كتب الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي العلامة السيد محمد علي الحسيني: يمکننا النظر الى العلاقات السعودية _الايرانية، بأنها تمثل واحدة من أهم وأکثر المواضيع حساسية وأهمية من حيث تأثيراتها وتداعياتها المتباينة على مجمل الخط والمسار العام للأحداث في المنطقة، ولاغرو من أن هذه العلاقات التي وضعت على صفيح ساخن لها أهميتها الاستثنائية لدى مختلف دوائر القرار في المنطقة والعالم، كمؤشر لقياس التوازنات وكترجمة للعلاقات الدولية. وأكتسبت هذا العلاقات زخماً متزايداً من الأهمية بفعل ازدياد الملفات التي تربط الطرفين السعودي والإيراني.
لعل إلقاء نظرة متفحصة ومن خلال المتابعة الدقيقة والمتزايدة للمجريات والتطورات الحاصلة على کل من الدورين السعودي والايراني منذ التغيير الذي حصل في إيران في عام ١٩٧٩، والذي أعقب السقوط المدوي لنظام الشاه، جميعها تؤکد لنا بأن دور الجانبين آخذين في التوسع والاضطراد وانهما يکتسبان رويدا رويدا تأثيرات إقليمية ودولية ليس من الهين جدا تجاهله او الاستهانة بها.
الدور السعودي، وخصوصاً منذ اواسط العقد السابع وبدايات العقد الثامن من القرن الماضي، مرّ بمرحلة صعود ملفت للنظر من منظور جيوسياسي، بحيث برز حجماً واکتسب وزناً وزادت أهميته الاستثنائية على مختلف الأصعدة؛ ومن جملة انجازات المملكة العربية السعودية هو الدور الايجابي الذي تلعبه في لبنان لتهدئة الاوضاع بعد الحرب الأهلية الطاحنة التي شهدتها وكانت النتيجة اتفاق الطائف المشهور والمشكور.
كما لا يمكن إلا التذكير بالدور الدائم الذي لعبته الرياض على خط تنقية الاجواء العربية لتعزيز التضامن العربي من جهة ولدرء المخاطر الدولية عن العرب من جهة أخرى. وبالنسبة للقضية الفلسطينية التي تبنتها السعودية منذ عهد المغفور له الملك عبد العزيز، كا للمملكة الدور المتقدم في طرح كل ما من شأنه إخراج القضية من النفق المظلم ومنها مشروع الملك فهد عام ١٩٨٢، والخاص بإقامة سلام دائم وعادل يضع حداً لاحتلال الأراضي العربية. لم يكن كل ما ذكر سوى غيض من فيض ما جادت به العربية السعودية على المنطقة ودفع بالرياض لبتوء مکانة مرموقة في صدارة الأحداث بحيث باتت ممراً الزامياً للسياسة الاقليمية لا يمكن تجاهله وكان على الأخصام كما الأصدقاء أنّ يعرجوا على عاصمة السعودية.
فعالية الدور السعودي ساهمت ولازالت في إستتباب الامن والاستقرار في الإقليم، ما يحقق توازناً إيجابياً مفيداً ومثمراً لصالح العرب والمسلمين وکافة بلدان العالم الثالث.
والمملكة في ذلك لا تعتبر لاعباً يؤدي أدواراً ظرفية أو مرحلية، بل أن سياستها باتت ضرورة للوقوف في وجه طموحات عابرة للحدود، من خلال رؤى عملية على مستوى دولي. المقاربة السياسية للعربية السعودية أثبتت أنها مبنية على أسس راسخة ومتينة وتمتلك أرضية ودعامات إقتصادية واجتماعية وفکرية ما منحها ثباتا وقوة يؤهلها لکي تبقى في الساحة کطرف استراتيجي مهم لايمکن تجاهله او التغاضي عن قوة وأهمية حضوره وتأثيره. والعامل الذي جعل الدور السعودي يکتسب مصداقية وثقة کبيرة على مختلف الاصعدة، هو انه دور ذو أبعاد واضحة المعالم وله خطوطه ومبادئه وأبجدياته الاساسية في التعامل والتعاطي مع مختلف القضايا والاحداث، من دون أن يحمل أي أجندات خفية ومساع ظلامية.
مقابل التقدير العالمي للدور السعودي، کان هذا الدور محط إهتمام ومتابعة النظام الايراني الجديد الذي أعقب نظام الشاه، ولاسيما وان هذا النظام عقد العزم ومنذ الايام الاولى لقيامه، على اداء دور إقليمي يتجاوز ويغطي على کل الادوار الاخرى، خصوصا المتعلقة منها بالاسلام. وبناء عليه، کان من البديهي أن يصطدم هذا النظام بالدور السعودي الواضح ويسعى بکل جهده وامکانيته لکي ينتزع منه مکانته وموقعه المتميزين ويدفعه الى الانزواء طمعا في إستغلال تلك المکانة لفرض إملاءات جديدة للنظام الايراني الجديد يؤهله کي يکون اللاعب الاساسي في المنطقة. وما كان جلياً للمراقبين هو أن طهران كانت تمد يدها نحو الرياض فيما أيديها الأخرى كانت تعمل في الخفاء وفي العلن؛ فمنذ عهد هاشمي رفنسجاني وصولاً الى أحمدي نجاد، قام جميع رؤساء الجمهورية الإيرانيين بزيارة واحدة على الأقل الى المملكة. بالمقابل، ومنذ اعوام عمره الاولى، لم يعدم النظام الإيراني اي فرصة سانحة لخلق فرصة تسمح بتمرير مشروعه (السياسي ـ الفکري) من خلال نظام ولاية الفقيه. وقد رفع الملالي في حينه شعار “تصدير الثورة وتصدير الدعوة” إلى بلدان الجوار الإيراني خصوصاً العربية منها والمملکة العربية السعودية على رأسها، ويليها مملكة البحرين ودولة الكويت والعراق وصولاً الى الأبعد أي اليمن وسوريا ولبنان، متوسلين بذلك ضخاً فكرياً وتعبئة مذهبية. لكن هذا الشعار البائس لتصدير الثورة قد سقط بعد حين على يد من حاولوا نسجه، بعد أن افتضح على حقيقته باعتباره تصديراً للفوضى ولعدم الإستقرار في المنطقة، وبعد أن أسقط في يد “دعاة التصدير” حين فشلوا في إعداد الأرضية اللازمة لجعل هذا النظام الاقوى والاعلى کعباً ونفوذا في المنطقة. إذاً لم يكن “تصدير الثورة” في سبيل الثورة، هو جسر عبور لمدّ نفوذ “الشاه المعمم” في ايران، ما يتيح له لاحقاً الإقدام على مقايضة مجزية مع الغرب تطلق يده في الخليج كي تعود لإيران مكانة “الشرطي الخاص” بالغرب.
