على الرغم من انتهاء الرهانات الخطرة على اللعبة الشبيهة بالبوكر بين الطلاب وحكومة هونغ كونغ إلى حالة التعادل لحسن الحظ، لخلوها من سفك الدماء، إلا أنه ليس من المبكر جداً التفكير بالأثر الدائم الذي يمكن أن تتركه المظاهرات المؤيدة للديمقراطية، على هذه المستعمرة البريطانية السابقة.
وكي نبدأ بإحدى النتائج، علينا أن نذكر أن نتائج هذه اللعبة كانت محددة مسبقاً. المطلب الرئيس للطلاب في أن تتبنى هونج كونج ديمقراطية “حقيقية” كان محكوماً عليه بالفشل.
لقد سبق لبكين أن سلمت الأحكام القضائية ووضع شروطاً مشددة على قواعد الانتخابات إلى هونغ كونغ. وهذا سيجعل من غير المعقول أن تنحني بكين لمطالب الطلاب. وإذا كان ذلك لعبة شبيهة بالبوكر، فقد كانت لعبة تم التلاعب بها من قبل. ونحن نعلم أن الكازينو هو الذي يكسب دائماً.
صحيح أن “المفاوضات” بين إدارة حكومة سي واي ليونغ والمدافعين عن الديمقراطية سوف تُعقَد. ومع ذلك لا يوجد أمام سلطات المدينة سوى مجال محدود للتفاوض.
ويعتبر أفضل ما هو معروض أمام المفاوضين هو تبني نظام يختار نصف – على الأقل – أعضاء لجنة اختيار المرشحين – وعدد أعضاء هذه اللجنة حالياً 1200 شخص – لاختيار اثنين إلى ثلاثة أشخاص يمكن أن يختارهم الناخبون الذين يقدر عددهم بخمسة ملايين ناخب في هونغ كونغ.
ولن يُسمح بوجود نظام يمكن أن يتم من خلاله انتخاب شخص متطرف للانتخابات العامة، ناهيك عن انتخاب شخص معارض لبكين. وإذا كان من الضروري أن يستمر الطلاب في المحادثات، عليهم التخلص من بعض مبادئهم الجوهرية.
بالتالي ما معنى ما حصل من أحداث استثنائية في الأيام العشرة الماضية؟ نتج عن ذلك إثارة ثلاثة أسئلة مهمة. الأول هو، هل ستبقى هونغ كونغ مرة أخرى كما كانت دائماً من قبل؟ الثاني، هل تحقق أي شيء من هذه المظاهرات؟ الثالث، هل عند النظر لما حدث في الماضي، كانت المقارنة بين ما حدث في ساحة تيانانمين مبالغ فيه؟
للإجابة عن هذه الأسئلة بالترتيب العكسي، كان تشبيه ما حدث بما كان في ساحة تيانانمين مغرياً، ولكنه كان مضللاً. وضعت مثالية الطلاب الذين قادوا التظاهرات في بكين في عام 1989 أمام مواجهة صعبة مع الحقائق السائدة في دولة الحزب الواحد. إذا أردنا أن نبدأ من الناحية الجغرافية، هونغ كونغ مدينة مزدحمة ومليئة بناطحات السحاب، ولا يمكن مقارنتها بساحة تيانانمين التي يمكن أن يقيم فيها الطلاب معسكرات تدوم أسابيع أو أشهر. وحتى بعد أيام قليلة من بدء المظاهرات، وقف الطلاب في وجه معارضة من سكان عاديين مستائين من خسارتهم لوقتهم وأموالهم.
كانت هناك فروق أعمق، فهونغ كونغ لا تزال محكومة تحت دولة واحدة، ولكن تحت نظامين مختلفين. وعلى الرغم من أن خلافات الطلاب كانت في النهاية مع بكين، إلا أن صراعهم كان يوماً بيوم مع قيادة محلية، لم يكن لديها مزاج لاتخاذ إجراءات وحشية ضد المتظاهرين.
كما أرسلت رسالتهم عن طريق صحافة حرة ومحاكم مستقلة وفرت الحماية لقادتهم. ولم يكن أبداً حدوث مذبحة على غرار ما حدث في تيانانمين خياراً منطقياً أو معقولاً، مع إمكانية حدوث بعض الوفيات لو تصرفت الشرطة بصورة قمعية.
كما يشير جيف فاسرستروم، الأستاذ في جامعة كاليفورنيا في إيرفاين، إلى أن هناك وجود أوجه تشابه أكبر بين ما حدث مع مظاهرات أخرى قادها الطلاب في تاريخ الصين. فمثلاً في عام 1919 لم تنجح حركة الرابع من مايو بإنهاء حكم زعماء الحرب، ولكنها اضطرت بعض المسؤولين إلى الاستقالة، وهو الأمر الذي لا يزال ممكناً في هونغ كونغ، التي أصبح فيها ليونغ موضع احتقار وتساؤل حول تعاطيه أعمالاً تجارية في المدينة.
هل حقق الطلاب شيئاً؟ سيقول غير المتفهمين للوضع، لا، باستثناء بضع مليارات من الأموال التي ضاعت من توقف مبيعات التجزئة والمقبوضات من السائحين.
ليس من الضروري أن تكون عاطفياً كي يحرك مشاعرك منظر جيل جديد يتخذ إجراء في سبيل الديمقراطية. ترعرع مئات الآلاف من شباب هونج كونج سياسياً بشكل سريع تقريباً. والكثير من هؤلاء تعلموا دروساً صعبة عن قوة – وحدود – المظاهرات المنظمة.
ماذا عن هونغ كونغ نفسها؟ علينا ألا ننسى أن هذه الجزيرة عانت اضطرابات سابقة. أعادت بريطانيا هذه الأراضي إلى الصين قبل 17 عاماً فقط. وفي عام 2003 سبب تفشي مرض سارز اختلالاً في الاقتصاد. وقد اعتادت هونغ كونغ التعافي دائماً. ومكانتها كمركز مالي عالمي آسيوي لا تزال محفوظة حتى هذه اللحظة.
بصورة عامة تأكد وضع حكم القانون الذي يقوم عليه هذا الدور. بكين بحاجة إلى هونغ كونغ كما كان عهدها دائماً. الحساب الجاري للصين مغلق، ونوعية رأسماليتها غير متطورة، وعملتها غير قابلة للتحويل.
لا تزال هونغ كونغ بالنسبة للصين المكان الحيوي الذي تجمع منه رأس المال. وتقارن شركاتها بالمعايير العالمية وتتاجر ضمن العولمة بعملتها الرينمنبي (اليوان).
ومع ذلك تركت الأحداث التي مرت في الأيام العشرة الماضية آثارها النفسية في البلد. القليل الآن من الناس يشكون بأن هونغ كونغ، حين يجد الجد، هي مدينة صينية أو أنها خاضعة لقوانين بكين.
بالقدر نفسه، لا يستطيع كثيرون أن يتخيلوا أن القضايا الأساسية التي أثارها الطلاب تمت تسويتها على أي نحو كان. يعلم أهل هونج كونج شكل الديمقراطية الفارغة حين يرون نموذجاً منها.
وكثير منهم، خصوصاً الجيل الشاب، يريدون المزيد. وهذا يعني أن المدينة ستكون متوترة سياسياً لعدة سنوات مقبلة. اختفت هونغ كونغ التي نعرفها – حيث تنتصر الأعمال على السياسة ويتغلب المال على الأيديولوجيا.