رائد الخطيب
قضية اكتساب غير اللبنانيين حقوقا عينية عقارية في لبنان، هي قضية تهم المجتمع برمته، رغم انها ظاهرة غير جديدة. فمنذ أن نفّذ القانون بالمرسوم الرقم 11614 تاريخ 4/1/1969، ورغم التعديلات التي ادخلت عليه وآخرها في 20 آذار 2001 لناحية نسب تملك الأجنبي للأراضي في لبنان والرسوم وغيرها، إلا إنه بقي من القوانين التي تخيف الكثير من اللبنانيين، وتجعلهم مشككين بجدواه وبمدى فعاليته لجهة تملك الأجانب للأراضي على كامل مساحة البلاد، باعتبار أن الأرض هي من أسس مكونات الوطن.
وإذا كان لا بد في كل مرة عند قيام المشرع بتنظيم الملكية على أرض الوطن سواء بين المواطنين او لجهة تملك الأجانب، يخالف في تنظيمه بعض العهود الدولية، غير أن هذا الأمر إنما يواجهه المشرعون بمبدأ المحافظة على الأرض وبالتالي على الوطن.
ويعتبر حق الملكية حقا مقدسا ونصت عليه المادة 17 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والتي تؤكد على أنّ «لكلّ شخص حق التملّك بمفرده أو الاشتراك مع غيره، ولا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسّفاً». ورغم أنّ لبنان وقع على الكثير من المواثيق الدولية، واهمها شرعة حقوق الانسان الصادرة في لعام 1948، الا انه من المُتّفق عليه أنّ هذه المواثيق الدولية المنصوص عليها صراحة في مقدّمة الدستور تؤلّف مع هذه المقدمة والدستور جزءاً لا يتجزّأ، وتتمتّع معاً بالقوّة الدستورية. لكن للمشترع حق الخروج عنه عندما تقضي بذلك مصلحة عليا.
ورغم ما تقدم، الا انه يصعب الجزم بوجود حقّ مطلق، لأنّ معظم الحقوق تمارس ضمن قيود وضوابط تهدف إلى تحقيق مصلحة عامة، ما يفسر حاجة الدول الى تنظيم عمليات بيع الاراضي ضمن مساحتها سواء للأجنبي أو حتى للمواطن.
واذا كان موضوع تملك الأجانب في لبنان حقوقا عقارية عينية، قد أثار في الآونة الأخيرة جدلاً واسعا، ولقي إهتماماً كبيراً، فما ذلك الا لما له من أثر على الديموغرافية في لبنان.
لقد سمح قانون تملك الأجانب الصادر في 20 آذار 2001 للأجنبي بتملك نسبة في المئة، من المساحة الإجمالية في لبنان بغض النظر عن الموقع الجغرافي، ضمن الشروط التالية: لا يمكن للأجانب الحصول على أكثر من في المئة، من المساحة الإجمالية للقضاء، باستثناء واحد هو مدينة بيروت، حيث يسمح للأجانب بامتلاك ما يصل إلى في المئة، من المساحة الإجمالية للعاصمة.
ومؤخرا، ادخلت لجنة الادارة والعدل تعديلات على قانون اكتساب غير اللبنانيين حقوقا عينية عقارية في لبنان، ادت الى «إزالة الثغرات في القانون الحالي منعا للالتفاف على أحكامها»، كما جاء في بيان صادر عنها على ان تتابع عملها في جلسة لها في الثامن من الجاري بحيث لم يتبق أمامها سوى نقطتين. ومن ابرز التعديلات التي تم ادخالها:
1- حدّدت المادة الأولى من هذا القانون شروط اكتساب غير اللبنانيين حقوقاً عينية عقارية في لبنان، بحيث يجب على الأجنبي، غير اللبناني، الذي يريد أن يمتلك حقوقاً عينية عقارية في لبنان أن يحصل على ترخيص من مجلس الوزراء يصدر بموجب مرسوم بناء على اقتراح وزير المالية، يحدد في هذا المرسوم وفق ما تنص عليه المادة الاولى معدلة، الغاية من نقل الملكية وتسجل هذه الغاية على الصحيفة العينية للعقار عند نقل الملكية، وذلك بعد اطلاع المجلس على راي اللجنة الخاصة باكتساب الأجانب والمؤلفة من:
– مدير عام الشؤون العقارية ، رئيساً
– أمين السجل العقاري في المنطقة العنية، عضواً
– رئيس دائرة تملك الأجانب،عضواً
ويعتبر انشاء اللجنة الخاصة باكتساب الأجانب حقوقا عينية خطوة مهمة، لناحية الرأي الواجب على مجلس الوزراء الاطلاع عليه قبل إصدار أي مرسوم يتعلق بتملك الأجنبي أي حق عيني في لبنان. مع الاشارة هنا الى ان رأي اللجنة ليس الزاميأ، فالمادة التاسعة أبقت السلطة لمجلس الوزراء بقبول منح الترخيص أو رفضه. وتوسعت هذه المادة بتحديد المستندات الواجب توافرها للتقدم بطلب الاستحصال على الترخيص. كذلك، لحظت المادة الأولى موضوع منع الاكتساب الذي يتعارض مع احكام الدستور لجهة رفض التوطين، والذي يشكل الهاجس الأكبر لدى كافة أطياف اللبنانيين.
