إيفا الشوفي
في هذه الدولة، أصبح بإمكان أيّ كان فرض رسوم وضرائب في نطاق سلطته. يشبه الأمر فرض «الخوّة». لا حاجة إلى الشرعية في دولة «كل مين إيدو إلو». فعلها رئيس الجامعة اللبنانية الشهر الفائت عندما قرر زيادة رسوم التسجيل في الجامعة وفرض رسوم جديدة من دون صدور مرسوم من مجلس الوزراء، وفعلها أيضاً مجلس إدارة صندوق تعاضد القضاة الذي قرر فرض رسوم على المعاملات من دون صدور قانون عن مجلس النواب.
في 14 أيار 2014، أصدر مجلس إدارة صندوق تعاضد القضاة قراراً يحمل الرقم 137 يطلب بموجبه فرض رسوم تعاضد قضاة على بعض المعاملات القضائية والشكاوى الجزائية المقدمة أمام النيابات العامة. في اليوم نفسه، صدر قرار يحمل الرقم نفسه، ظنّه البعض تراجعاً عن القرار الأول الذي يشكّل مخالفةً دستورية واضحة. لم يتراجع مجلس الإدارة، بل على العكس زاد قيمة الرسوم التي فرضها وأضاف رسوماً جديدة في تحدٍّ صارخ للدستور أولاً وللمعنيين، من مواطنين ومحامين، ثانياً. يطلب القرار «حرصاً على إيرادات الصندوق (تعاضد القضاة) لصق طابع صندوق تعاضد القضاة» بقيمة 50 ألف ليرة عن كل تثبيت محضر أو تصديق العقد لدى القاضي العقاري وعن كل الإفادات العقارية والطلبات والاستدعاءات. كذلك مبلغ بقيمة 10 آلاف ليرة عن كل دعوى يجري فيها إسقاط دعوى الحق العام، وعن كل تسلّم مهمة خبير بعد تسلّم الخبير السلفة، وعن كل شكوى جزائية واعتراض على الأحكام. إضافة إلى مبلغ 20 ألف ليرة عند كل تكليف للموظف بإجراء تحقيق، ومبلغ 2000 ليرة عن كل إفادة وعن كل طلب مقدم أو يعطى من أي محكمة أو قلم. المعاملات المذكورة هي معاملات كثيرة الاستخدام، والإقبال عليها كثيف من قبل المواطنين، ما يعني أن المتضرر الأول من هذا القرار هو المواطن نفسه الذي يتحمّل هذه الأعباء الجديدة، مع العلم بأن تكلفة هذه المعاملات في السابق كانت عبارة عن طابع بقيمة 1000 ليرة فقط.
لذلك تقدّم المحاميان المتدرجان نجيب فرحات وواكد صالح بمراجعة أمام صندوق تعاضد القضاة بتاريخ 13 آب ،2014 طلبا فيها الرجوع عن القرار الذي يحمل ثلاث مخالفات أساسية. فالقرار وفق المراجعة يضم مخالفة دستورية للمادة 81 من الدستور التي تنص على أنه «لا يجوز إحداث ضريبة ما وجبايتها في الجمهورية اللبنانية إلا بموجب قانون شامل تطبق أحكامه على جميع الأراضي اللبنانية دون استثناء»، وأكدت على هذا، المادة 82 التي تنص على أنه «لا يجوز تعديل ضريبة أو إلغاؤها إلا بقانون». المخالفة الثانية تتعلق بالمادة 83 من قانون الرسوم القضائية التي تفيد بأنه «تعفى الدعاوى وجميع المعاملات التي تجرى لدى القاضي العقاري من جميع الرسوم القضائية ورسوم الطوابع ولا يتناول الإعفاء هذه الدعاوى لدى محاكم الاستئناف والتمييز». الغريب أن مجلس الإدارة فرض الرسم الأعلى (50 ألف ليرة) على المعاملات العقارية. كذلك فقد خالف القرار المادة 5 من المرسوم الاشتراعي رقم 52 (29-7-1983) التي حددت «بشكل حصري، واستناداً إلى نصي المادتين 81 و82 من الدستور، واردات صندوق تعاضد القضاة». يوضح فرحات أن القرار يخالف أيضاً مبدأ مجانية العدالة، ويشير إلى أنه «عام 1999 عندما كان مجلس النواب يعدّل نظام الصندوق للحصول على موارد جديدة، جرت محاولة لفرض رسوم على الشكاوى الجزائية، إلا أنه تم رفض هذا الاقتراح تمسكاً بمبدأ مجانية العدالة». يؤكد فرحات أنه وزميله سيقدمان شكوى أمام مجلس شورى الدولة للطعن بهذا القرار نظراً إلى عدم تجاوب الصندوق. يرتكز رئيس مجلس إدارة صندوق تعاضد القضاة القاضي علي ابراهيم على سندين قانونيين لتبرير هذه الرسوم: «في ما يتعلق برسم الشكوى الجزائية، فقد اعتبرها الصندوق بمثابة سلفة على الحقوق الشخصية يستوفيها الصندوق قبل بت الدعوى، عوض استيفائها بعد انتهاء الدعوى ويوجد استشارة من ديوان المحاسبة بهذا الخصوص وبالتالي لم نضع رسماً جديداً». ويضيف «أما الرسوم على الإفادات العقارية، فهناك استشارة من هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة العدل منذ عام 2002 تسمح للصندوق باستيفاء رسوم من القاضي العقاري». ويؤكد ابراهيم أن قانون السير الجديد خسّر الصندوق 4 مليارات ليرة، وكان لا بد من إيجاد موارد جديدة. لكن المشكلة تبقى قائمة: فضّل مجلس إدارة الصندوق الارتكاز على استشارات لزيادة وارداته عوضاً عن التشريع بقانون في المجلس النيابي.