تحذير مثلث الأضلاع أطلقته باتجاه لبنان خلال يومين أكبر المؤسسات الدولية في العالم، صندوق النقد والبنك الدوليين، وهو يتمحور أولاً حول تداعيات استمرار النزوح السوري الكثيف على المالية العامة والنسيج الاجتماعي، وثانياً المأزق السياسي المحلي المستمر الذي أفرغ الرئاسة الأولى من موقعها ويهدد بفراغ في السلطتين الاُخريين، أي التشريعية والتنفيذية، وثالثاً عدم تنفيذ لبنان الإصلاحات الهيكلية التي طال الحديث عنها من دون جدوى مع ما لها من أهمية حاسمة في تعزيز الثقة بالاقتصاد ومُناخ الأعمال وقدرة الحصول على التمويل.
توقعات النمو لم تتحسن كثيراً لهذه السنة قياساً بالنمو المحقق العام الفائت، مع بروز تباين غير كبير بين تقديرات المؤسستين. صندوق النقد يتوقع 1,8 في المئة نمواً للسنة الحالية، صعوداً من 1,5 في المئة التي حققها السنة الماضية، على أن يرتفع النمو، بحسب توقعاته، إلى 2,5 في المئة العام المقبل، على أن يصعد تدريجاً إلى 4 في المئة عام 2019. في حين لا يتوقع البنك الدولي نمواً يتجاوز 1,5 في المئة لعام 2014.
صندوق النقد
فقد حذر الصندوق النقد في تقرير عالمي فيه جزء عن لبنان، من أن المأزق السياسي الحاصل داخل لبنان مضافاً إلى تداعيات النزاع السوري، قد أضعف الثقة وقوّض النشاط الاقتصادي في هذا البلد.
ولفت التقرير إلى أن وجود عدد هائل من النازحين يعادل ربع سكان لبنان، يؤثر في الوضع الأمني، ويفاقم البطالة والفقر إلى مستويات مرتفعة، ويضغط على الوضع التمويلي العام الضعيف أصلاً.
كذلك، حذر التقرير من أن التعافي الهش في لبنان معرض لانتكاسات في ضوء التحولات السياسية والتوترات الاجتماعية والأمنية المكثفة، بما في ذلك تأثيرها في أسعار المحروقات وحركة النزوح وإرباك النشاط التجاري.
كما أن النمو الأقل من التوقعات في الأسواق الناشئة وأوروبا ودول مجلس التعاون الخليجي، يمكن أن يبطئ حركة السياحة والصادرات والتحويلات، بسحب التقرير إيّاه، الذي اعتبر أن الدول التي تتسم بمرونة محدودة لسعر صرف العملة، يمكن أن تواجه معدلات فائدة محلية أعلى عندما تصبح الظروف النقدية العالمية أكثر صعوبة، مع أن الاندماج المحدود في أسواق رأس المال الدولية يؤفر بعض الاستقلالية في السياسة النقدية.
ويرى الصندوق أن الإصلاحات الهيكلية من شأن تنفيذها أن تزيد النمو على المدى المتوسط، وتستحدث الوظائف، وتحسّن مستويات المعيشة والعدالة، علماً أن إصلاحات مناخ الأعمال والحوكمة، والحصول الأفضل على التمويل، والاندماج التجاري الأكبر (خاصة بالنسبة للمنتجات ذات القيمة المضافة الأعلى)، هي أمور حاسمة لتخفيض تكاليف تشغيل الشركات وزيادة فرص التوظيف.
ويضيف التقرير أن إصلاحات سوق العمل والنظام التعليمي، من شأنها أن تساعد في زيادة رأس المال البشري والإنتاجية، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر- تحقيق مواءمة أفضل بين التعليم والتدريب المهني مع احتياجات القطاع الخاص.
كما أن الجهود الرامية إلى الإصلاح المحلي يمكن أن تلقى دعماً من المجتمع الدولي عبر التمويل، وبلوغ أسواق التصدير الرئيسية، والمساعدة التقنية، والمشورة في مجال السياسات العامة.
ويشير التقرير أيضاً إلى أن السياسات المالية والاقتصادية الكلية، ينبغي أن تدعم النمو وأجندة سياسة هدفها تعزيز استحداث فرص العمل.
ويلفت الصندوق إلى الحاجة لضبط أوضاع المالية العامة، من أجل ترسيخ الثقة واستعادة استدامة الدين العام على المدى المتوسط. ويمكن لهذا الأمر أن يتم بوتيرة معينة حيثما يسمح التمويل.
ويعتبر التقرير أن إعادة التوجيه المستمرة للإنفاق على نحو مدروس جيداً باتجاه شبكات الأمان الاجتماعي والبنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية، هي مفتاح تحفيز النمو واستحداث الوظائف، ويمكن دعمها من خلال القدرة المعززة على التنفيذ وضبط النفس في مسألة زيادة الإنفاق على رواتب القطاع العام.