2 عمدت لجنة الادارة والعدل الى الحد من المضاربات التي يقوم بها اشخاص معنويون لا يملك كامل الحصص فيها أشخاص طبيعيون لبنانيون، اذ فرضت المنع من التفرغ لحصصهم لغير اللبنانيين ولغير الشركات اللبنانية الصرف، وأضاف الحظر على هذه الشركات إصدار شهادات ايداع عمومية أو حقوق مالية وغيرها من الأدوات المالية المتعلقة بالأسهم، كما شمل مفهوم منع اكتساب الحقوق شركات الملك أو شبه الشركة القائمة على عقار معين تزيد فيه ملكية الشركاء غير اللبنانيين عن ثلاثة آلاف متر مربع، وعلى المؤسسات والهيئات الأجنبية حتى لو كانت لا تبغي الربح، وفي هذا خطوة مهمة لناحية عدم التحايل على القانون.
3 – عمدت اللجنة في المادة الرابعة الى تعديل مدة حق الانتفاع وحق الايجار العادي، الذي يوجب اكتسابه الاستحصال على ترخيص، بحيث بات عشرين سنة بدلا من عشر. والواقع أن حق الايجار الطويل المدى كان من ضمن المطالبات العديدة التي رأت فيه بديلا عن البيع خاصة في ما يتعلق بالاستثمارات، ما دفع باللجنة الى زيادة المدة المنوه عنها أعلاه.
4- أحسنت اللجنة في المادة السادسة حين حددت أنه لا يجوز لغير اللبنانيين أن يكتسبوا أي حق من الحقوق العينية العقارية في مناطق الحدود كما قامت بتحديدها، ذلك أن هذا المنع لم يكن ملحوظا في القانون السابق رغم أهميته في تحديد حق الأجنبي باكتساب الحق العيني على الحدود، خصوصا لما للأمر من أهمية وطنية.
5 – إضافة الى ما تقدم، أعطى المشرع للمجالس البلدية، عدا بلدية بيروت، الحق بالحد من إمكان تملك الأجنبي في نطاق البلدية ما لا يتجاوز 15 في المئة، الأمر الذي يترك للمجلس البلدي في كل قرية حرية معينة في الحفاظ على الأراضي من عمليات البيع، بحسب ما اذا شكلت هذه العمليات خطرا على جغرافيا القرية او المدينة وديمغرافيتها، ولها حق عدم احتساب الأملاك العامة والمشاعات والمحميات من ضمن مساحة القرية او البلدة.
6 – حافظت المادة 11 على إلزام كل شخص طبيعي اكتسب حقاً عقارياً وفقاً لأحكام هذا القانون، أن ينجز تشييد بناء على الحق موضوع التملك في مهلة أقصاها خمس سنوات من تاريخ التسجيل، قابلة للتمديد مرة واحدة بقرار من مجلس الوزراء. وكذلك على كل شخص معنوي أن يخصّص العقارات موضوع التملك في الغاية التي من أجلها تملّك أو منح الترخيص خلال المهلة المذكورة. وفي سبيل عدم تهرب المالك من القيام بواجبه خلال المهلة المحددة، وضعت اللجنة عقابا له رسما يستوفى منه كغرامة قدرها 2 في المئة سنويا من قيمة العقار خلال مدة التمديد المطلوبة، ومثلها في المهل الاستثنائية، على ان تقدر قيمة العقار من قبل لجنة حددت رئيسها واعضاءها، وفي حال عدم التنفيذ بعد انقضاء المهل يلقى الحجز على العقار ويباع بالمزاد العلني وفقا للأصول. غير أن اللجنة ألقت على عاتق المالك المتلكئ واجبا تجاه الخزينة اللبنانية، ما يوازي الفارق بين الثمن الأصلي للعقار وملحقاته وثمن ما يكون قد بنى عليه، وبين ثمن العقار المحقق في المزايدة، وفي هذا ردع لتلكؤ البعض ودفع المالكين الى ضرورة تطبيق القانون وفي المهل المحددة. كما منعت المادة نفسها المالك الأجنبي أن يبيع الحق الذي اكتسبه خلال مهلة الانجاز الأصلية أو الممددة، وألزمت الأشخاص المعنويين تسوية أوضاعهم في حال انتقال الحصص بطريق الارث لغير اللبناني، بخلال سنتين تحت طائلة العقوبات ذاتها التي اقرتها على المالك الذي لا يتقيد بمهل الانجاز. أما المنع الأهم الذي جاء به المشرع في المادة 11 فهو ذلك الذي حظر فيه على كاتب العدل تنظيم عقد وكالة لصالح وكيل غير لبناني تخوله اكتساب حق عيني عقاري، كما حظر عليه في المادة 12 تنظيم وكالات غير قابلة للعزل على أي حق عيني عقاري لصالح موكل أجنبي.
وفي النهاية لا بد من التأكيد على ان القيود المطلوب دائما وضعها على قانون تملك الأجانب ليست إجراء انعزاليا، بل على العكس تماما فهي تعتبر من أهم واجبات الحفاظ على الوطن. وإذا كان حق الملكية هو حق مكتسب غير أن للحقوق ضوابط، فالقانون يأتي لينظم هذه الحقوق بما يتلاءم مع الدستور وبما يتلاءم مع حاجات المجتمع أيضاً، والأهم مع مصلحة الوطن العليا.. وهو الهدف من التعديلات التي ادخلتها لجنة الادارة والعدل.