الفترة نفسها وتتوقع إنتاج 155 مليون طن هذا العام. وتتوقع هانكوك بروسبيكتينج أن يبدأ منجمها روي هيل الجديد في أستراليا الذي يُنتج 55 مليون طن سنوياً بتحميل الحديد الخام في العام المقبل.

مارك كوتيفاني، الرئيس التنفيذي في أنجلو أمريكان، يقول إن شركات التعدين “تجاوزت حجم العرض” في طفرة السلع – والحديد الخام هو المثال الأكثر تعبيراً.

إعصار العرض ليس العامل الوحيد الذي يؤثر في الأسعار. المخاوف بشأن تباطؤ الطلب من الصين، التي توجد فيها أكبر صناعة للصُلب واستهلاك الحديد الخام المنقول بحراً في العالم، بدأت تتشكل أيضاً.

تقول شركة سي آر يو الاستشارية في لندن: “نظراً لأن ثلثي الحديد الخام المتداول ينتهي في الصين، يعتبر الطلب الصيني على الحديد الخام والإنتاج المحلي الصينيين من المحددات المهمة للسعر العالمي”.

التباطؤ في قطاع العقارات السكنية في الصين، حيث طفرة البناء أرهقت مناطق عديدة بالعرض المفرط والأسعار المنخفضة، أدى إلى إضعاف الطلب على الصُلب.

على عكس عملية البيع الكبيرة للحديد الخام في عام 2012، عندما ساعد برنامج التحفيز الحكومي على إنعاش الأسعار، فإن بكين من غير المرجح أن تغير سياستها بشكل كبير هذه المرة.

يقول كولين هاملتون، رئيس قسم أبحاث السلع في شركة ماكواري: “إذا كان العرض هو الدافع وراء ضعف الحديد الخام في النصف الأول من هذا العام، فإن الطلب هو المشكلة الآن”.

كما حذّر تقرير أخير من بنك جولدمان ساكس من احتمال وجود اتجاه طويل من الأسعار المنخفضة. يقول إن عام 2014 كان “نقطة انعطاف حيث القدرة الإنتاجية الجديدة بدأت أخيراً تلحق بنمو الطلب، كما بدأت هوامش الربح عودتها إلى المتوسط التاريخي .. لقد حلت نهاية العصر الحديدي”.

نظراً لأن الحديد الخام يمثّل ما بين 50 و90 في المائة من الأرباح في أكبر ثلاث شركات تعدين في العالم، فإن انهيار السعر سيكون مربكاً للمساهمين الذين يطالبون بعائدات أفضل من قطاع ذي أداء ضعيف. وقد توقفت شركة بي إتش بي عن عملية إعادة شراء متوقعة للأسهم في آب (أغسطس)، مبررة ذلك بتدهور التوقعات لأسعار السلع.

بالنسبة لشركات إنتاج ناشئة صغيرة، فإن المشكلات تعتبر وجودية ومن المرجح حدوث هزة، مع تغير المُلكية. في غرب إفريقيا، فإن بعض البلدان الأكثر فقراً في العالم علقت آمالها في التنمية على الحديد الخام، لكن في سيراليون وليبيريا، تتدافع شركات تعدين أصغر منها أفريكان مينيرالز ولندن مايننج من أجل النقود لدرء الانهيار.

انخفضت أسهم شركة لندن مايننج المُدرجة في المملكة المتحدة بأكثر من 60 في المائة بعد أن قالت شركة التعدين إنها بحاجة إلى المزيد من الأموال، وكانت تتحدث إلى أحد المستثمرين عن عملية ضخ لرأس المال.

شركات التعدين لا تفعل الكثير لخفض الأسعار عن طريق زيادة العرض، فهو بالنسبة للبعض، خير مثال على قدرة الصناعة الدورية على التصويب نحو النجوم، لكن النتيجة فقط هي أنها تطلق النار على قدميها.

