تستطيع أن تختار على هواك: خيار بريطانيا في انتخابات السنة المقبلة سيكون بين النسيان والخداع. زعيم حزب العمال المعارض لا يستطيع أن يتذكر أهمية عجز الموازنة البريطانية، ويتظاهر رئيس الوزراء من المحافظين أنه سيكون من السهل التعامل مع فائض الموازنة وتقليص الضرائب.
بلغ من سخف هذين الموقفين حول المالية العامة البريطانية إلى درجة أنه لا توجد حقائق كثير مبثوثة في النقاش. أهمها هي نقطة البداية. السياسة المالية العامة البريطانية متساهلة بخصوص تجاوز الإنفاق العام في بريطانيا في 2014 إيرادات الخزانة بنسبة 5.3 في المائة من الدخل القومي، وفقاً لتقرير من صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع. غير أن إسبانيا والولايات المتحدة واليابان ستعاني عجزا أكبر في الموازنة في العام الحالي.
العجز في الموازنة لا يتطلب بصورة آلية اتخاذ إجراء معين، لكن بريطانيا احتاجت إلى سياسات التقشف لأن الأزمة المالية كشفت النقاب عن أنها أفقر بنسبة لا يستهان بها مما كان متوقعاً، وهو ما أوجد حفرة دائمة في المالية العامة.
الأمر الذي يبعث على الحزن هو أن تقديرات عام 2010 حول هذا الضرر طويل الأمد، ارتفعت بسبب النمو السريع في التوظيف الذي لم يقابله في الجانب الآخر زيادة في الناتج أو المقبوضات الضريبية، وهو ما يشير إلى أن المستوى الكامن للنشاط الاقتصادي هو مع ذلك أضعف مما كنا نرجو.
قبل أربع سنوات، ظن صندوق النقد أن العجز الكامن وصل إلى الذروة عند 8.3 في المائة من الدخل القومي، لكن تم تعديل هذا الرقم إلى الأعلى ليصل إلى 10.3 في المائة.
استجابة للوضع الأليم للمالية العامة، جادت حكومة الائتلاف بعمل جيد على نحو لا بأس به. كان تقليص العجز مؤلماً لكن الجهود فيه لم تذهب بصورة واضحة أبعد مما يجب أو سارت على نحو أسرع مما يجب.
الأشخاص من ذوي العقلية الجرمانية سيقولون إنها قد قطعت نصف المسافة المطلوبة نحو الفائض اللازم في الموازنة، والذين يميلون إلى العقلية الفرنسية سوف يجادلون بأن بريطانيا نفذت منذ الآن نحو ثلثي المهمة. يعلم الجميع أن المجهود الإضافي أصعب الآن، على اعتبار أن الاقتطاعات السهلة تم تنفيذها في الأصل.
في مؤتمر حزب العمل في مانشستر، نسي إيد ميليباند أن يشير إلى العجز، وهو ما أكسبه الازدراء بين خصومه، لكن الأمر الأسوأ من إلقاء كلمة رديئة أو نسيان نقطة مهمة في الخطاب هو جوهر سياسة العمال.
من الواضح أن ذلك لم يكن خطأ سخيفاً حين ذهب إد بولز، وزير المالية في حكومة الظل، إلى المؤتمر حاملاً رسالة مفادها أن وضع المالية العامة سيئ للغاية، إلى درجة ستضطر حزب العمال إلى تجميد معونات الأطفال لمدة سنة.
سياسة العمال الرمزية في التعامل مع ما تعتقد أنه مشكلة مقدارها 35 مليار جنيه، تعتبر بمثابة تقليص في الإنفاق بمقدار 120 مليون جنيه. هذا الفصل كان تعبيراً رمزياً عن الهوة بين ما يرغب حزب العمال في قوله، وما سوف يتعين عليه أن يفعله.
في مقابل السخرية المفتعلة، كانت رسالة ديفيد كاميرون متفائلة حول سهولة تقليص العجز.
قال زعيم المحافظين إنه سيتعين على الحكومة القادمة العثور على “ما قيمته 25 مليار جنيه من المدخرات، وهي ربع المدخرات التي أوجدناها في هذا البرلمان”.
كانت الأرقام دائماً نوعاً من التفاصيل المملة بالنسبة لرئيس الوزراء، لكن هذه المقارنة تشتمل على خلط فظيع بين التعريفات والتواريخ، إلى درجة أنها من الناحية الحرفية ليست لها أي صلة بالحقيقة.
لو أخذنا تعريف كاميرون المفضل للإنفاق، الذي يشكل أساس رقم 25 مليار جنيه – وهو إجمالي الإنفاق ناقصاً دفعات الفوائد على الديون – فإن أرقام مكتب مسؤولية الموازنة تُظهِر أن نحو نصف الاقتطاعات الحقيقية في الإنفاق قد تحققت، وأنه بقيت نصف الاقتطاعات التي لا تزال هناك حاجة إليها.
بطبيعة الحال، تحقيق النصف الثاني من اقتطاعات الإنفاق لا بد أن يأتي قبل أن تكون هناك أية أموال للتخفيضات الضريبية.
حين كان رئيس الوزراء مشغولاً بإحضار شخص لترتيب دفاتر الحسابات لمصلحته، هل نسي أنه أنشأ جهازاً مستقلاً؟ وهو مكتب مسؤولية الموازنة، حتى يحول دون أن يخدع الساسة الجمهور حول المالية العامة للبلاد؟ أم أنه ببساطة كان متغطرساً إلى درجة جعلته لا يكترث؟
سياسات العجز لدى الحزبين الرئيسين تنمحي معالمها لتصبح سياسة واحدة. وسواء كانت هذه السياسة هي النسيان أو الخداع، فهذا لا يهم. حين تفتح الحكومة الجديدة الدفاتر بعد الانتخابات وتظهر الحقيقة، سوف يظن الناخبون أن حكامهم الجدد هم مجموعة من الكاذبين الراغبين في قول أي شيء، من أجل أن يتم انتخابهم. وسوف يكونون على حق.