IMLebanon

ثمن خفي لتجميد نشاط روسيا عن القطاع المالي العالمي

FinancialTimes
جيليان تيت

هذا الأسبوع، عبرنا نقطة مرحلية جديد صغيرة على طريق العولمة، حيث قالت الجمعية العالمية للاتصالات المالية عبر المصرفية – المعروفة باسم سويفت Swift – إنها بلغت رقماً قياسياً بمعالجة نحو 26 مليوناً من المعاملات اليومية.

هذا أمر مشجع. زيادة المعاملات المصرفية يغلب عليها أن تعني مستويات متزايدة من التجارة العالمية – وهو تماماً ما قد يرغب القادة والمسؤولون في العالم بالإشادة به، عندما يجتمعون في اجتماعات الخريف للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي الأسبوع المقبل.

للأسف، هناك أمر خفي. قبل بضعة أيام من إحراز هذا الرقم القياسي، لاحظت جمعية سويفت أن البرلمان الأوروبي أصدرت قراراً يطالب بطرد البنوك الروسية من النظام، احتجاجاً على غارات روسيا في أوكرانيا. خلف الكواليس، كان السياسيون الأمريكيون أيضاً يضغطون على جمعية سويفت القائمة في بلجيكا.

حتى الآن رفضت “سويفت” الامتثال. قبل عامين في خطوة رائدة، تم استبعاد مجموعة من المصارف الإيرانية من الشبكة، كجزء من العقوبات الغربية ضد طهران، لكن هذه المرة، يعارض المسؤولون في “سويفت” الحظر الروسي بشدة.

ستصدر “سويفت” الأسبوع المقبل بياناً نادراً تعلن فيه أنها “تأسف للضغط”، وأنه “باعتبارنا مؤسسة عامة ذات طابع اقتصادي عالمي، [نحن] لا نملك أي صلاحية لاتخاذ قرارات العقوبات” – إلا إذا طلب البرلمان ذلك منا.

المستثمرون يجب أن يتنبهوا لهذا الأمر. إذا رضخت جمعية سويفت، يمكن أن تتضرر روسيا بشدة. حيث تعتمد المصارف الروسية كثيراً على الشبكة في المدفوعات المحلية والدولية.

لقد حذّر اليكسي كودرين، وزير المالية السابق في روسيا، من أن تلك الخطوة يمكن أن تؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 في المائة.

قد يكون للحظر الروسي أيضاً آثار أكبر على القطاع المالي العالمي، من شأنها إثارة مسألة أساسية تحوم فوق اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الأسبوع المقبل: هل ستستمر المؤسسات العالمية التي ساعدت على ربط العالم معاً في أواخر القرن العشرين، في أن تكون قوة موحِّدة في هذا الأمر؟ أم سيعمل التصدع السياسي على فك الروابط الاقتصادية؟

حالة “سويفت” هي رمزية بشكل واضح. لقد تم إنشاء الشبكة في عام 1973، عندما قرر 200 مصرف (في الغالب مصارف غربية) بناء نظام آمن مشترك ومتعدد الأطراف لتبادل الرسائل الموحدة التي تدعم المدفوعات بين المصارف.

في السابق، كانت المصارف تعتمد على التلكس أو الأنظمة الهاتفية ثنائية الأطراف؛ لقد كانت “سويفت” بمثابة تقدم تكنولوجي كبير. وللإشارة إلى أن المنصة كانت “محايدة”، فقد وُضع مقرّها في بروكسل، وليس في واشنطن أو نيويورك.

حتى وقت قريب، كان هذا الموقف المؤيد للعولمة يعمل بشكل جيد، مع أن كثيراً من المصارف احتفظت بأنظمة الرسائل الثنائية، إلا أن الشبكة أصبحت القناة المسيطرة لتبادل بيانات المدفوعات عبر الحدود. إذ يستخدمها في الوقت الحاضر نحو 10.5 ألف مؤسسة عامة في جميع البلدان.

مع مضي الوقت تعرضت سمعتها الحيادية للهجوم. قبل عقد من الزمن، ظهر أن وكالة الاستخبارات الأمريكية عقدت صفقة مع الحكومات الأوروبية للتدقيق على بيانات “سويفت” كجزء من معركة أمريكا ضد الإرهاب. ثم في عام 2012 جاء الأمر من الاتحاد الأوروبي – بعد ضغط أمريكي في وقت سابق – وقف التعامل مع المصارف الإيرانية.

المطالبات الحالية لفرض حظر على المصارف الروسية تمثل عقاباً من المحتمل أن يكون أكثر أهمية. بالنسبة للسياسيين في واشنطن، إبعاد روسيا عن جمعية سويفت يبدو خطوة جذابة.

حيث يمكن القول إنها ستكون العقوبات الاقتصادية الوحيدة الأكثر ضرراً التي يمكن أن يستخدمها الغرب ضد موسكو، لكن بالنسبة لمديري “سويفت”، هذه الخطوة تبدو متقلبة وحزبية بشكل خطير، فهم يخشون من إنشاء بلدان غير غربية أنظمة منافسة، لحماية أنفسها من أية تهديدات أمريكية في المستقبل.

ويحذّر المسؤولون في روسيا بالفعل من أنهم يرغبون ببناء بدائل لجمعية سويفت.

مع أنه لن يكون من السهل فعل روسيا هذا الأمر على المدى القصير – باستثناء نفض الغبار عن آلات التلكس تلك – إلا أنه في الأيام الأخيرة عقد المسؤولون الروس محادثات مع نظرائهم الصينيين، حول إنشاء منصة مشتركة.

يقول خبراء مصرفيون، إنه إذا بدأت بكين العمل معها، وانضم آخرون أيضاً، فإن العواقب ستكون كبيرة. بالتالي بدلاً من الحصول على نظام مدفوعات كبير واحد عبر الحدود، يمكن أن ينقسم العالم في نهاية المطاف إلى شبكتين (أو أكثر) – وهو ما يجعل المدفوعات العالمية أقل كفاءة.

هذا الأمر قد لا يقلق واشنطن الآن، نظراً لاحتمال نشر مثل هذا السلاح الفعّال ضد الرئيس فلاديمير بوتن، لكن ينبغي القلق، لأن هذا الأمر قد يؤدي إلى تكاليف حقيقية لجميع الجهات الفاعلة في النظام المالي العالمي.

على الأقل يعتبر الخلاف بشأن “سويفت” تذكرة قوية قوي بأن مسار العولمة لا يذهب دائماً في اتجاه واحد. ذلك الرقم القياسي البالغ 26 مليون معاملة يومياً، قد يتبيّن في النهاية أنه ليس مجرد نقطة مرحلية مهمة فحسب، بل نقطة تغير وجه العملية بأكملها.