إيفان جلاسينبرج، الرئيس التنفيذي في شركة جلينكور، أكبر شركة تعدين دون مناجم حديد خام، يقول: “إن نمو الحديد الخام أمر جيد لكن عليك النظر إلى العرض. يتعرّض الحديد الخام للضغط، لأن الجميع يضيف النمو”.

ويقول إيفي هامبرو، رئيس فريق أسهم الموارد الطبيعية في شركة بلاك روك: “إن الشركات الكبيرة تظهر قدر أكبر من الانضباط في رأس المال، لكنها بحاجة إلى الاستمرار على هذا الطريق.

سوق الحديد الخام فيها فائض بالفعل، لذلك تحتاج شركات التعدين لتُقرر ما إذا كان من الحكمة أم لا إنفاق المزيد من الأموال، من خلال إضافة أطنان إضافية”.

تجادل شركات الإنتاج الأكبر أنها تتصرف بطريقة منطقية. بما أن شركات الإنتاج الأقل تكلفة تشغل عمليات واسعة، فهي تفترض أن بإمكانها تحمّل الأسعار المنخفضة في الوقت الذي يخرج فيه المنافسون من السوق.

سام والش، الرئيس التنفيذي في شركة ريو، يصرّ على أن هذا الأمر يحقق النجاح.

يقول والش إنه قد تم بالفعل إخراج 85 مليون طن من الحديد الخام من السوق، لأنها لم تعُد قادرة على التنافس ويتوقع أن يتم سحب 125 مليون طن بحلول نهاية العام.

“من الواضح أن هناك تعديلاً يجري .. كل هذا مجرد تطبيق مفعول العرض والطلب”.

يعتقد والش أن السوق تقدّم لشركات التعدين معضلة السجناء. لا توجد شركة واحدة بإمكانها الامتناع عن الإنتاج: شركات أخرى ستملأ الفجوات ولا يزال السعر سيتعدّل. المنافسون سيحصلون على “ركلة حرة”.

يقول: “يوجد أشخاص يقولون بشكل مبسط، إذا سحبت 100 مليون طن، ألن نكون جميعاً أفضل حالاً؟. الجواب هو لا. بعض تلك القدرة الإنتاجية ستعود مجدداً – من أشخاص آخرين”.

“ريو”، شركة الإنتاج الأقل تكلفة، “ينبغي أن تكون آخر شخص يسحب القدرة الإنتاجية”.

كما يمكن أيضاً اعتبار تصرفات شركات التعدين بأنها محاولة لإخراج المنافسين من السوق. الشركات الثلاث التي تُسيطر على السوق – ريو، وبي إتش بي، وفالي – انضمت إليها شركات إنتاج جديدة: فشركة فورتيسكيو هذا العام تعمل على إنتاج نصف إنتاج شركة فالي، من بداية الانطلاق في عام 2008.

نيف باور، الرئيس التنفيذي في شركة فورتيسكيو، يقول إن شركته ساعدت على استعادة “سعر الحديد الخام من ذروات غير مستدامة مرة أخرى، إلى تسعير قادر على التنافس المستدام وطويل الأمد أكثر”.

يقول أحد التنفيذيين في مشروع إفريقي للحديد الخام إن شركات التعدين الأكبر “قد فتحت الباب لشركة فورتيسكيو – آخر شيء يرغبون في فعله هو فتح الباب لشركة إنتاج في غرب إفريقيا. لذلك فهي ستكثف الإنتاج. حيث ترغب في القضاء على شركات الإنتاج الأخرى وتمنح الجميع الخوف على حياتهم، حتى لا يبني أي أحد منجما آخر للحديد الخام”.

حتى الآن العرض لم يغادر السوق كما يقول المنطق الاقتصادي. التخفيضات جاءت من شركات الإنتاج غير السائدة في بلاد مثل إيران وإندونيسيا والمكسيك، فضلاً عن المناجم عالية التكاليف المملوكة للقطاع الخاص في الصين نفسها.