وقد کان جليا الدور الايراني في دعمه الميليشيات المرتبطة به في العراق وسوريا ولبنان والدعوات التحريضية للحوثيين في اليمن ولشيعة البحرين ولسكان المنطقة الشرقية، والإدعاء بأن إيران هي حاميهم الوحيد وعليهم الحراك من أجل الانفصال كي يشكلوا كيانات مستقلة مدعومة مباشرة من طهران.
حتى هذه اللحظة، لا زالت هذه الدعوات قائمة ويجري التخطيط لتنفيذها من قبل نظام ولاية الفقيه من خلال سياسات مزجت بين الأضداء لإضفاء مساحة کبيرة من الغموض والضبابية على الدور الايراني بعد الشاه حتى يومنا هذا، ولرسم علامة استفهام کبرى في الذهن العربي والاسلامي.
وعلى نقيض هذه السياسات البهلوانية، ومنذ الايام الاولى لإستقرار النظام الايراني، سعت المملکة العربية السعودية الى إتباع نهج ثابت وواضح مقارنة بالنظام الايراني تجلى في إتباع سياسة غلبت عليها الحکمة وتوشحت بمنطق عقلاني رشيد. فالمملكة لم تنساق او تنفعل للتصرفات الصبيانية للحجيج السياسيين المرسلين من طهران أجل غاية لاعلاقة لها بالدين الاسلامي.
ولأنّ نظام طهران لم يکن بإمکانه الاستمرار في نهجه السقيم المشوه هذا، طفق يرسم سياسات جديدة تتسم بخبث غريب من نوعه من خلال تشکيل خلايا إرهابية وإجرامية مثل داعش واخواتها داخل بلدان المنطقة – ومن ضمنها المملکة ذاتها – وكذلك من خلال حث ودعم وتوجيه جماعات ارهابية للهجوم على البحرين وأرض الوحي والرسالة أي السعودية. هذه السياسة الايرانية من شأنها أن تبعث على القلق والتوجس العربيين من النوايا الايرانية وعلى الرغم من أن الاجهزة الامنية العربية لم تأل جهدا في مطاردة وکشف هذه الخلايا الضالة المضلة العميلة. لکن، و بناءً على تحليلات وتفسيرات ودراسات العديد من المحللين والمراقبين السياسيين ، فإن الخلايا الارهابية النائمة استيقظت الان في بعض من البلدان العربية المهمة والحساسة سيما الخليجية منها وعلى رأسها المملکة العربية السعودية ومملكة البحرين، وهي الان تمثل تهديدا جدياً قائماً وهي بمثابة القطار المخفي الذي حجبه قطار اليمن و من الممکن جدا أن يحركه النظام الايراني في الوقت المناسب.
إننا في المجلس الاسلامي العربي، نرى أن نظام ولاية الفقيه الإيراني الذي يؤکد دوما ان داعش وحدها هي التهديد الحقيقي وأنه ليس هنالك خلايا نائمة له في الخليج العربي,وان الأمر ليس سوى مؤامرة (أمريکية ـ صهيونية) موجهة ضده.
لا يبدو أن هذا الإدعاء “النظري” لطهران بامکانه نزع اليقين “الواقعي” من الذهن العربي حيال ذلك، وان دعوته البلدان العربية وعلى رأسها المملکة العربية السعودية للتعاون المثمر معه من أجل بناء علاقات على مختلف الأصعدة تخدم آمال وتطلعات شعوب المنطقة، هي دعوة حق يراد بها باطل وهي غير جدية وتفتقر للمصداقية المطلوبة في وقت لم يعد يخفى على أحد التدخل الايراني في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وخاصة في سوريا واليمن والعراق والبحرين.
ولذا نحن ندعو نظام الولي الفقيه وجميع ملحقاته بأن ينسحب فوراً من سوريا ولبنان والعراق ويکف يده عن دول المنطقة ويتخلى عن سياسة استغلال وغسل أدمغة الشيعة العرب وبعض السنة بمنطقه الخبيث من أجل نواياه التخريبية الخاصة. وبالرغم من عدم ثقتنا بامكانية تلبية دعوتنا، فإنّه من الواجب أن ندعو ايران لاتباع خط سياسي عام يتسم بالوضوح والشفافية حيال العرب. ولذا، فالکلام عن علاقات إيرانية ـ سعودية بناءة ومثمرة تصب في مصلحة شعبي البلدين وشعوب المنطقة، كما يحلو لممثلي الولي الفقيه الإيراني، لهو محض کلام لا طائل من ورائه، وكما جاء في الآية الكريمة “كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون”.والله من وراء القصد عليم.