مع تحسن مستويات النمو، يمكن، بحسب التقرير، تعزيز العدالة والثقة بمناخ الأعمال، عن طريق توسيع القاعدة الضريبية وزيادة الدخل الضريبي تدريجاً وتطبيق إصلاحات على الدعم وتوسيع شبكات الأمان الاجتماعي على نحو مدروس.
البنك الدولي
بدوره، أعلن البنك الدولي ان اقتصاد لبنان لا يزال يتأثر بالتطورات السياسية والعسكرية الاقليمية، لافتاً الى ان الصراعات العنيفة في سوريا والعراق وغزة واليمن وليبيا وما لها من آثار على لبنان والأردن قد تلقي بظلال قاتمة على آفاق النمو الاقتصادي للمنطقة.
هذا ماجاء في أحدث تقرير للمرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لمجموعة البنك الدولي، والذي تناول مختلف التطورات في المنطقة. وفي ما يتعلق بلبنان، اورد التقرير النقاط التالية:
– ان ارتفاع وتيرة الحرب في سوريا واستمرار تدفق النازحين السوريين والمقدر اليوم بـ1,2 مليون نازح، قد أثرا سلبا على الاقتصاد. ورغم التحسن النسبي المسجل في قطاع السياحة وفي بعض الاعمال في منتصف العام، لا يتوقع ان ينمو الاقتصاد بأكثر من 1,5 في المئة في 2014. علما ان افق الحلول السياسية لا يزال مسدودا، وهو امر يحول دون انتخاب رئيس للجمهورية وقد يؤدي الى فراغ سياسي غير مسبوق في السلطات الثلاث.
– تواصل المالية العامة تدهورها في العام 2014: يتوقع ان يرتفع عجز الحكومة المالي الى 10,2 في المئة الى الناتج المحلي الاجمالي، مقارنة بـ9,4 في المئة العام الماضي. إضافة الى ذلك، فإن الميزان الاولي في العام 2014 سيسجل عجزا للسنة الثالثة على التوالي، بارتفاع يقدر بـ0,7 نقطة مئوية الى 1,2 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي. ونتيجة لذلك، يتوقع ان يرتفع الدين العام الكلي الى 149 في المئة من الناتج في العام 2014 مقارنة مع 143,1 في المئة في نهاية عام 2013. وقد مولت الحكومة العجز المالي الكبير من خلال اصدار سندات خزينة وسندات يوروبوندز.
– يبقى عجز الحساب الجاري مرتفعاً: يتوقع ان يبلغ عجز الحساب الجاري 8,3 في المئة من الناتج المحلي في 2014، كما كان عليه في السنتين الماضيتين. ولتلبية التوازن في ميزان المدفوعات، يبقى لبنان معتمدا على تدفق الرساميل والتي لا تزال مرتفعة جدا مدعومة من التحويلات والمساعدات الدولية للنازحين. وبنتيجة ذلك، فان حجم الاحتياط بالعملات الاجنبية (باستثناء الدولار) التي يملكها مصرف لبنان وصلت الى 31,7 مليار دولار في نهاية العام 2013 (ما يوازي 12,1 شهرا من الاستيراد) وبارتفاع 5,8 في المئة مقارنة مع ما كان عليه في نهاية العام 2012.
– يبقى القطاع المصرفي مستقرا كما العملة المحلية: ان التشدد في قوانين القطاعين الماليين ومقاربة نظام القطاع الخاص ساهم في المحافظة على قطاع مصرفي ذي رأسمال جيد وقوي ومتين رغم النمو الضعيف وتراجع تصنيفات وكالات التصنيف الاجنبية. كما ان الهامش الكبير بين معدلات الفائدة المحلية والاجنبية ادى الى تدفق الودائع الى القطاع المصرفي والمحافظة على مخزون سيولة قوية.
– توسع الازمة الاقليمية هو الخطر الاساسي للبنان: ان المشاكل السياسية الداخلية تمنع لبنان من مواجهة هذا الخطر. وبنتيجة ذلك، فان ميزان المخاطر يميل الى الجانب السلبي. كما ان الاثار غير المباشرة للازمة السورية لا تزال تشمل عائقا امام النمو. ان ميزان المخاطر لتوقعات النمو لا يزال يميل الى الجانب السلبي.
وعن هذا التقرير، قالت نائبة رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إنغر أندرسن ، «إن الصراعات العنيفة في سوريا والعراق وغزة واليمن وليبيا وما لها من آثار على لبنان والأردن قد تلقي بظلال قاتمة على آفاق النمو الاقتصادي للمنطقة. لكن الإمكانيات الهائلة للمنطقة شبابها المتعلمين وموقعها الاستراتيجي وثرواتها الطبيعية تُحتِّم على المجتمع الدولي أن يتكاتف لمساندة التعافي مثلما فعل عام 1944، حينما كانت أوروبا غارقة في الصراعات».