Site icon IMLebanon

«إيبولا» يعرقل النمو الاقتصادي في أفريقيا

al-hayat
عدنان كريمة

بدأ مرض «إيبولا» يعرقل مسيرة النمو الاقتصادي التي ازدهرت في السنوات الأخيرة، بفضل تدفق الاستثمارات الخارجية إلى القارة السوداء من قبل الدول المتقدمة، خصوصاً دول الاتحاد الأوروبي والصين وحتى الولايات المتحدة الأميركية، وبعض دول الخليج العربي.
وفي وقت أعلنت منظمة الصحة العالمية عن وفاة أكثر من 2400 شخص من أصل 4784 مصاباً (آخر إحصاء في أيلول/سبتمبر الماضي) بعد انتشار مرض «إيبولا» في أربعة بلدان أفريقية (غينيا، ليبيريا، سيراليون، ونيجيريا)، كان صندوق النقد الدولي يحذر من أسوأ أثر لهذا المرض على اقتصادات تلك البلدان، خصوصاً السياحة وحركة السفر والتجارة والصناعة والتعدين فضلاً عن الزراعة، ما يعني توجيه ضربات موجعة للنمو الاقتصادي الذي سيشهد تراجعاً ملحوظاً.
كانت أفريقيا في السنوات الأخيرة، الواجهة المستقبلية للاستثمار العالمي حيث تشكل موطن سبعة من أصل أسرع عشرة اقتصادات نامية في العالم، وهي تحتاج إلى 93 بليون دولار سنوياً لتلبية خططها الاستثمارية في البنية التحتية وصولاً إلى عام 2020. وإذا كان المتوافر لدى الحكومات الأفريقية فقط نحو 31 بليون دولار، يكون المطلوب من الاستثمارات الخارجية أن تغطي المبلغ المتبقي والبالغ نحو 62 بليون دولار سنوياً.
إضافة إلى ذلك ، يتوقع نمو إنفاق المستهلكين في أفريقيا إلى أكثر من 1.4 تريليون دولار بحلول عام 2020، مع العلم أن القارة السوداء تظل البلاد الأهم في مجال الإنتاج الزراعي والغذائي، حيث يعتبر قطاع الزراعة أحد أهم القطاعات المشجعة للمستثمرين الأجانب، خصوصاً أن أكثر من 44 مليون هكتار صالحة للزراعة، يستغل ثلثها فقط، والبقية مطلوب استثمارها لمعالجة مسألة الأمن الغذائي.
وتمتلك أفريقيا موارد طبيعية باحتياط كبير، وهي تحتاج إلى رأس مال بشري واستثمارات في التكنولوجيا تأتيها من الخارج، وهناك شركات متعددة الجنسية تضع يدها على هذه الموارد، لأنها تملك التقنيات لاستخراجها وإعادة تجهيزها، تمهيداً لدخولها في دورة الإنتاج .
وفي آب (أغسطس) 2014، وقبل أن يتوسع انتشار مرض «إيبولا»، قررت الولايات المتحدة دخول «سباق الاستثمار العالمي»، وأعلن الرئيس باراك أوباما عن رصد 33 بليون دولار التزامات جديدة لتنمية أفريقيا، واستعداد الشركات الأميركية لاستثمار أكثر من 14 بليون دولار في القارة السوداء. وتهدف واشنطن من خطواتها الاستثمارية دخول «ساحة المنافسة» في إحدى المناطق الواعدة التي توقع صندوق النقد الدولي أن تسجل نمواً نسبته 5.8 في المئة عام 2015، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، الذي يعد متفوقاً على أكبر قوة في العالم بفضل علاقاته التاريخية والاستعمارية مع بعض الدول الأفريقية، والصين التي سجلت بدورها رقماً قياسياً في تبادلها التجاري مع القارة السوداء بلغ 210 بلايين دولار عام 2010، في مقابل فقط 85 بليوناً بين الولايات المتحدة والبلدان الأفريقية.
أما البلدان العربية، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، فهي تقوم بدور استثماري كبير في القارة السوداء، وقد بلغت استثماراتها خلال السنوات العشر الأخيرة أكثر من 144 بليون دولار، ولديها خطط طموحة لتعزيز «شراكتها الاستراتيجية» التجارية والاستثمارية، لتحظى بحصة كبيرة في تمويل مشاريع استثمارية جديدة، تبلورت أهمية هذه المشاريع وضرورة تنفيذها في «المنتدى العالمي الأفريقي للأعمال» الذي عقد في 1 و2 الجاري في دبي، عرضت خلاله التحديات وسبل التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي والقارة الأفريقية، وتسهيل ممارسة الأعمال بينهما، وكيفية التغلب على عوائق التجارة البينية والاستفادة من الخبرات الخليجية في هذا المجال.
وفي إطار الاستثمار الخليجي، تبرز أهمية «التمويل الإسلامي في أفريقيا»، وهو لا يزال في بداياته، وتمثل القارة السوداء 2.4 في المئة من الأصول المصرفية الإسلامية العالمية، ونحو 2.8 في المئة من أصول إدارة الصناديق الإسلامية بنهاية عام 2013. وتوفر الصكوك الإسلامية بديلاً متوافقاً مع أحكام الشريعة الإسلامية لسوق رأس المال التقليدية، ما يجعل منها أداة جاذبة للمصدرين المحتملين في أفريقيا وغيرهم من المستثمرين على حد سواء، ويمكن الاستفادة منها في دعم مشاريع في قطاعات مثل الطاقة والنقل، ومختلف مشاريع التنمية الأخرى. كذلك يوفر التمويل الإسلامي للمؤسسات الحكومية آلية بديلة لتمويل دعم حاجات الإنفاق الرأسمالي في البلاد.
ويستدل من كل ذلك، على أن الاستثمار الخارجي الذي يدخل إلى دول أفريقيا، هو الأساس في عملية نموها الاقتصادي، وبالتالي فإن خطر انتشار مرض «إيبولا» سيكون عاملاً سلبياً، يدفع الشركات الأجنبية والمتعددة الجنسية، وحتى الاستثمار الخليجي والإسلامي إلى التريث، ما يؤدي إلى ركود اقتصادي وانخفاض الناتج المحلي. كما أن الاستهلاك بدوره سيتأثر، لأن المستهلك يكون في حالة ترقب وحذر مما سيحصل. وحتى لو كانت لديه قدرة على زيادة استهلاكه، فهو يميل في مثل هذه الظروف إلى الادخار وتخفيف الشراء، ما سينعكس سلباً على اقتصادات دول أفريقيا.