هناك أجزاء أخرى من صناعة التعدين والصُلب في الصين تسيطر عليها شركات صُلب كبيرة مملوكة للدولة، حيث الوظائف، وليست الأرباح، لها الأولوية.

يقول باور: “من المؤكد أن استجابة شركات الإنتاج عالية التكاليف .. كانت أبطأ بكثير مما كنت أعتقده وما كان يعتقده معظم من في الصناعة. لكن حتماً هذا يجب أن يحدث .. بالتالي سيكون سعر الحديد الخام منخفضاً لفترة طويلة بما فيه الكفاية ليتمكن ذلك العرض من الخروج من السوق. هذا هو الواقع الاقتصادي”.

كذلك لا يبدو أن الطلب سيعود قريباً إلى المستويات المزدهرة في العقد الماضي.

نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الحديد والصُلب الصينية قال في مؤتمر الأسبوع الماضي إن استهلاك الصين HG/HIVD من الصُلب الخام – بمعنى استثناء صافي الصادرات – قد انخفض 1.9 في المائة ليصل إلى 61.9 مليون طن في آب (أغسطس) – وهو أول انخفاض منذ 14 عاماً.

يقول هاميلتون إن المصانع الصينية تخفض الإنتاج بشكل كبير، لأن الطلب ضعيف وليس بإمكانها بيع المزيد إلى سوق تصدير مُشبعة. “في تلك البيئة، سيرغبون في الاحتفاظ بحديد خام أقل، خاصة أن أسعار الصُلب تنخفض بسرعة أكبر من أسعار الحديد الخام في الوقت الراهن”.

السعر الآجل لعمود التعزيز، وهو منتج من الصُلب يستخدم في البناء، وصل إلى مستويات دنيا قياسية.

كما قال رئيس شركة باوشان للحديد والصُلب، وهي ثاني أكبر شركة صناعة صُلب في الصين، في المؤتمر، إن أسعار الحديد الخام المنخفضة هي “الوضع الراهن الجديد”.

تيم موراي من جيه كابيتال للأبحاث يقول إن تصحيح سوق العقارات يحدث في الصين، مع بدايات جديدة في البناء سلبية لخمسة أشهر على التوالي.

“سوف نشهد انخفاضاً بنسبة 20 في المائة في الطلب على الصُلب من قطاع البناء على مدى الأشهر الـ 12 المقبلة”.

ما وراء مشكلات الطلب قصيرة الأجل يوجد خوف أوسع من أن رغبة الصين في الصُلب – بالتالي في الحديد الخام – سوف تصل ذروتها، على الرغم من أن الشركة الاستشارية، سي آر يو، تعتقد أن “ذروة الصُلب” لن تحدث إلا بعد خمسة أعوام أخرى على الأقل، وذلك لأن البلاد تواصل تجربة النمو المُطلق في نشاط البناء.

بحثا عن نظام تسعير أكثر واقعية
ما الذي يحدد سعر خام الحديد؟ كما هي الحال مع معظم السلع الأساسية، الجواب البدهي هو العرض والطلب، لكن السوق ليست على ما يبدو هي الحكم النهائي الذي تشير إليه النظرية الاقتصادية.

اعتادت صناعة التعدين وصناعة الصلب أن تحددا سعر خام الحديد من خلال عقود سنوية، لكن في الوقت الذي تفوقت فيه الصين على اليابان لتحتل مرتبة أكبر مستهلك على المستوى الدولي لخام الحديد “المنقول بحراً”، بدأ النظام في التفكك.

مثل النفط، وقبله الألمنيوم والفحم الحجري، فإن صناعة خام الحديد توقفت عن العقود السنوية في 2010 وتحولت إلى النظام الجديد – الذي هو في العادة مؤشر بلاتس للحديد الخام – من أجل تحديد سعر العقود الربعية. ومنذ ذلك الحين تطورت السوق أكثر من قبل، حيث خطت خطوات كبيرة نحو العقود قصيرة الأجل، التي هي أكثر دلالة على أسعار السوق.

