هديل فرفور
لم تكن الخشبة التي تحملها تلك السيدة الستينية عكازها الذي تتكئ عليه، بل لافتة جهدت في اسنادها ورفعها عاليا لتطالب بحقها في السكن! حالها كحال غيرها من المستأجرين القدامى الذين اعتصموا، أمس، في شارع الحمرا رفضا لقانون الإيجارات الجديد، تلبية لدعوة «لجنة متابعة المؤتمر الوطني لحقوق المستأجرين القدامى» المطالبة بتعديل القانون.
ليست المرة الاولى التي ينزل فيها المستأجرون القدامى الى الشارع. تكرار المشهد «المهين»، يُثبت أن الدولة «الوقحة» ليست مسؤولة عن أرق التشريد الذي يلازم هؤلاء فحسب، بل تتحمّل وزر إظهارهم «ندّا» لشريحة أخرى من المواطنين. وعوضا من أن تكون الراعي الاجتماعي لهاتين الشريحتين، تكتفي بـ»الفرجة» على نزاع أهلي سينفجر حتما إذا لم يتحمّل المسؤولون واجباتهم في إقرار سياسة سكنية تكون منصفة وعادلة للمواطنين.
السكن له قوة دستورية
توازي حق الملكية
على الرغم من ان قانون الإيجارات الجديد لا يعني المالكين والمستأجرين القدامى فحسب، ذلك أنه متعلق بجميع المواطنين أيضا، الا أن ثمة خطأ شائعا يختزل هذا الصراع بينهما، فيتم تصوير «المعركة» على انها بين هاتين الجبهتين حصرا، كأن بقية الشرائح غير معنية بهذا القانون. أحد من المارين في شارع الحمرا لم يتصرّف، أمس، على أنه معني بهذه القضية. منهم من اكتفى بالتصوير ومنهم من ضحك من حماسة المحتشدين في الهتاف والتنديد، ذلك أن غالبيتهم كانوا من كبار السن الذين فاوضوا القوى الأمنية وصرخوا بحناجرهم ورسموا مشهدا ظريفا، ولكنه مؤلم.
قد لا يكون أولئك المارة من بين الـ180 ألف عائلة المهددة بالتشريد في حال نفاذ القانون في 28/12/2014 (انتهاء المدة المحددة)، وقد لا يكون العم عدنان (72 عاما)، الذي لا يملك بديلا عن بيته وليس لديه من يعيله، مدركا انهم لا يعون ان قانونا يجيز تحرير عقود الإيجارات في هذه الظروف الراهنة (في ظل غياب سياسة إسكانية واضحة) سيكون كارثة حقيقية، قال ان «المدينة ستصبح للأغنياء والمضاربين العقاريين»، وهو ما ردده ايضا رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين كاسترو عبد الله في كلمة وجهها للمعتصمين.
لفت عبد الله الى خطر «الفرز الطائفي والديمغرافي والطبقي» الناجم من اعتماد هكذا قانون. قال «اليوم دور المستأجر بكرا دور المالك الصغير»، لافتا الى أن «السماسرة العقاريين وحدهم المستفيدون من هذا القانون».
يلفت رئيس لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين في فرن الشباك انطوان كرم الى بدل المثل الذي يفرض 5% من قيمة العقار. «ما في شقة اقل من 250 ألف دولار، هل من المعقول ان يتكبّد المستأجر كلفة دفع ايجار 15 الف دولار سنويا؟»، يضيف كرم ان هذا القانون في حال نفاذه « كما يصر المالكون على التهويل والترويج له، فإنه سيتسبب بنزاع أهلي حتما، وبالتالي يترتب على المجلس النيابي ان ينعقد لايجاد بديل عادل».
«القانون الأسود ما رح يمرق»، كرر المحتشدون هذا الشعار، وطالبوا المجلس النيابي بتعديله تداركا لتداعياته الكارثية على الكثير من المواطنين، فيما تقدم بعض المستأجرين بكتاب مفتوح الى رئيس مجلس النواب نبيه بري يطالبون فيه بـ»إلغاء قانون التأجير الجائر». ويلفت المستأجرون أن السكن له قوة دستورية توازي حق الملكية و»القانون الجائر هو انتهاك لكل مبادئ العدالة وحقوق الإنسان».
يأمل صدر الدين (63 عاما) ان تلفت هذه التحركات الأنظار الى الخطر المحدق به، يقول: «ولادي بعدن بيدرسو وما عندي فكرة شو ممكن اعمل بعدين». امّا عدنان فيفضل «القبر او الحبس» على أن يتم تشريده في الشارع.