Site icon IMLebanon

الوَضع المالي في لبنان 2015: ضرائب أكثر ورواتب أقلّ

Joumhouriya-Leb
أنطوان فرح
من حيث المبدأ، كان السبب المُعلن والمباشر لوَقف مشروع سلسلة الرتب والرواتب في المجلس النيابي، وإعادَته الى اللجان، اعتراض السِلك العسكري على الغبن الذي لَحق به جرّاء الهندسة النهائية التي رَسَت عليها «السلسلة». وقد حرص الرئيس بري، عقب تأجيل إقرار المشروع، على التأكيد بأنّه لم يؤجّل «السلسلة» كَرمى لعيون الهيئات الاقتصادية، كما قد يتوهّم البعض.

في موازاة موقف السلك العسكري من «السلسلة» بصيغتها المقترحة، لا بد من تسجيل معوقات أخرى، ليس من المُعيب الاعتراف بأنّ المسؤولين أخذوها في الاعتبار ايضاً، عندما قرروا تأجيل «السلسلة»، بل من المُشين الادّعاء انّ هذه الاعتبارات لم تكن موجودة في حسابات المسؤول، عندما قرّر الترَيّث في الاقدام على خطوة ستؤدي الى الحقائق التالية:

أولاً- أزمة نفسية ومعنوية لدى الاسلاك العسكرية، في ظروف تحتاج فيها الى جرعات إضافية من الدعم والتعاطف والتعاضد.

ثانياً- مشكلة معقدة مع قطاع التعليم الخاص، حيث سيصبح المعلّم أمام خيارَين: إمّا الخضوع للأمر الواقع، مع ما يَعنيه ذلك من انهيار معنوي قبل المادّي، وإمّا النزول الى الشارع وتعطيل العام الدراسي وهو ما يزال في مَطلعه.

ثالثاً- أزمة واضحة جديدة مع القطاع الخاص بشِقّيه: أرباب العمل والعمّال. وقد أعطى رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن إشارة الانطلاق للمطالبة بتصحيح جديد للأجور في القطاع الخاص، قبل الجلسة النيابية بـ24 ساعة.

في المقابل، أعطَت فعاليات في الهيئات الاقتصادية ملامح المخاطر، والتي اعتبرها البعض تهديداً مُبطّناً، عندما أشارت الى انّ إقرار السلسلة، وما قد يرافقها من ضرائب ورسوم، قد تزيد الركود وتشجّع المؤسسات على الاتجاه أكثر نحو استبدال اليد العاملة اللبنانية بالعمالة السورية الأرخص، لزوم الصمود.

رابعاً- ضرائب ورسوم اضافية تطاول في قسم منها أصحاب الدخل المحدود.الى هذه النتائج المتوافَق عليها من قبل الجميع، بمَن فيهم أرباب العمل والعمال، هناك نتائج إضافية هي موضع نقاش، لكنها تقترب من كونها حقائق، حتى لو اختلف الاطراف على توصيفها انطلاقاً من مصالح كل فريق.

وعلى سبيل المثال، فإنّ الضرائب والرسوم المقترحة في السلسلة، باستثناء زيادة الضريبة على القيمة المضافة، قد لا تكون دقيقة في تقدير حجم الواردات، بما يعني انّ معالجة الخفض المتوقّع في عجز الموازنة لن يتم، وستتعرّض الموازنة الى ضغوطات اضافية.

في هذه الحالة ستكون الحكومة أمام خيارين أحلاهما مرّ. إمّا أن تترك الوضع على ما هو عليه وتسمح بزيادة العجز في الموازنة الذي وصل الى مستويات قياسية في الأشهر الماضية من العام 2014، بما يعني انّ المالية العامّة ستدخل دائرة الخطر الاضافي.

ولا بد من الاشارة هنا الى انّ العجز المُقدّر للعام 2014 قد يزيد عن 5 مليارات دولار، أي ما يوازي 12 في المئة من الدخل القومي، وهذه نسبة غير مقبولة في مقاييس سلامة الاوضاع المالية للدوَل، وستُعرّض البلد، في حال استمرارها أو تفاقمها، الى خفض تصنيفه الائتماني.

والخيار الثاني لتحاشي العجز الإضافي سيكون عبر العودة الى فرض ضرائب جديدة مباشرة على الناس، على اعتبار انّ الضرائب غير المباشرة لم تعط النتائج المرجوّة، بسبب الركود الاقتصادي. وفي هذا الوضع، ستزيد الضغوطات على أصحاب الدخل المحدود، وستتحوّل الأزمة الاقتصادية الى أزمة اجتماعية ذات مفاعيل سلبية تطاول مرافق الحياة العامة كلها.

كما أنّ احتمال طرح فرضية تعديل «السلسلة» لإعطاء القطاع التعليمي الخاص حقوقه، وفصل سلسلة رواتب الاسلاك العسكرية عن القطاع العام، سيزيدان الضغوطات المالية على الدولة وأصحاب الدخل المحدود، اذ إنّ فصل الاسلاك العسكرية عن القطاع العام سيزيد الانفاق على الرواتب من قبل الخزينة. وإعطاء أساتذة التعليم الخاص السلسلة، يزيد الاقساط المدرسية والضغط على ذوي الدخل المحدود.

في كل الاحوال هذه الدوامة التي تبدو من دون قَعر ومن دون سقف، لا يمكن الخروج منها لا بإقرار السلسلة ولا بتأجيلها وبقاء الوضع على ما هو عليه. واذا كان صندوق النقد الدولي قد توقّع أن يبلغ العجز في الموازنة في لبنان نسبة 11,5% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2014، و10,2% من الناتج المحلي في العام 2015، فإنّ هذه التوقعات مبنية على أساس موازنة أكثر تقشّفاً في العام 2015.

هذه الحسابات التي اعتمد عليها الصندوق مُقتبسة من تعهّدات قدّمها مسؤولون لبنانيون في شأن الخطط الموضوعة لخفض العجز. لكن في حال تبيّن انّ الحكومة غير قادرة على الوفاء بتعهداتها، فهذا يعني انّ أرقام العجز المقدّر سوف ترتفع، وسيواجه البلد أزمة مالية واقتصادية معقدة.

في النتيجة، تشير المؤشرات الى انّ الحل الوحيد سيكون من خلال اعتماد ضرائب جديدة ستطاول بشكل أساسي ذوي الدخل المحدود، وستتراجع القدرات الشرائية للناس، بما يعني عملياً ارتفاع منسوب الفقر، واضمحلال إضافي للطبقة الوسطى في البلد.