يقول منتقدو نظام التسعير بالمؤشر إنه زاد من التقلب وقلص رؤية الأرباح لشركات التعدين الكبيرة. ويقول آخرون إن السوق الفورية ليست حتى الآن سائلة بما فيه الكفاية لتقديم تشكيل دقيق للسعر.

يقول أحد المشاركين في السوق: “10 في المائة أو أقل من خام الحديد المنقول بحراً في العالم يتم تداولها في السوق الفورية – وهذا هو الذي يحدد سعر المؤشر.

نحن نجد كثيراً من المشاركين في السوق الفورية هم من الموردين ذوي التكلفة العالية والنوعية المنخفضة، أو معامل الصلب المعتلة، التي يمكن أن تجد صعوبة في الحصول على خطابات الاعتماد من المصارف الصينية لشراء خام الحديد”.

ويقول إن الحل هو أن تدفع شركات الإنتاج الكبيرة بالمزيد من الخام إلى السوق الفورية، وهو أمر لا ترغب فيه.

يشار إلى أن السعر المرجعي يعطي صورة جزئية فقط على ما تستطيع شركة التعدين أن تتوقع الحصول عليه. فخام الحديد يباع على عدة أشكال ودرجات، حيث إن النوع المرجعي هو الذي يحتوي على الحديد بنسبة 62 في المائة.

شركات التعدين والتداول الكبرى تخلط الناتج. يعتقد البعض أن الصين ستريد بصورة متزايدة خاماً من النوعية الأعلى لتصنيع الصلب، ما يعني أن هذا النوع من الخام سوف يجتذب علاوة على السعر.
وكما هي الحال مع كثير من السلع، فإن أفضل حماية لشركات التعدين ضد تراجع الأسعار، هي في الإنتاج بأرخص التكاليف الممكنة.
هي بحاجة إلى معرفة محددة لموقعها هي والشركات المنافسة على “منحنى التكلفة”. إذا جاء عرض تنافسي إلى السوق، فإن السعر الذي يوفى به الطلب يفترض أن يهبط. والمنتجون الذين يقعون عند نقطة أعلى على منحنى التكلفة، سوف يصبحون غير تنافسيين، وينبغي لهم التوقف عن الإنتاج.

موقف شركات التعدين

شركات تعدين الحديد الخام الكبيرة لم يتملكها الذعر بعد. وفقاً لمحللين في يو بي إس، بإمكان شركة ريو وبي إتش بي تحقيق أرباح بقدر التكاليف، من خلال توصيل الحديد الخام من أستراليا إلى الصين بأسعار منخفضة تصل إلى 45 دولاراً و50 دولاراً. يقول كريس لافيمينا، وهو محلل في وكالة جيفيريز: “حتى بسعر 80 دولاراً يعتبر الحديد الخام فعلاً بمثابة عمل مربح”.

إذا أخطأت شركات التعدين الحُكم، وانخفضت أسعار الحديد الخام أكثر من ذلك، فإن الهزة قد تُلحق الضرر بالمساهمين. حيث تعتقد شركة ليبروام، وهي شركة وساطة بريطانية، أنه بالأسعار الحالية للحديد الخام لن تتمكن شركتا ريو وبي إتش بي من تحقيق عائدات رأس المال الموعودة في العام المقبل، وفي الوقت نفسه التمسك بأهدافها من صافي الديون، على الرغم من أن محللين آخرين هم أكثر ثقة بأن شركات التعدين بإمكانها التمسك بخططها.

في شركة أنجلو أمريكان، لا يوجد حديث عن المرحلة الثانية التي تم توقعها ذات مرة في مشروع ميناس ريو – لكن هناك ارتياحا بأن المنتجات الأخرى من شركة التعدين، من الألماس إلى الفحم، توفر بعض الحماية من المعركة المستعرة في قطاع الحديد الخام.

يقول كوتيفاني: “لدي تسع سلع أخرى تملك توقعات مختلفة. سوف ننتظر انخفاض سوق الحديد الخام إلى مستوى متوازن بشكل معقول”.