IMLebanon

منتهكون مصرفيون أم لصوص؟

HackerBank
محمد كركوتي
تمضي حملة فرض غرامات هائلة على المصارف إلى الأمام. ولا سيما تلك التي أدينت أو اتهمت بانتهاكات هائلة أيضا، لأموال المودعين وللقوانين المصرفية المرعية. وهي ليست كتلك الغرامات (العالية أيضا) التي فُرضت على المصارف المدانة بتبييض الأموال، وخرق العقوبات الدولية المفروضة على حكومات مارقة حول العالم. علما بأنه قد تجد مصرفا متورطا بكل بالانتهاكات جميعها، وهي مصارف ذات أسماء رنانة “موسيقية” في سماء عالم المصارف والمال. “إتش إس بي سي”، “مورجان ستانلي”، “بنك أوف أمريكا”، “ستي بنك”، وغيرها من تلك التي وصلت موجوداتها في يوم من الأيام، إلى مستويات فاقت ميزانيات بلدان مجتمعة، بل بلغت حدا فرضت معه معاييرها على الحكومات المنتخبة في بلدانها!
ومع مضي الحملة على المصارف التي تلاعبت بأموال مودعيها، وبسوق العملات، وبقطاع الإسكان، وبأفخاخ صناديق التحوط، وعملت “البحر طحينة”، يظهر سؤال كبير في المشهد العام، على الشكل التالي: هل تتعلم المصارف من الغرامات أم من القوانين؟ وقد يكون السؤال مناسبا أكثر بهذا الشكل: هل تعلمت المصارف حقا؟ لا شك في أن الهجمات الحكومية عليها – ولاسيما في الولايات المتحدة – كبيرة ومتصاعدة، وهناك حكومات بدأت بالانضمام إلى هذه الحملة في بلدانها، وعددها يتزايد أيضا، خصوصا على الساحة الأوروبية التي تشهد يوما بعد يوم، تخلي مصرفها المركزي عن لغته الدبلوماسية، فيما يرتبط بالسؤال الذي تطوعت الحكومات بتوجيهه لأنفسها، لحل معضلة مقولة تاريخية مروعة، تُطرح عادة بهذه الصيغة “يجب عدم السماح للمصارف الضخمة بالانهيار”.
حسنا، ولكن كيف يمكن عدم السماح بانهيارها؟ والأهم، كيف يمكن إبقاء الأموال العامة بعيدا عن عمليات الإنقاذ؟ بمعنى آخر، هل يمكن إنقاذ المصارف الضخمة، دون أن يُجبر المتضرر منها على إنقاذها؟! الحكومات الغربية وجدت “الحل”، وهو يستند إلى إجبار هذه المصارف على احتياطي رأسمالي على شكل سندات وأدوات مكافئة، بما يعادل نسبة معينة من أصولها التي تستهدفها المخاطر. لكن الأمر ليس بهذه السهولة. فبعض بلدان مجموعة العشرين (على سبيل المثال)، طالب بمرونة في القوانين الجديدة، خصوصا بعدما تحولت قضية المصارف الكبرى وحتى المتوسطة، إلى مسألة عالمية، تنال في الدرجة الأولى من البلدان التي اتخذت زمام المبادرة الاقتصادية، في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت عام 2008.
الأوروبيون يعتقدون أن الاحتياطي الرأسمالي للمصارف المعنية الذي يصل إلى 16 في المائة، لا بأس به. غير أن ذلك لا يقلل من صعوبة وصول المصارف إلى هذا المستوى من الاحتياطي. ولهذا فإن الأمر لم يحسم بعد، وترك لما أطلق عليه “محاكاة” ستتم في نهاية العام المقبل. وإلى أن يتم ذلك، فإن دافعي الضرائب سيظلون المنقذين الحقيقيين للمصارف التي ترتكب الأخطاء، والأهم، تلك التي ترتكب الانتهاكات والتجاوزات والسرقة والتلاعب، وتضع أموال المودعين فيها في دائرة الخطر، عن طريق ممارسات استثمارية عالية المخاطر. يضاف إليها، “الاستشارات” المضللة التي تقدمها المصارف للمستثمرين، على أمل في إقناع هؤلاء بموافقات سريعة، على عمليات استثمارية تهدد ما يملكونه من أموال.
وعلى الرغم من كل الفضائح، بل والعمليات الاستثمارية السافرة جدا، لا يزال بعض المصارف مستمرا في مواصلة بعض السياسات المالية التي أدت إلى كوارث. هم يقولون عنها “سياسات”، ولكنها في الواقع مصائب تنال من المودعين مرتين. في الأولى، عندما تتبخر أموالهم في عمليات خطيرة وأحيانا غير مشروعة، والثانية، عندما يضطرون إلى إنقاذ مدمرهم المالي، عبر الضرائب التي يدفعونها للموازنات العامة في بلدانهم. فعلى سبيل المثال، لم تنفع في بعض المصارف، “استغاثات” صندوق النقد الدولي، بحتمية وقف التلاعب بالعملات. والصندوق يعرف أكثر من غيره، أن هذا التلاعب ينال في الدرجة الأولى من الانتعاش الاقتصادي العالمي الهش. لقد عثر أخيراً على عشرة مصارف (مثل باركليز، ودوتشيه بنك، كريدي سويس، جي بي مورجان بي إن بي باريبا.. وغيرها)، لا تزال في خضم التلاعب بالعملات!
المفزع، أن هذه المصارف بدأت بعقد صفقات مع الحكومات لدفع غرامات مقابل عدم تقديمها للقضاء. واللافت، أن هذه الحكومات تفضل الغرامات عن أي شيء آخر، مما يجعل جهودها في تطبيق قوانين مصرفية جديدة مشددة عرضة للتآكل، وفي أفضل الأحوال، عرضة للالتفاف حولها. لا شك أن الحملة ضد المنتهكين المصرفيين جدية. فالحكومات نفسها لم تعد قادرة ماليا على إنقاذ المصارف بسلاسة. وإذا ما تعاطت السلطات المختصة مع بعض المسؤولين عن المصارف كلصوص، فإنها تستطيع أن تحقق قفزات نوعية في حملتها الشاملة، وتكسبها زخما قويا على الساحة العالمية. لقد أثبتت التجارب، أنه ليس من السهل تطويع المصارف بالغرامات. فحتى في أعقاب انهيار آلاف المصارف حول العالم، وجد القائمون عليها منافذ لتحقيق المكاسب غير المشروعة. وإذا لم تتحول الحملة إلى حرب، ستبقى أبواب هذه المنافذ مشرعة، أو على الأقل مواربة.